لبنان…أبعد من أحداث ومجزرة خلدة…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

لبنان…أبعد من أحداث ومجزرة خلدة…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

الاحداث في خلدة والتي تم على اثرها مقتل وجرح عدد من كوادر حزب الله بعد ان أطلق قناصة النار على المشيعين الحاضرين لمراسم تشييع الشهيد علي شبلي لا يمكن رؤيته الا محاولة رخيصة ودنيئة لاثارة الفتنة الطائفية والمذهبية في لبنان. وتأتي هذه المحاولات بعد ان فشلت كل المحاولات من تدمير مرفأ لبنان ومحاصرة البلد وخنقه إقتصاديا وسياسيا والتي ادت الى تردي الاوضاع المعيشية للشعب اللبناني الى درجة غير مسبوقة في تاريخ هذا البلد والذي اصبح اكثر من 80 من سكانه جوعى لا يستطيعون حتى شراء الحليب لاطفالهم نتيجة تهاوي الليرة اللبنانية وسعر صرفها امام الدولار كما وتأتي ضمن إحتقان طائفي ومذهبي ودعوات من قبل البعض الى تقسيم لبنان الى كانتونات عل اسس مذهبية وطائفية وكذلك حالة من الفلتان الامني.

 الى جانب كل هذا تاتي على خلفية إحتجاجات شعبية عارمة على تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والفساد المستشري في أجهزة الدولة وعدم وجود أفق لغاية الان لمحاسبة الفاسدين والمفسدين قانونيا واسترجاع المليارت التي تم تهريبها الى خارج البلاد بالتواطىء والتآمر مع البنك المركزي اللبناني وإدارته الذين من المفترض ان يكونوا مؤتمنين على إقتصاد البلد واموال الشعب.

ولكن الى جانب كل هذه الاوضاع الداخلية وأهميتها في فهم ما حدث فإن المشهد والاحداث المتتالية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي شهدها لبنان وما زال وخاصة قضية تأليف حكومة التي ما زالتتراوح مكانها بعد خروج ملياردير ومجيء أو تكليف مليادير آخر لنبقى ندور في نفس الحلقة, وحتى تشكيل حكومة من هذا النمط لن يحل مشاكل لبنان ولكن هذا ليس موضوعنا هنا,  ما نريد ان نؤكد عليه هنا ان فهم جوهر ما دار ويدرو في لبنان لا يمكن فهمه الا في الإطار الأعم والأشمل لما يدور في منطقتنا من صراعات وإستقطاب سياسي وعلى مدى على الاقل منذ ما يقرب من عشرة سنوات.

الولايات المتحدة وفرنسا الذي يعتبرها بعض اللبنانيين الام الحنون وينادون بعودة حقبة استعمارها وإن بشكل ظاهري مختلف, الى جانب السعودية على وجه التحديد من دول الخيج لا تريد للبنان خيرا وقامتبأقحامه ضمن صراعها مع محور المقاومة المعادي لسطوة وعربدة الولايات المتحدة في المنطقة لتنفيذ مشاريعها في الشرق الاوسط بشكل خاص والساحة العالمية بشكل عام. وبالتالي فإن إثارة الفتن الطائفية والمذهبية في لبنان ومحاصرته إقتصاديا وتجويع اهله ومحاربة حزب الله ومحاولة جره الى حرب لبنانية طائفية داخلية والتركيز في كل مناسبة على ضرورة سحب او تسليم اسلحته التي تدافع عن لبنان وتقف عائقا امام اية عربدة اسرائيلية,وكذلك الدعم اللامتناهي للاخطبوط المالي والطبقة السياسية الفاسدة  في لبنان كل هذا بمجمله ما هو الا جزء لا يتجزأ من الصراع الذي يدور في المنطقة والعالم.

لبنان محرم عليه إقامة اية علاقات سياسية او إقتصادية او امنية مع سوريا حتى وإن كانت سوريا تشكل الرئة الاقتصادية التي يستطيع الاقتصاد والتجارة اللبنانية استخدامها لتصدير البضائع الى الوطن العربي عن طريقها. وممنوع على المصارف اللبنانية ضمن “قانون القيصر” ان تحرر الاموال المودوعة للدولة السورية او رجال الاعمال السوريين. هذا في الوقت الذي يتحضر فيه أخطبوط راس المال اللبناني وعن طريق شراكة مع شركات أجنبية للدخول في إعادة إعمار سوريا عندما تسمح الظروف بذلك.

وممنوع على لبنان التوجه شرقا في محاولة إعادة بناء وتأهيل مرفأ بيروت المدمر أو بناء بنى تحتية واعدة من قبل العروض الصينية أو الروسية التي لا تستدعي الاقتراض من البنك الدولي او الصندوق الدولي أو التعامل بالدولار لان كلا الدولتين على إستعدا ان تنفق الجزء الاكبر من تكاليف البناء وإعادة تأهيل المرفأ وعلى ان يتم الدفع على أقساط بعد ان يتم تشغيل المرفأ. وممنوع على لبنان ان تتسلم اي دعم أو مساعدات من إيران مهما كان نوعها حتى لو إقتصرت على أدوية ومواد تموينية أساسية كتبرعات .

الولايات المتحدة واسرائيل وأذنابهم في المنطقة يريدون للبنان البقاء في دائرة المساعدات الخارجية المشروطة سياسيا وإقتصاديا وتأبيد تبعيته لصندوق البنك الدولي والتي ادت وبمشاركة أقطاب الاخطبوط المالي اللبناني وطبقته السياسية الى مراكمة الديون الخارجية على لبنان لتصل الى ما يقرب من 90 مليار دولار. وها هي الكرة ستعاد وسيذهب لبنان الى البنك الدولي ليستمر جلده ونزيف امواله فيما إذا نجح الملياردير الجديد ميقاتي في تشكيل حكومة بعد “فشل” الملياردير القديم الحريري.

قوى الظلام الداخلية والخارجية لم تهدأ ولن تهدأ في التعدي على لبنان وبكافة السبل وسيبقى لبنانفي عين العاصفة ولفترة طويلة قادمة وستحاول هذه القوى تحويل الثورة الشعبية الاجتماعية المحقة للشعب اللبناني ضد الطبقة السياسية الفاسدة المتآمرة عليه مع قوى خارجية الى حرب أهلية طائفية ومذهبية مدمرة بالاستعانة بالمجموعات الارهابية التي ما زالت تعشش هنا وهناك في الداخل اللبناني وتحظىبحماية ورعاية حيتان المال والسطوة والفاسدين. المقاومة اللبناني مدركة تماما لهذا المخطط الجهنمي وهي تمارس ضبط النفس وضبط كوادرها وتجنب كل انواع الصدامات مع العناصر الارهابية وتريد من الجيش والقوى اللبنانية تولي الامر بالكامل وهذا ما اثبتته الوقائع على الارض. ومع هذا يبقى شبح إندلاع المواجهات التي قد نؤدي الى وضع لا يحمد عقباه قائما وخاصة مع توارد بعض الانباء عن وجود غرفة عمليات مشتركة تضم السفير الامريكي والفرنسي في لبنان الى جانب الاذناب الاقليميين والمحليين تعمل بالخفاء على تصعيد الموقف.

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023