كتب موفق محادين: طبول حرب أم غطاءات للعولمة العسكرية الإمبريالية؟

كتب موفق محادين: طبول حرب أم غطاءات للعولمة العسكرية الإمبريالية؟

لا حرب في المنطقة، على المستوى الاستراتيجي، لا هذه الأيام ولا في المدى المنظور، والطبول التي تُقرَع هذه الأيام هي طبول لا يسمعها إلّا الخائفون أو المكلّفون الاستحقاقات الأميركية.
يعرف أي مسؤول مبتدئ في علم السياسة (غير الثرثرة السياسية والخضوع للميديا الإعلامية الموجّهة) أن ثمن الحرب في الشرق الأوسط مكلف للغاية، وليس في مقدور أحد أن يتحمل نتائجه وتبعاته، بل إن بعض الدول قد يصبح في خبر كان إذا ما اندلعت هذه الحرب، ومنها كيان العدو الصهيوني نفسه. فالخيار شمشون صار مشتركاً بين “تل أبيب” وطهران، إذا ما اندلعت النار من أطراف الثوب إلى الرأس.

وإذا كانت الحرب صعبة مع توازن الردع، الذي أحدثته الصواريخ منذ تموز/يوليو 2006، و”سيف القدس”، فلقد أصبحت أصعب فأصعب مع الاندماج الإيراني التدريجي في القوس الروسي – الصيني، عبر اتفاقية شانغهاي، وقريباً البريكس، وربط الملفات الإقليمية بالملفات الدولية، فصار التهديد بالحرب ضد إيران تهديداً لهذا القوس، وصارت نظرية أثر الفراشة في قلب الواقع.

لذلك، فالطبول التي تُقرَع هذه الأيام هي طبول لا يسمعها إلّا الخائفون أو المكلّفون الاستحقاقات الأميركية، والأدق أن نقول إن لا حرب أبداً في المنطقة، على المستوى الاستراتيجي، لا هذه الأيام ولا في المدى المنظور، وكل ما في الأمر يندرج تحت ثلاثة عناوين:

الأول محلي، هنا وهناك من البلدان الملحقة بالأطلسي، ويتعلق بالإزاحة عن الفساد والأزمات البنيوية والاجتماعية والتجويع وسعار الأسعار، قبل أزمة أوكرانيا وبعدها، وتخلي الدولة عن دعم السلع والخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والنقل والمواد الغذائية الضرورية.

الثاني إقليمي، ويتعلق بالترتيبات والتحضيرات القديمة – الجديدة لإزاحة العدو الصهيوني، كتناقض تناحري أساسي واختلاق تناقض إقليمي بديل عنه، وذلك عبر تصعيد بعض التعارضات الثانوية المألوفة بين دول الجوار التاريخية إلى مستوى التناقض التناحري، وخصوصاً إذا كانت هذه الدول باتت تشكل موضوعياً قوة إقليمية صاعدة متصادمة مع الإمبرياليين والصهاينة. والمقصود هنا، إيران، ودونَ هذه الاستراتيجية ترتيبات وتحضيرات وردت مبكّراً في كتابات الإعلامي المصري الكبير الراحل، محمد حسنين هيكل، حين حذر من مشروع أميركي – نفطي لإبدال (الخطر الإسرائيلي) بإيران، وإقامة تحالف عربي – صهيوني انطلاقاً من ذلك.

ولعل الأخطر هنا ما ورد في كتاب قديم لشلومو نكديمون (الموساد ودول الجوار)، حين سرّب الموساد عن طريق عملاء له، منهم الكردي بدير خان، خطة بموافقة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، سامي الصلح (على ذمة الكتاب)، تدعو إلى إقامة اتحاد مشرقي عربي – كردي – إسرائيلي.

العنوان الثالث دولي، يتعلق بأزمة المتروبولات في النظام الرأسمالي العالمي، وعلى رأسها التحالف الأنغلوساكسوني الأميركي – البريطاني، وهي الأزمة المتفاقمة بسبب الثورة المعلوماتية والتقنية وأجيالها المتسارعة، وطرد ملايين البشر من سوق العمل، والخلل في التركيب العضوي لرأس المال، وفي العلاقة بين المركز الرأسمالي المتراجع والمحيط الحيوي.

كما بسبب تفوق روسيا الأوراسية والصين في حقل الجيوبولتيك الأوراسي – الآسيوي، والذي يتشكل العالم الجديد من خلاله، فإن الدراسات الأميركية نفسها لا تنكر أن الصين تقترب من إزاحة واشنطن عن العرش الاقتصادي للعالم.

ومن العوامل الأخرى، التي تقف وراء إعادة العسكرة الأميركية للعالم، عامل قديم – جديد، هو المحافظة على بقاء النظامين المالي والنقدي العالميَّين تحت سيطرة الدولار، وهو الأمر الذي كرسته اتفاقية “بريتون وودز” بعيد الحرب العالمية الثانية، وجعلت منه العملة الصعبة لكل العالم، بل فرضت على سوق النفط العالمية، بالتعاون مع السعودية، ما يعرف بالبترودولار (كل برميل يسعر ويباع بالدولار). لذلك، تدرك واشنطن أن سطوتها، بحرياً وبرياً، عبر عسكرة العالم ونشر القواعد الأميركية، هي التي تحمي سطوة الدولار على النظامين المالي والنقدي العالميَّين، وأن أفول هذه السطوة، وخصوصاً عبر التحولات الكبرى في روسيا والصين، يحوّل نظام الدولار إلى نظام من كرتون، ويحوّل لعبة الإصدارات الأميركية الداخلية للدولار إلى عبء مرعب على الاقتصاد الأميركي برمته.

وعليه، انطلاقاً منه، قررت مطابخها الاستراتيجية العودة إلى اللعبة القديمة المجرَّبة، وهي الإزاحة نحو الأزمات الدولية والإقليمية، وتوزيع عبء المواجهة على جماعاتها في كل مكان، عبر نشر الذعر والعولمة العسكرية وقواعدها شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، ولاسيما على طول طريق الحزام الصيني (في باكستان مثلاً، قُطع تحولها الاقتصادي المدعوم من الصين وتمت إعادتها محميةً أمنية عسكرية أميركية). وبالمثل، تطويق روسيا الأوراسية بأوروبا مذعورة، فقدت سيادتها برمشة عين أمام الملحقين العسكريين الأميركيين في عواصمها.

هكذا، ما إن أطلقت روسيا عمليتها العسكرية الشجاعة ضد عملاء الناتو في أوكرانيا، والتي سبق أن تحوّلت إلى محمية صهيونية منذ أن انفصلت عن الاتحاد مع روسيا، حتى دبت الحياة شمالاً في الشرايين المتصلبة للحلف الأطلسي، كما في الشرق الأوسط، وراحت القواعد الأميركية تنتشر مثل الفطر السامّ.

المصدر: الميادين نت

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023