كيف نفهم قضية القادة الشهداء؟ (الجزء الأول)…بقلم صلاح المصري

كيف نفهم قضية القادة الشهداء؟ (الجزء الأول)…بقلم صلاح المصري

في الذكرى السنوية الثانية لعروج القادة الشهداء وارتقائهم إلى حياة الخلود وفي مقام العليين عند الله، فجر يوم الجمعة 3جانفي 2020، بمطار بغداد، وضع التاريخ والقدر أمامنا مشهدا فريدا من حركة الصراع الطويلة بين جبهة الحق والحقيقة والأمانة والعدالة وجبهة الغدر والظلم والعدوان.

نال رجال الله القادة وسام الشهادة على يد رجال الشيطان الأكبر، وتتم هذه الشهادة بعملية غدر جبانة تعكس حقيقة الإدارة الأمريكية المهزومة في ميدان المعركة والذليلة أمام أبطال الأمة الإسلامية الم_قاومة، وهنا ترتسم أهم معالم المشروعين المتصارعين منذ عقود:

من جهة نجد الم_قاومة الشريفة ومن الجهة الأخرى نجد العدوان والغدر .

لذلك نريد أن نتحدث في هذه المناسبة المعنوية العظيمة عن الرؤيتين والمدرستين والمشروعين.

#المنظومة_الرأسمالية_الربوية_العدوانية

#والمنظومة_الانسانية_اللاربوية.

يمكننا القول أن القرآن الكريم طرح موقفا عميقا في الرؤية الإنسانية التي يتميز بها، وأدان بشدة المنظومة الربوية إلى درجة يمكن اعتبار مفهوم الاقتصاد اللاربوي كما هو البنك اللاربوي ليس مفهوما اقتصاديا وانما هو تصور فلسفي شامل، ينظر إلى أن حركة التكامل الإنساني تستهدف الخروج الاختياري من الحالة الطبيعية المادية إلى المستوى الأخلاقي حيث تنضبط الذات للقيم وتبني علاقات جديدة ومختلفة.

إننا نشهد تناقضا عميقا بين الرؤية القرآنية لحركة التاريخ وللتكامل الإنساني وبين الرؤية الرأسمالية( الربوية) المادية، وكان القرآن واضحا :

” أحل الله البيع وحرّم الربا “

” يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ” البقرة 276

إن القرض الحسن الذي يدعو له القرآن الكريم يعتبر حاجة الآخرين فرصة للتكامل الروحي وفرصة لمزيد القرب من الكمال الإنساني الذي يملأ روح الانسان بحب الآخرين، ويعتبر المال وسيلة مادية حكمها النهائي هو الزوال أما البقاء والخلود فهو للعمل الصالح، بما هو تخلّق وتزكية وتنمية للمحتوى الروحي في الإنسان، ويعتبر استغلال الظروف الصعبة التي يمر بها الآخرون لأجل تفقيرهم ومزيد الثراء على حسابهم من أبشع السيئات الأخلاقية.

بينما تنظر الرأسمالية الربوية إلى الآخرين باعتبارهم مجالا للهيمنة ومجالا للسلطة وفرصة لربح مزيد من المال وفرصة لخدمة رأس المال، فتكون النظرة الرأسمالية مادية بشكل مطلق، وتنظر المادية الربوية بعين السخرية إلى قضية التعاون والتخلّق، ولأجل ذلك فهي كلما حلّت ببلاد جلبت معها جميع أشكال الحروب والصراعات، وقتلت الناس وسلبتهم أموالهم وثرواتهم بشتى السبل.

وقد بلغ الأمر بالفيلسوف الفرنسي إلى اختيار “حفارو القبور” عنوانا لكتابه الذي تحدث فيه عن سلسلة الجرائم الكبرى التي ارتكبتها الرأسمالية في حق مختلف الشعوب.

ويكفي أن نجيل النظر في البلدان التي خضعت للاحتلال الاسباني والبرتغالي والبريطاني والفرنسي والايطالي والبلجيكي ثم الأمريكي،، حيث يؤكد جميع المؤرخين على استشهاد مئات الملايين من المستضعفين في أفريقيا وآسيا وأمريكا، الشقيقة الجزائر قدمت عشرة ملايين شهيد طيلة زمن الاحتلال من 1830 إلى 1965 وتمت إبادة شعوب كاملة كانت تسكن القارة الأمريكية، وتتحدث الوثائق عن مائة مليون إنسان.

إنّ الاستكبار الأمريكي والكيان الصهيوني هما الوريث النهائي لكل هذه المسيرة من العدوانية والقتل.

بينما تأسس محور الم_قاومة على قاعدة إنسانية قرآنية تنظر إلى الناس بصفتهم نظيرا وأخا له حقوق ثابتة، ولا تكتمل انسانية الإنسان الا اذا أدى واجبه تجاه المستضعفين والمظلومين والمضطهدين.

” وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم “

” وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ” الانعام 141

” وَمَا لَكُمْ لَا تُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ” النساء 76.

وهذا عمق التناقض بين الخلفية الايمانية للقادة الشهداء الذين تربوا في مدرسة القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام، وبين المدرسة الرأسمالية الربوية المتوحشة.

في خطبة الوداع يقف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ليوصي جميع المؤمنين والمؤمنات “لا يَظلمون ولا يُظلمون “.

في آخر لحظات حياته يوصي علي بن أبي طالب أبناءه وجميع المسلمين “كونا للمظلوم عونا وللظالم خصما “

فنحن بين طبيعتين متضادتين لا يجتمعان:

الطبيعة الرأسمالية الربوية العدوانية.

والحقيقة الايمانية المتخلقة التي ترى في مقاومة الظلم ودعم المظلومين والشهادة في طريق ذلك من أعلى مراتب الكمال الإنساني وأفضل السبل لبلوغ أعلى عليين ونيل رفقة النبيين والصديقين.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023