كلمة فلسطين خارج مؤتمر البحرين: أنتم خونة…بقلم: محمد الرصافي المقداد

كلمة فلسطين خارج مؤتمر البحرين: أنتم خونة…بقلم: محمد الرصافي المقداد

من المعيب وغير اللائق على الحكومة التونسية الحالية، برئاسة يوسف الشاهد، أن تتمادى في مسار التطبيع السّيئ السّمعة، الذي رسمته لها سياسة أمريكا والغرب، فتخطو كل سنة خطوات مستفزة لإرادة الشعب التونسي، ومثيرة لمشاعره التي ربطها باستحقاقات الشعب الفلسطيني التحررية العادلة.
حكومة يوسف الشاهد ماضية باتجاه إقامة علاقة رسمية، مكشوفة مع الكيان الصهيوني، ودخول قطعان الصهاينة إلى تونس مباشرة من مطار بن غوريون، بجوازات سفر صهيونية، احدى العلامات الدّالة، على مخطط التطبيع، السائر باتجاه الهدف المرسوم له، من طرف دوائر الصهيونية العالمية، وحلقة متّصلة بحلقات سابقة، كمظهر معبّر على الاستمرار في نفس النهج، الذي ارتبط به النظام الرسمي بتونس منذ العهد البائد.
ما وقع منذ ايام وكشف عنه الصهاينة أنفسهم، وقاموا بتوثيقه على صفحات تواصلهم الاجتماعي، أثبتوا من خلاله دخولهم إلى تونس على ذلك النحو المذكور، زيادة على صيحاتهم التي اطلقوها في تجمعاتهم بكنيس الغريبة(جربة) وفي الحافلات التي اقلتهم الى هناك، بحياة الكيان الصهيوني، كأنما لسان حالهم يحكي نصرا حققه دخولهم الى التراب التونسي، ولكن على من؟
ولا يستبعد أن يكون هذا المسار الذي استرسلت فيه الحكومة توافقيا، بحيث أنه وقع تمريره على عين من حركة النهضة والنداء، الملتزمتين باتفاق مسبق مع الجهات الخارجية، الساهرة بقوة السيطرة على مجال الاقتصاد والمال العالمي، على انجاح مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وقد اتى تعيين روني الطرابلسي، الإبن البكر لرئيس الكنيس بالغريبة جوزيف الطرابلسي، وزيرا للسياحة في تونس، تعبيرا آخر للدول الغربية الراعية للمسار السياسي التونسي، على امتثالها لمسار التطبيع، وتطبيقا لخطوة عملية ومهمّة باتجاهه، وكان من قبل مقترحا على حكومة مهدي جمعة في سنة 2014.
هذا التعيين الذي شهدناه يمرّ من تحت قبة البرلمان، بتزكية برلمانية عالية، ومعارضة بسيطة، من عدد قليل من النواب، أحرجت يوسف الشاهد والسائرين وراءه، وأثارت استياء الجماهير الشعبية التونسية، التي رفعت شعار الشعب يريد تحرير فلسطين، بعد تحقيق انتصاره على نظام بن علي، ودعت الحكومة الى مراجعة ذلك الخيار الخاطئ.
وما يثير قلق عموم الشعب التونسي الوفي للقضية الفلسطينية، ويعاكس رغبتها تماما، أن تستجيب الحكومة للضغوط الأمريكية والغربية، من أجل المشاركة في مؤتمر البحرين الخياني الممهد لصفقة القرن، والذي لا يقلّ سوء عن اتفاق كامب دافيد، ومؤتمر وادي عربة، خصوصا بعد أن أعربت حكومات الأردن ومصر- المرتهنتين إلى اليوم بالإتّفاقات المشؤومة السابقة- عن موافقتهما للمشاركة فيه.
ولم تتأخر المغرب عن تلبية الطلب الامريكي في المشاركة، رغم المعارضة التي عبر عنها الشعب المغربي في مظاهرة احتجاجية مطالبة بعدم المشاركة، ولتاريخ السياسة الملكية المغربية تقاليد قديمة، في التطبيع بصمت مع الكيان الصهيوني، ولم تكن رئاسة لجنة القدس التي تقلّدها الملك الحسن الثاني سنة 1979، سوى ذرّ رماد في العيون، وتسكين لجراح الامة، بعد تكرار الاعتداءات الصهيونية على المسجد الاقصى بالانتهاك والحرق.
ولا اعتقد ان مسار التطبيع سيختلف عن سابقه، خصوصا بعدما كشفت الحكومة الامريكية على لسان صهر الرئيس الامريكي الصهيوني كوشنير عن وعود باستثمارات اقتصادية ضخمة للعشب الفلسطيني قدّرت ب50 مليار دولار، وطبيعي أن يكون للدول العربية المشاركة في مؤتمر البحيرن – المعنون بالورشة الاقتصادية – نصيب من الحوافز المالية والاقتصادية، خصوصا وأن دخولها فيه، كان حصرا بدافع الطمع، وأملا في الخروج منه بطوق نجاة ينقذ إقتصادياتهم المهترئة ضعفا ومديونية من غرق محقق.
ويبدو أن الحكومات العربية خصوصا، لم يعد يهمّها من قضية فلسطين شيء، أمام الاغراءات الامريكية والغربية المقدمة اليها، من أجل التخلي عنها، ومقايضتها بوعود تغيير الاحوال الاقتصادية لبلدانها، وزمن القيم الرسمي قد أفل نجمه، فما يهمّ اغلب حكامنا اليوم، الخروج من الضائقة الاقتصادية، ليس لإنقاذ بلدانهم بل لاستدامة بقائهم على كراسي حكمها، والاستفادة من ذلك البقاء، لتشكيل حصانة اقتصادية وأمنية حول مصالحهم الخاصة.
مؤتمر المنامة بالبحرين – بعنوانه التّمويهي الورشة الاقتصادية – الذي ستبدأ اشغاله يومي 25و26/6/2019 يؤكد من جديد على المنحى الخياني للقضية الفلسطينية، ناهيك أن ممثلي الشعب الفلسطيني، من حركات مقاومة بمختلف فصائلها، وسلطة فلسطينية مطبّعة مع الكيان الصهيوني، قد اعلنوا رفضهم للمؤتمر جملة وتفصيلا واعتبروه خيانة للقضية الفلسطينية، فهل يمكن للحكومات العربية المشاركة فيه، أن تقنعنا بمبرر واحد، يعطيها حق المشاركة فيه، وخصوصا والمعنيين بالموضوع، قد عبروا عن رفضهم لإقامته، وما سيتمخض عنه من مقررات.
الحقيقة التي طبعت سياسات الحكومات العربية تجلّت كفلقة القمر في ليلة اكتماله، بعد ان ظلت مخفية عقودا من الزمن تحت مبررات وعناوين مختلفة، كعنوان الورشة الاقتصادية الحالي، الذي تأسس برعاية أمريكية ودفع سعودي امراتي واحتضان خليفي معاكس لإرادة الشعب البحراني الذي يرزح تحت دكتاتورية طالما ندد بها أهل الذكر من منضمات حقوقية عالمية.
مؤتمر المنامة يؤكد من جديد على سقوط الاعتبار للنظام الرسمي العربي في الملفّ الفلسطيني ونهاية الاحتمال بحلّه ولو بنسبة ضئيلة وفسخ سنوات من الاتقاد بان تلك الحكومات كانت في فترة ما الى جانب استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة في العيش على ارضه وتحت نظامه الوطني الشعبي، سقوط وقح بلا شك ومن فقد قيمه تخلّى عن مبادئه مقابل وعود زائلة لو تحققت، عدّ من أسوأ المتاجرات وأحطّها قيمة، لكن مع ذلك يبقى للشعوب العربية رأي وموقف وقرار، وهي التي من المفترض ان تعود اليها أساسا الكلمة الفصل، في الملفات المصيرية والكبرى، في مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تتطلب حقيقة تغييرا للمسار، من اطاره الحالي التفاوضي، الى الاطار الذي أثبت نجاحه عمليا، وهو اطار المقاومة، والذي يسعى اعداؤه، من قوى غربية بزعامة امريكا، وعملاء لهم من انظمة عربية، الى قطع الطريق عليه، واعتقد انه طالما وجدت ارادة شعبية وحراك لها في بلداننا، فانه بإمكانها اجبار الحكومات على ترك مسار الخيانة، أو تحمل تبعات ذلك، من ثورات شعبية قادمة ستأتي، وان لم تحسب لها انظمة الخنوع الخيانة حسابا، اطمئنانا بحضن الهيمنة الامريكية ووعود حمايتها .

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023