كتب شرحبيل الغريب: ماذا تخطّط “إسرائيل” إزاء تطبيعها مع المغرب؟

كتب شرحبيل الغريب: ماذا تخطّط “إسرائيل” إزاء تطبيعها مع المغرب؟

على خطى الإمارات، وبطريقة مماثلة، يسير المغرب بالتمادي في مسار التطبيع مع “إسرائيل”، فبعد توقيعه اتفاق التطبيع في كانون الأول/ديسمبر الماضي، استقبل وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد لافتتاح سفارة رسمية لـ”إسرائيل” في الرباط وتجسيد خطوات التطبيع عملياً، عبر توقيع 3 اتفاقيات علنية؛ الاتفاقية الأولى تركزت حول آلية التشاور السياسي مع النظام المغربي، والثانية التعاون في مجالات عدة.

أما الاتفاقية الثالثة، فكانت خاصَّة بالخدمات الجوية بينهما، في خطوةٍ تُعدّ تمادياً خطيراً من المغرب في تطبيعه مع “إسرائيل”، وتحولاً استراتيجياً في سياسة المملكة المغربية الخارجية، والتي تستهدف من سياسة الهرولة نحو التطبيع تطوير العلاقات مع “إسرائيل” في المجالات كافة، سواء الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والاستثمارات أو غيرها من المجالات.

ثمة سؤال مهم يطرح نفسه: ماذا يريد المغرب من وراء هذا التمادي في التطبيع؟ وهل يخاف من “إسرائيل”؟ وعلى من يخاف؟ هل وصل الحال ببعض الحكام العرب إلى السقوط في هذا الوحل لأجل الحفاظ على كرسي الحكم وتكريس حكم الديكتاتورية بالاستقواء على الشعوب بالمحتل أو المستعمر؟

يتمادى المغرب بخطواته في تطوير مسار التطبيع مع “إسرائيل”، ليشكّل بوابة لاختراق دول المغرب العربي، معتقداً أنَّ مثل هذا التمادي يمكن أن يشكل عامل قوة داخلية له، أو يساعد في تحسين أوضاعه، سواء الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية داخلياً وخارجياً، إذ يعدّ رابع دولة عربية تطبّع علاقاتها مع “إسرائيل” برعاية أميركية العام الماضي بعد الإمارات والبحرين والسودان.

التوقّف أمام ما قامت به الدول الخليجية والعربية من تطبيع مع “إسرائيل” عامة، وما قامت دولة المغرب خاصة، من الضروري النظر إليه نظرة شموليّة لا نظرة سطحيّة، فالتطبيع في العقلية الإسرائيلية هدفه الظاهر أن يجعل “إسرائيل” طرفاً مقبولاً عند الدول العربية، وهو ما تسعى إليه في الدرجة الأولى. أما هدفه الكامن، فيشكل استراتيجية إفساد وتحقيق لأطماعها في المنطقة.

بعقلية مركز “موشيه دايان للأبحاث الشرق الأوسطية والأفريقية” التي أعلنها مؤخراً، إنَّ التطبيع في الفكر الإسرائيلي هو عقيدة تمدّد، تقوم به “إسرائيل” في المنطقة عن قناعة مطلقة، ولها أطماع كبيرة من وراء ذلك. إذاً، لا بدّ من أن نتفق على نتيجة واضحة بأن “إسرائيل” لا تقدم هدايا لأحد من خلال صفقات التطبيع، كما تحاول الدول المطبعة الترويج بأنه استراتيجية تعايش وسلام، فهذه خديعة مطلقة.

التغلغل الإسرائيلي في المنطقة العربية يتواصل، فبعد نجاح “إسرائيل” بالتغلغل في الاتحاد الأفريقي مؤخراً، يستمر المخطط الإسرائيلي انطلاقاً من المغرب لتحقيق أهداف إسرائيلية استراتيجية. وما وراء زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد أكبر من قضية افتتاح مقر سفارة بعينه، إذ إنَّ التمادي المغربي في التطبيع يحوّل النظام المغربي إلى نظام وظيفي تستخدمه “إسرائيل” لتحقيق أغراضها في المنطقة. ربما أولى هذه الأغراض تتمثّل ببناء قواعد لها في المغرب، ثم التغلغل أكثر في الدول المغاربية.

ثمة مؤشرات كارثية يمكن أنت تُقرأ تجاه زيارة الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد وما سيترتب عليها من اتفاقيات تشكل استغلالاً لحالة التناقضات في الدول المغاربية، تكون بداية لفوضى خلاقة أو حروب قادمة أو زعزعة للاستقرار في دول شمال أفريقيا خاصَّة، فمثل هذا السيناريو سيكون له الضرر الأكبر على المغرب من جهة، والجزائر وباقي الدول من جهة أخرى.

الاختراق الإسرائيلي للمغرب ليس سهلاً، بل يعدّ خطيراً جداً، إذ يشكّل خطوة أولى لاختراق دول المغرب العربي كلها، ونستطيع القول إنَّ “إسرائيل” يدها الآن على المغرب، لكن عينها على الجزائر وتونس وموريتانيا، وسيكون لهذا المشهد تداعيات خطرة على الصعيد الإقليمي، من المرجح أن تحدث في المنظور القريب، وهي تتمثل بتوظيف هذه الاتفاقيات لتحقيق مطامع “إسرائيل” تجاه الدول المغاربية، أهمها استغلال “إسرائيل” للأراضي المغربية وإقدامها على إنشاء قواعد أمنية وعسكرية لها على حدود الجزائر، وخصوصاً بعد المواقف الجزائرية الأخيرة المناهضة لـ”إسرائيل” والرافضة لانضمامها عضواً في الاتحاد الأفريقي وتدشين حملة دولية للشأن نفسه، ناهيك بالأهداف الأمنية الإسرائيلية الأخرى، وتحديداً على المنشآت العسكرية والاقتصادية في الجزائر.

إذا أردنا أن نفكّك المشهد أكثر بعد هذا التحوّل المغربي الأخير، فعلينا أن ندرك أن غاية “إسرائيل” من وراء تطوير مسار التطبيع مع المغرب هي تحقيق انخراط الرباط بشكل فعلي في ما يُسمى “حلفاً إسرائيلياً عربياً سنّياً”، بدأ بالإمارات، ثم البحرين والسودان، وقد تلحق به السعودية علانية في أي لحظة، خدمةً للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، وبزعم تقويض الخطر الإيراني على المنطقة. إذاً، بتنا أمام مشهد يتجاوز التطبيع، ونستطيع القول إنّنا وصلنا إلى مرحلة الاندماج العربي في المشروع الصهيوني.

تلك هي الذريعة الّتي يسوّقها المطبّعون كعادتهم للتغطية على انحدارهم سياسياً وأخلاقياً، بالتلويح كما كل مرة بمزاعم وجود الخطر الإيراني على المنطقة، إذ تتساوق دعايتهم وسلوكهم مع تصريحات قادة “إسرائيل” على الدوام، فقد أعرب وزير خارجية “إسرائيل” يائير لابيد انطلاقاً من العاصمة المغربية الرباط عن قلقه من التقارب بين الجزائر وإيران، وقال بشكل واضح في تصريح له: “نحن نتشارك بعض القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قرباً من إيران وسياساتها، وهي تقوم حالياً بشنّ حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب”.

في الحقيقة، إننا نعيش أمام أجندة تطبيع واضحة تشكّل حالة سقوط أخلاقي وسياسي لتلك الدول المطبعة، وتستخدم فيها الدعاية الإسرائيلية متسقة تماماً مع السلوك العربي، وتتمثل بتشكيل “الحلف الإسرائيلي السني العربي” في مواجهة مزاعم الخطر الإيراني، لكن هذا الحلف في حقيقته حلف وهمي يصنع من إيران عدواً وهمياً للأمتين العربية والإسلامية، بينما الحقيقة التي يتغافل عنها المطبّعون هي أنّ “إسرائيل” وأطماعها ومشروعها، وهي التي تحتلّ فلسطين والمنطقة العربية، وتعمل على تقسيمها طائفياً وزرع الفتنة فيها، وتدفع بحروب طاحنة في داخلها، تشكّل خطراً حقيقياً كبيراً على الأمتين العربية والإسلامية، وليس إيران.

الحقيقة الَّتي تغفل أو تتغافل عنها الدول التي طبعت وهي غارقة في وحل التطبيع والخيانة للقضية الفلسطينية، أنَّ هذا السلوك الإسرائيلي في استمرار تعزيز اتفاقيات التطبيع ما هو سوى وهم تعيشه تلك الدول، وستستيقظ بعد غفلة على مخاطره، وتعيشه أيضاً “إسرائيل”، وتحاول تسويقه كانتصارات سياسية دبلوماسية خارجية لتعويض الهزيمة العسكرية الكبيرة التي لحقت بها في معركة “سيف القدس” الأخيرة أمام انتصار المقاومة الفلسطينية ومحورها الممتد من فلسطين وبيروت ودمشق والعراق واليمن، وصولاً إلى طهران، التي نجحت رغم عظم التحديات والمؤامرات في تشكيل حلف مقاوم قوي متصاعد، يدافع عن فلسطين وقضيتها، ويلفظ “إسرائيل” ومشروعها الاستئصالي في المنطقة، كما يعمل من أجل كبح جماع هذا التغلغل الإسرائيلي الجاري في المنطقة.

المصدر: الميادين

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023