كتب طلال سلمان: فى انتظار عودة الروح إلى «الميدان»…”إسرائيل” توظف بؤس الوضع العربى.. لتوسعها!

كتب طلال سلمان: فى انتظار عودة الروح إلى «الميدان»…”إسرائيل” توظف بؤس الوضع العربى.. لتوسعها!

انفرط عقد العرب وتوزعوا أيدى سبأ. سقط العداء عن “إسرائيل” وباتت في عيون الكثير من المسؤولين العرب «دولة شقيقة»، أو في أبأس الأحوال دولة صديقة.. وأن سبع دول عربية شاركت معها في مؤتمر وارسو تحت الرعاية الأمريكية.
بالمقابل ما زالت عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية معلقة، علما بأن هذه الجامعة قد باتت أشبه بتكية عتيقة لا علاقة لها بقرارات دولها مجتمعة أو منفردة، بما في ذلك معاهدات الصلح مع العدو الإسرائيلى.. بدليل أن «دولة عظمى» مثل قطر هي التي تزعمت الدعوة «لطرد» سوريا من هذه الجامعة التي فقدت الدور الذى يجسده اسمها منذ زمن طويل.
السؤال إلى أين من هنا؟
يتصل بذلك سؤال أخطر وأقسى: أين فلسطين، القضية المقدسة، من كل هذه التطورات التي تنهش من لحم الأمة العربية ووحدتها ومستقبلها المعلق الآن على كف الاحتلال الإسرائيلى.. خصوصا بعد إسقاط صفة العدو، المصبوغة بدماء آلاف الشهداء عن الدولة العنصرية، والقاعدة الأقوى للإمبريالية الأمريكية في الأرض العربية؟
لقد سقطت فلسطين، عمدا وليس سهوا، بل هي أُسقطت بقرار واع، وصار الحديث عن «السلطة» التي لا سلطة لها في الضفة الغربية منفصلا تماما عن الحديث عن غزة التي ما تزال تخرج بلحمها كل يوم جمعة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلى، ولا من ينجد أو يتحرك محتجا، ولو من أجل إنقاذ الشكل، وما تبقى من أسطورة الأخوة والتضامن ووحدة المصير.
ومع سقوط فلسطين سقط أخطر ما يجمع بين العرب، الذين كانوا، ذات يوم، يحلمون ببناء دولتهم الواحدة والموحدة والتي تعيدهم إلى الموقع اللائق بماضيهم في التاريخ «كدولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد».
مؤتمر وارسو خطوة واسعة نحو التطبيع فالصلح مع العدو الإسرائيلى وبشروطه التي تلغي مع فلسطين وقبلها الهوية الجامعة بين العرب في المشرق والمغرب والآمال والأحلام التي كانت تتطلع إليها هذه الأمة.
لم يعد كثرة من المسؤولين العرب تتردد في التقدم لمصافحة نتنياهو أو أي من المسؤولين الإسرائيليين، أو الجلوس معهم إلى منصة واحدة في أي مؤتمر «دولي» غالبا ما ينظم – بدقة – للجمع بين «أعداء الماضي والشركاء في المستقبل».
سبع دول عربية شاركت مع إسرائيل في المؤتمر الدولي الذى نظم بهدف التحالف ضد إيران، وكانت هذه الدول أكثر حماسة من عواصم أوروبا، باريس، وبون، في إظهار العداء للجمهورية الإسلامية.. بل إن وزير خارجية اليمن منصور هادى لم يتردد في الجلوس إلى المنصة، إلى جانب نتنياهو، قبل أن يعتذر بذريعة أنه لم يعرف أنهم قد «اختاروا له هذا المقعد»…
والأمير تركي الفيصل، إلى جانب وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي «عادل الجبير» انطلق في حديث مفتوح مع واحد من مندوبي إسرائيل إلى المؤتمر، من دون أي شعور بالحرج أو الخوف من كاميرات الصحافيين.
هو عصر آخر: لقد أُسقط العداء من جانب الدول العربية عن إسرائيل، وصالحها بعضهم مع إنها ما تزال تحتل أرضا عربية في سوريا ولبنان، وقد فرضت شروطها «للصلح» مع مصر والأردن.. وها هو نتنياهو يجول في العواصم العربية و«يفتح» تشاد، ويجلس إلى منصة القيادة في حضور سبع دول عربية.
أما فلسطين فقد توزعت ثلاثة أقسام: الكتلة الكبرى، بما في ذلك القدس الشريف، تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلى، وبعض الضفة الغربية بعنوان رام الله تحت «السلطة الوطنية» التي هي أيضا تحت وصاية الاحتلال الإسرائيلى، وقطاع غزة المحاصر بالحديد والنار، يخرج أهله كل يوم جمعة إلى السور المكهرب الذي يفصلهم عن أهلهم في سائر أنحاء فلسطين ثم يعودون وهم يحملون أجداث الشهداء والجرحى الذين سقطوا في مواجهة رصاص العدو الإسرائيلى الذي يمنعهم من التواصل مع أشقائهم في الضفة الغربية بالشراكة مع شرطة السلطة التي لا سلطة لها إلا عليهم.
السؤال إلى أين من هنا؟
لقد افترق العرب حتى العداء وتآمر بعضهم على البعض الآخر..
في المشرق: سوريا غارقة في دمائها نتيجة الحرب فيها وعليها.. وتركيا لا تخفي مطامعها في اقتطاع بعض الشمال السورى (إدلب وما جاورها) بذريعة حماية ذاتها من «الإرهابيين» – «دواعش» وما اشتق منها – أما الولايات المتحدة الأمريكية فتساوم على المكشوف قبل سحب جنودها من شرقي سوريا، في حين يواصل العدو الإسرائيلى تحرشه عسكريا، بغاراته الجوية عبر فضاء لبنان وبحره، ودائما بذريعة مقاتلة «الوجود الإيرانى»… والقوات العسكرية الروسية الموجودة على الأرض السورية لا ترى نفسها معنية بصد هذه الغارات.
وفي العراق يتواطأ الغرب الأمريكى على إثارة الفتنة بين السنة والشيعة مستفيدا من اندثار الطبقة السياسية التي استولدها عهد صدام حسين، و«استيلاد» طبقة سياسية جديدة من رواد المنافي الذين عادوا ولكل منهم «علاقاته» بالبلد الذي كان يستضيفه ومن ثم «ثاراته» على النظام السابق التي يترجمها طائفيا بصيغة «استعادة حقوق الشيعة» في الحكم والتي اصطنعها الاستعمار البريطانى ثم نظام الحكم السابق الذي غلب عليه «الطابع السنى» في حين أهملت الأكثرية الشيعية بحقوقها ومطالبها في بلادها.
وفي مناخ كهذا يمكن لبعض أقطار الخليج أن «يستثمروا» في الطائفية (سنة X شيعة/مسيحيون X مسلمون) فيكسبون مساحة إضافية للنفوذ في نظام هش التكوين يعتمد «التوازن الطائفي» بديلا من «الوطنية» كقاعدة للسلطة والنفوذ والثروة.
وفي قطر فإنها تستقل بسياستها وتحالفاتها، بعدما «تعاظمت» حتى كادت تخسر هويتها، وخاصمت معظم جيرانها – أشقائها، وفتحت أبوابها للنفوذ الإسرائيلى وقاعدة العيديد فيها للقوات الأمريكية، لا سيما الطيران الحربى، مع ترك مساحة للصداقة الحميمة مع تركيا في الاقتصاد والعسكر.
لا يمكن أن تكتمل الصورة الراهنة للوضع العربى من دون الإشارة إلى انشغال مصر بذاتها، وغيابها عن دورها القومي الذي لا يعوضه غيرها..
وبالتأكيد فإن لمصر أسبابها للقلق وهي تتابع التوسع الإسرائيلى في المنطقة العربية كما في إفريقيا، ودول عدم الانحياز..
كذلك فإن الوضع في ليبيا ومخاطر الحرب الأهلية فيها تلزم مصر بمتابعة هذه التطورات بكثير من القلق، خصوصا مع التزاحم الدولى الغربى أساسا على وراثة معمر القذافي وثروة النفط والغاز الهائلة في هذه الدولة هائلة المساحة قليلة السكان، والتي يحاول مستعمرها القديم، إيطاليا، الإفادة من الفراغ لاستعادة بعض ما كان ينهبه من خيراتها، بالتنافس مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، في حين يحاول الروس استعادة بعض ما كان لهم من نفوذ في «الجماهيرية» التي خرجت ولم تعد.
***
صورة الوضع العربى غير مشرقة.. لا سيما مع غياب الشعب عن ميادينه وعن مركز القرار في السلطة والتي تسلم قيادها – في الغالب الأعم – لواحد أحد لا شريك له..
ثم أن «الميدان» مقفل، وهو منبع الأمل والمصدر الشرعى للسلطة، كل سلطة في أية دولة في العالم..

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023