كورونا يكشف الوجه الأمريكي القبيح وغير الإنساني…بقلم د. محمد سيد أحمد 

كورونا يكشف الوجه الأمريكي القبيح وغير الإنساني…بقلم د. محمد سيد أحمد 

منذ أن ظهر فيروس كورونا وتمدد على مساحات واسعة من الكرة الأرضية وتأكد للجميع أنه عابر للحدود بين الدول وأنه سيطول كل سكان المعمورة من دون استثناء وأن الخطر أصبح قاب قوسين أو أدنى من الجميع.. بدأت تلوح في الآفاق تساؤلات متعددة حول مستقبل العالم بعد كورونا، وقام العديد من المحللين السياسيين بمحاولات استشراف المستقبل ومصير المجتمعات البشرية فيما بعد كورونا خاصة مستقبل العلاقات الدولية، وهل ستبقى الولايات المتحدة الأمريكية قطباً أوحد كما كانت في العقود الثلاثة الماضية أم إنها ستتراجع وتنهار كما انهار الاتحاد السوفييتي مطلع العقد الأخير من القرن العشرين ليتقدم غيرها وهنا يُثار الحديث عن الصين كبديل للولايات المتحدة.
وهناك من يرى أن الصين لا يمكن أن تنفرد بقيادة العالم على أساس قدرتها الاقتصادية فقط، وهنا يبرز دور روسيا والتي لن تترك الساحة الدولية لصراع منفرد بين الولايات المتحدة والصين، لذلك يرى بعض المحللين السياسيين أن العالم بعد كورونا سيكون متعدد الأقطاب وليس أحادياً أو ثنائياً حيث يدخل العالم مرحلة ثلاثية الأقطاب، وأنا شخصياً مع وجهة النظر التي تؤكد على الثلاثية القطبية فلست مع الحالمين بخروج الولايات المتحدة من دائرة المنافسة بشكل نهائي كما خرج الاتحاد السوفييتي سابقاً، فقدرات الولايات المتحدة وفقاً للواقع تقول إنها مستمرة كقوة عظمى ولن تتراجع بفعل كورونا لدرجة التفكك والانهيار، ولكنها حتماً لن تبقى قطباً أوحد منفرداً على الساحة الدولية.
فقد شهد العالم خلال العقد الأخير بزوغ دور روسيا ومعها الصين على الساحة الدولية حيث لعبتا أدواراً مؤثرة في مواجهة الولايات المتحدة ما أدى إلى تعطيل بعض المشاريع الأمريكية للسيطرة والهيمنة على بعض المجتمعات في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، لذلك فمن يطرح فكرة أن العالم سيتبدل بعد كورونا، أقول له إن العالم تبدل فعلاً قبل كورونا وأصبح متعدد الأقطاب، فقط سيسرع كورونا من تبلور القطبية الثلاثية الجديدة التي تشكلت بالفعل خلال العقد الأخير، وسيكشف كورونا عن الوجه القبيح للولايات المتحدة التي فرضت نفسها على العالم من خلال استغلال ونهب ثروات مجتمعات العالم الثالث وإثارة الفتن والحروب التي جنت من ورائها ثروات طائلة عبر عمليات بيع السلاح حتى للتنظيمات الإرهابية التي احتضنتها لسنوات طويلة، في مقابل ترسخ الوجه الإنساني لروسيا والصين القوتين الجديدتين على الساحة الدولية، حيث تفرضان نفسيهما من خلال العمل والإنتاج ومساعدة الدول والمجتمعات النامية على الصعود، ولعل وجود الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ضمن مجموعة «بريكس» خير شاهد وخير دليل، وكذلك مساعداتهما لأوروبا في أزمة كورونا في الوقت الذي تخلت فيه أمريكا عن حلفائها.
وفي ظل هذه التساؤلات المهمة حول المستقبل ما بعد كورونا هناك سؤال مهم يطرح الآن نفسه بقوة وهو خاص بزمن كورونا ذاته وليس ما بعد كورونا، وهو هل ستوقف كورونا الحروب الدائرة ضد بعض الدول العربية وخاصة سورية واليمن وليبيا؟
وللحق هناك من تسرع في الإجابة بأن أزمة كورونا ستجعل الدول المختلفة حول العالم تنكفئ على نفسها خاصة بعد إعلان إغلاق الحدود وتوقف حركة الطيران والدخول والخروج من أجل محاصرة وباء كورونا، وأن الولايات المتحدة التي تدير هذه الحروب لم تعد إدارتها منشغلة بما يحدث خاصة بعد أن أصبحت الدولة رقم واحد في العالم في الإصابات بفيروس كورونا.
وبالطبع ومن دون تسرع ومن خلال تأمل ما تم اتخاذه من إجراءات عدوانية جديدة ضد الدول العربية الثلاث خلال الأيام الماضية يؤكد الوجه غير الإنساني للولايات المتحدة وإدارتها السياسية، فلازال الحصار الاقتصادي مفروضاً على الدول الثلاث، ورغم مساعي روسيا لفك الحصار الاقتصادي عن سورية بالضغط على الدول الأوروبية التي تتلقى منها ومن الصين مساعدات كبيرة لمواجهة وباء كورونا إلا أن الاستخبارات الأمريكية ضغطت على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بإصدار تقرير مفبرك ضد سورية بمزاعم “استخدام مواد سامة في بلدة اللطامنة بمحافظة حماه عام 2017” ويأتي هذا التقرير في هذا التوقيت حتى لا يتم فك الحصار الوحشي عن سورية، وهي الدولة التي لازالت تخوض حرباً ضد الإرهاب الدولي وفي الوقت نفسه تتصدى لفيروس كورونا.
وبالطبع اليمن ليست بعيدة عن التوجهات العدوانية للولايات المتحدة، ففي الوقت الذي كان يعتقد الجميع أن العدوان على اليمن سيتوقف فور ظهور كورونا، إلا أن العدوان لازال مستمراً وفي الوقت الذي قررت فيه دول العدوان إيقاف القصف مؤقتاً لمدة أسبوعين، سمعنا من خلال منظمة الصحة العالمية تسجيل أول حالة كورونا باليمن دخلت عبر سفينة من سفن دول العدوان بشكل مقصود، وبذلك يدخل اليمن مرحلة جديدة حيث سيواجه وباء كورونا بعد أن حصد وباء الكوليرا آلاف الأرواح منذ بدء العدوان عليه قبل خمس سنوات.
ودخلت ليبيا معركة كورونا وهي ساحة للصراع الدولي من أجل سرقة ونهب ثرواتها، وعلى الرغم من انتشار الوباء لازالت المواجهات مستمرة بين الجيش الوطني الليبي والجماعات الإرهابية المدعومة من قطر وتركيا ومن خلفهما الولايات المتحدة، وبالطبع ليست من مصلحة القوى المتصارعة على عمليات السلب والنهب إنهاء الحرب الدائرة وحل الأزمة الليبية، وعودة ليبيا موحدة، ليستمتع شعبها بخيراته وثرواته.
وبذلك يتضح أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن سياساتها العدوانية ضد مجتمعاتنا العربية حتى في زمن كورونا، ولن يردعها الفيروس عن الاستمرار في مخططاتها التقسيمية والتفتيتية لمنطقتنا العربية، لذلك نأمل أن يكون الوباء قد كشف بشكل كامل الوجه القبيح وغير الإنساني للولايات المتحدة أمام الرأي العام العالمي المُغيب بفعل الآلة الإعلامية الأمريكية، ونأمل أن ترتدع الولايات المتحدة عن الاستمرار في البلطجة ليسود العالم شكل جديد من الاستقرار فيما بعد كورونا.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

كاتب من مصر

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023