كتب علي خيرالله شريف: رثاء الملكة إليزابيت الثانية

كتب علي خيرالله شريف: رثاء الملكة إليزابيت الثانية

لقد رحلت وأخذت معها قلوب زعماء العرب. ما أبهى موكب رحيلها؛ أكاد أقول أنه أبهي من طلتها أثناء حياتها.
ماذا أصف فيها وكيف أصف؛ يعجز اللسان عن وصف مآسيها ومآسي دولتها في مشارق الأرض ومغاربها. يكفي أن نقول أن ألماس تاجها مسروق، وخشب نعشها مسروق، وكذلك مجوهرات قلاداتها وقلادات جنرالاتها، وقلادات وريثها العجوز تشارلز، ونياشين القراصنة الذين سبقوه، وغيرهم الكثيرون ممن تعاونوا على قتلنا وتوارثوا الجريمة بسفك دمنا ودماء الأبرياء في أنحاء المعمورة.

ملكةٌ من ملوك القتل قد أفَلَت، فتهافت الصغار لتأدية واجب العزاء بها، بينما هم لم يتهافتوا يوماً ولم يكترثوا لقتل خمسمئة ألف طفل عراقي، وعشرات الالاف من أطفال اليمن ومن اللبنانيين، وأربعمئة ألف سوري، وللمجازر التي ارتكبتها في فلسطين، وللمجازر المستمرة في ليبيا، ولأكوام الجثث من الروهينغا، ولعشرات آلاف القتلى في البوسنة والهرسك، وفي الصومال وفي أفغانستان وباكستان والهند وفي أميركا اللاتينية، في فنزويلا وكوبا وفييتنام وبوليفيا وغيرها وغيرها… وللملكة الفقيدة في كل تلك الجرائم السهم الأكبر ولدولتها العظمى الخطط والتنفيذ.

إن الدهر يومان، وها هو يوم الحضارات المبنية على جثث الشعوب والأمم قد حان وقت أفوله، وقاربت شمسُها على الغروب، ولاحت في الآفاق حريات الأمم المستضعفة، والتاريخ لن يعود إلى الوراء.
هي لم تقتلنا وحدها، بل هي حلقة من سلسلة مترابطة من ملوك وملكات الامبراطورية البريطانية التي لم تكن تغيب الشمس عن أمصار جرائمها.
ألم تُشَيِّد عمرانها من دمارنا؟
ألم تبنِ حضارتها من تأخُّرِنا؟
ألم تنعم بالسلامِ من إشعال الفتن والحروب بيننا؟
ألم تدعم أعداءنا ضدنا في الميادين والمحافل الدولية؟
أليسوا قراصنتها هم الذين غزوا أميركا وأبادوا سكانها الأصليين وجعلوا جماجمهم أكواماً مُكَوَّمة، ونهبوا ثرواتها، واحتلوا أراضيها وما زالوا يعيثون فساداً فيها؟

إنَّ فقدها فعلاً خسارة لكل تابعٍ وعميل، ولكن لا تحزنوا أيها المحزونون عليها فإن وريثها هو أكثر حقداً عليها، ويداه ملوثتان بدمائنا مثلها، ولن يقصِّرَ في متابعةِ نهجها بكلِّ أمانةٍ.

العشرات من زعماء العالم ذهبوا للقيام بواجب المشاركة في تشييعها إلى بئس المصير. وأكثر الزعماء هم من المُنَصَّبين من قِبَلِ دولتها برتبة زاحفٍ وخادمٍ مطيع وماسح غبار عن صورتها البشعة، ولابسِ قناعٍ قبيحٍ ضد شعبه.

نحن لم ننسها يوماً ولم ننسَ أسلافها أبداً. كيف ننسى وعد بلفورها، وغليان مؤامراتها، وتعدادُ مجازرها فينا هو بعدد شعر الرؤوس، وبعدد إذلال النفوس..

أما أنتم أيها المحزونون من اللبنانيين، فكان الله بعونكم في هذه الرزيَّة، وألهمكم صَبرَ الدونيَّةِ والتَبَعِيِّة، وعَوَّضَ عليكم بأنجس منها ومن أسلافها من ملوك الامبراطورية.

إصبروا يا نجيب ويا بو حبيب ويا أيها السابق والأسبق من تابعٍ وربيب. واصبروا يا أتباع السفارات الاستعلائية والمبهورين باللكنات الإفرنجية، فإن الصبح قريب.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023