لا خيار ثالثاً … فإما الإنهيار أو تصحيح المسار !!..بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

لا خيار ثالثاً … فإما الإنهيار أو تصحيح المسار !!..بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

 

إنّ المتابع للشأن العام ولما يحدث وخصوصاً في المشهد السياسي ببلادنا له أن يتساءل عن مفهوم الديمقراطية، والبلاد تعيش حال العبث السياسي و الأزمات المفتعلة ، وتعصّباً أيديولوجياً عند البعض وصل حد التحريض على الدولة من الداخل والخارج ،فقد خرج البعض للخارج للإساءة والإضرار بهذا الوطن، فالقوى السياسية تعيش حالة من الضياع والشتات والإخفاق، الأمر الذي أوقعها في مستنقع الفتنة المستورد من الخارج حينما اقتبست بعض المشاهد في بعض الدول المجاورة، وهي مشاهد تختلف كلياً عما هو مطروح في هذا الوطن، فالمشروع الذي تم الترويج له في المنطقة هو الدعوة للاصطفاف خلف الفوضى ، وتمزيق الوطن الواحد وتحويله إلى دويلات تحكمها الأجندات والصراعات السياسية و التدخلات الخارجية..

في ظل احتقان سياسي بلغ ذروته إلى حد الهمجية لا تجد لها رادعاً.. و بدأ يتضح جليا انقسام بليغ في الطبقة السياسية فمن جهة حركة النهضة وحلفاؤها ومن يناصرهم ومن جهة اخرى كل من يعارض الحكومة و النظام الحالي بالأساس، ولعلّه من الأكيد التنبيه إلى ان البلاد لم تشهد في تاريخها مثل هذا الإنقسام وهو انقسام خطير ومتضاد حتى النهاية ويكاد يتحول عند الخصمين إلى قضية وجود وليس قضية اختلاف وحدود ففي الوقت الذي تصر فيه الحكومة على عزمها على معالجة القضايا المطروحة تتموقع المعارضة في الشق المقابل ساعية إلى عدم ادخار أية جهد لإفشال المسار عبر تحريك الشارع ووسائل الإعلام قصد انهيار النظام ووضعه في مقام العاجز وغير المستجيب للمطالب المشروعة، و ان انهيار الاقتصاد لن يحتمل الترميم فالأمر لا يتعلق بمهاترات سياسية يمكن تجاوزها او التراجع عنها او التعايش معها، بل الأمر يتعلق بمصير البلاد و العباد ، ان البلاد اذا تواصل هذا النهج السائد المفروض من الأطراف السياسية سيؤدي إلى كارثة بأتم معنى الكلمة، وسيجهض كل الإصلاح وسيجعل العديد يكفر بالثورة وبالديمقراطية وبالمعارضة.. فلو أرسى الساهرون على البلاد منذ 2011 ديمقراطية أصيلة مثلما يدّعون، ‏ولو أمنوا أسباب ممارستها دون إنحراف أو تزييف مثلما يروّجون، لما انحدرت كافة المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى أسفل السافلين بسبب داء عضال استشرى في الوطن فخنق العباد وأفلس البلاد. و هو “الفساد”.. هذه الجملة البسيطة تلخص تحول الشعور الشعبي من مرتبة الحلم المتاح إلى حالة اليأس و الإحباط، فهل كان للشّعب أن ينتفض بكلّ هذا الإصرار والعزم وهل كان لهذا التحوّل العميق أن يحصل لو التزم السّاسة بالعمل طيلة العشرية السابقة على تحقيق التطلعات الشعبية ‏المشروعة للكرامة في معناها الواسع و للديمقراطية في معناها الحقيقي؟..

الفرصة التاريخية الحقيقية قد أتاحتها الإنتفاضة الشعبية في الخامس و العشرين من جويلية 2021 لهذا الشّعب حتّى يسلك طريق البناء الدّيمقراطي السّليم ، ليخرج من جديد ويفتك منهم مقود القيادة ويأتمنه عند رئيس الدّولة ائتمانا مشروطا ضمنيا بالنجاعة التي لا تترجمها إلاّ الأرقام و الأفعال، و بصيص الأمل حمله الفصل 80 الذي أتاح الخروج الشّرعي من مأزق انهيار الدّولة بإثارة الاستثناء الذي شكّل الفرصة الأخيرة لإزاحة الوهن الذي بات جاثما على نفوس التّونسيّين وإصلاح ما أفسده بعض من الطبقة السياسية لم تكن له لا ناقة ولا جمل في ثورة الكرامة.. ورئيس الدّولة لم يجد طريقا للإنقاذ سوى إعلان الاستثناء من أجل الإصلاح، فكان خيار الوطن وهو خيار بدوره مشروط بإرساء نظام ديمقراطي حقيقي يحمل في طيّاته أسباب مناعته وباستئصال داء الفساد استئصالا جذريا نهائيا..لكنّ إعلان حالة الإستثناء لا يشكّل هدفا في حدّ ذاته بل فاتحة تصحيح وإصلاح من أجل إعادة بناء جمهورية جديدة على أسس قويمة تقتلع معها دواعي “الخطر الدّاهم” وعوامله وأسبابه جذريا وتعود على إثر ذلك وفي أفضل الآجال المعقولة دواليب الدّولة إلى دورانها الطّبيعي، فالدّخول في الاستثناء كسب لمعركة واحدة، أمّا الانتصار في الحرب فيتطلّب الخروج الآمن منه..، صحيح أنّ مسارنا إستثنائي وصحيح كذلك أنّ الخطوات الثابتة التي قطعناها قد اختزلت عديد المآسي والويلات وتمت في وقت وجيز جدا.. ولكن ما نعيشه الآن يفتح صفحة أخرى جديدة ومغايرة نحتاج في قراءتها إلى الحكمة والتعـــقل ، لأنّ الأمر عاجل وخطير فلا ينبغي أن ننسى أنّ سقوط رأس النظام وجزء من اركانه قد تم في ايام محدودة وحسم في سويعات محسوبة حددت مصيرنا وأفضت إلى فرصة تاريخية لإنقاذ البلاد و العباد ، لا ينبغي تضيعها في ايام وسويعات محدودة فنبدع مرتين : مرة في إستعادة الدولة التونسية من مختطفيها ومرة في التفريط فيها…

إيقاف الانهيار وتصحيح المسار وجب أن ينطلق أولا بمحاسبة المنظومة الخطيرة التي عانى منها التونسيين طويلا والتي سرقت ونهبت و عبثت، ثم أفلتت من العقاب، وهي اليوم تسعى إلى إعادة التموقع من جديد عبر وكلائها من القوى الاقليمية والدولية المهيمنة، كما أعادت سابقا التموقع إثر #سبعطاش_ديسمبر و منذ 2011.. إيقاف الانهيار وتصحيح المسار ينطلق بمراجعة جذرية للسياسات الاقتصادية والمالية الفاشلة، إيقاف الانهيار وتصحيح المسار ينطلق بمراجعة المنوال التنموي وإيجاد حلول للمديونة المتفاقمة وللارتهان للمؤسسات المالية المانحة، و بالتالي لرئيس الجمهورية فرصة تاريخية حقيقية لمعاهدة الشعب والوطن والتاريخ لحفظ الأمانة كما كان يصرح دائما، وذلك بتركيزه على محاربة صارمة وجدية للفساد والعصابات التي نخرت الدولة..ويبقى التمسّك بصوت الحكمة والمسؤولية واجب على الجميع حتّى تحقّق مرحلة الاستثناء أهدافها بما يحفظ الوطن من الانزلاق نحو المجهول.. إنّ الشعب الكريم يدفع فاتورة فساد الطبقة السياسية من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار وان الشعب يفهم جيدا خفايا الأمور ويميز بين المطالب المشروعة وبين وضع العصا في العجلة كما أنه ايضا لن يتساهل مع أي فشل جديد ولن يغفر للمعارضة ووقوفها عند حساباتها الضيقة..

منظومة الخراب الساقطة وإن كان هناك الكثير من السّقط لم تسقط حتى الآن فما زالت عروقها تضرب في كل المؤسسات وما زالت أذرعتها تتحرك هنا وهناك، تحركها مافيا من المنتفعين من منظومة العشريّة السّوداء سيئة الذكر و المتمعّشين من النظام الساقط.. تلك الطبقة أو الفئات والتي يجمعها مسمّى منظومة “حكم اللصوص” ترفض بل تنشب مخالبها بأي مشاريع تغييرية و ترفض إرساء دولة القانون و تخشى المحاسبة ، كونها ستقضي على مصالحهم ومن الطبيعي أن ينظروا إلى هذه البلاد بأنها إقطاعية يملكونها هم وأبناؤهم و من لفّ لفّهم ، وما الشعب إلاّ عبدًا لهم مسخرًا لخدمتهم وخدمة أولادهم وأزلامهم.. إنّنا نواجه اليوم حقيقة مرّة في طعم العلقم، حقيقة أصبح الإعتراف بها أمرّ من وجودها نفسه، لقد نجحوا في الإفلات من عقاب عدالة ديمقراطيّتنا الانتقاليّة، لأنهم وضعوا قوانين بمنتهى الخبث، حين كانت دواليب الدّولة بين أيديهم، فحموا بذلك أنفسهم من تغيير كانوا يوقنون بقدومه، فقد كانت الدّولة نفسها في عهدهم فاسدة، ولا تستطيع الدولة الديمقراطيّة الجديدة مقاومة الفساد و محاسبة الفاسدين بقوانين الدّولة الفاسدة التي سبقتها.. تونس اليوم تحتاج أكثر من أي وقت مضى الى تقدير عميق لمآلات الوضع الرّاهن، وهدنة سياسية واجتماعية حقيقية وصادقة، تنطلق فيها مرحلة تصحيح المسار السياسي ويُنفّذ خلالها برنامج عاجل لإيقاف النّزيف الاقتصادي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لتجنيب البلاد ويلات انفجار اجتماعي صار قاب قوسين أو أدنى.. المرحلة القادمة تحتاج إجراءات تعيد ثقة المواطن في الدولة وإعادة الإعتبار للديمقراطية الحقيقية التي تقوم على أساس حماية مصالح الشعب والعدالة للجميع على قدم المساواة وانهاء الإفلات من العقاب وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، و محاسبة الفاسدين و مافيات الفساد التي تتحكم في مصير تونس هي الأولوية القصوى من أجل إنقاذ ما تبقى من الدولة، و إنّ إستكمال إسقاط منظومة الفساد بأذرعتها و أحزابها وشبكات تمويلها وارتباطاتها الخارجية هو الممرّ الإجباري لتصحيح العملية السياسية.. ولا شك وأنّ بديل تعافي تونس وإستقرارها سيكون انهيارها (لا قدر الله) ..تونس لا يمكن أن تعود إلى الوراء مرة أخرى ، و الآن لابدّ أن تتحرك بخطوات إيجابية إلى الأمام رغم العراقيل المفتعلة .. وعلينا أن نختار بين الإنهيار أو تصحيح المسار !!..

*سبعطاش_ديسمبر = السابع عشر من ديسمبر.

عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023