لبنان المشلول الى متى؟…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

لبنان المشلول الى متى؟…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

نعم وبعد مخاض طويل تم تشكيل حكومة في لبنان ولكنها شلت وذلك لافتعال السعودية ازمة مع لبنان جاءت على خلفية تصريح سابق لوزير الاعلام الحر جورج قرداحي حول الحرب العبثية التي تقودها السعودة والامارات في اليمن ولكن الامر كما هو معروف يتعدى بكثير هذه القضية المفتعلة والتي رات بها السعودية مدخلا جديدا وحجة لي تشن حربا على لبنان وعلى جميع الأصعدة سياسيا واعلاميا واقتصاديا ونفسيا على أولئك اللذين يعملون من اللبنانيين في السعودية إما بطردهم من الابلاد او منعهم من إجراء تحويلات مالية الى اهاليهم المحتاجين في لبنان او التعامل مع المصارف اللبنانية …الخ. ولا بد من ابراز بعض النقاط في سياق هذه الحملة السعودية الظالمة والغير مبررة على لبنان:

أولا ان استقالة وزير الاعلام غير واردة على الأقل لغاية الان وهو الذي ما زال متمسكا بمواقفه المبدئية والإنسانية والذي يمله عليه ضميره الإنساني.

ثانيا: انه ولو حتى تمت استقالة وزير الاعلام فإن المشكلة والازمة كما يحلو للبعض بتسميتها مراعاة للسعودية واستجداء دبلوماسيا مبطن حتى لا تستمر السعودية بغطرستها وتصعد من ضغوطها على لبنان فإنها لن تحل المسالة مع السعودية التي اضافت وزيرا آخر الان وهو وزير الخارجية لمجرد دعوته الى حل المشاكل مع السعودية بالحوار وليس بفرض سياسات. والى جانب ذلك يبدو ان السعودية ومن خلال نظام التجسس الإسرائيلي قد تجسست على أحاديث بعض الوزراء وتهدد بنشر تسجيلات لهم تعرضوا للسعودية وسياستها تجاه لبنان.

ثالثا: ان السعودية لا تطالب فقط بإقالة او استقالة وزير بحد ذاته، بل تطالب راس الحكومة بالاستقالة واستقالة حكومته بالكامل. ومحمد بن سلمان والملك الزهايمري والمسؤولين السعوديين يرفضون الحديث معه او الاستجابة الى مكالماته الهاتفية بمعنى المقاطعة التامة له. وفشلت كل الوساطات التي قامت بها فرنسا على الأقل من الدول الغربية لغاية الان في التخفيف من التعنت السعودي بالرغم من ان مواقف كل الدول الغربية بما فيهم الولايات المتحدة لا يريدون اسقاط هذه الحكومة لان البديل هو الفراغ السياسي والشلل الكامل ومزيد من تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاحتقان السياسي الذي قد يولد انفجارا داخليا لا يريدوه الان على الأقل.

رابعا: ان السعودية بتصعيدها الظالم هذا تسعى الى اسكات أي صوت معارض لجرائمها التي ترتكبها في اليمن على وجه التحديد والى سياساتها الخارجية المدمرة في المنطقة بشكل عام.

السعودية تريد اسكات الصوت الحر وحرية التعبير ليس فقط ضمن حدودها الجغرافية، بل يتعدى ذلك الى خارجه. وهي ترى في لبنان وضمن ما يعانيه من مشاكل الدولة النموذجية لتطبيق هذه السياسة المجرمة حيث تسعي الى التعدي على سيادة هذه الدولة ومصادرة قرارها السياسي وسيادتها مستغلة صعوبة الأحوال المعيشية والاقتصادية وادواتها وعملاءها في الداخل اللبناني من اجل تركيع الدولة والشعب اللبناني معا.

السعودية تريد فرض التعامل مع لبنان وكأنه حديقتها الخلفية كما تعاملت الولايات المتحدة مع أمريكا اللاتينية. وهي تتعامى عن كل التغييرات الحاصلة في المنطقة وتتعامى عن فشل سياساتها في كل المنطقة وتحاول المكابرة وترى ان لبنان هو الحلقة الضعيفة التي ممكن من خلالها اثبات ان ما زال لديها أوراق “رابحة” في المنطقة تستخدمها في المنطقة بعدما فقدت هذا الدور وأصبحت إيران وتركيا والامارات لاعبون أساسيين في المنطقة بغض النظر عما يراه البعض عن هذه الدول سواء سلبا ام إيجابا.

خامسا: ان السعودية ترى في المكانة التي يتبؤها حزب الله اللبناني على الساحة اللبنانية وفي المنطقة كقوة لا يستهان بها على المستوى الشعبي والسياسي والعسكري وأصبحت رقما صعبا لا يمكن تجاوزه باي حال من الأحوال انه خطرا عليها يهدد مصالحها في المنطقة ويقوض قبضتها وهيمنتها وخاصة في لبنان واليمن التي تعتبرهم السعودية حديقتها الخلفية. وهذا بالتحديد هو السبب المباشر في افتعال “الازمة” مع لبنان فهي لا تريد ممثلين لحب الله في الحكومة اللبنانية وتريد الانقلاب عليه ومحاربته ونزع سلاحه وتحجيمه ووضعه خارج اللعبة السياسية في لبنان وهذا ضرب من المستحيل لان الحزب وقاعدته الجماهيري هو مكون رئيسي من مكونات الساحة اللبنانية ولا يمكن باي حال من الأحوال للقفز عن هذه الحقائق والى ان تقنع السعودية بذلك ستبقى “الازمة” مع لبنان قائمة والى الابد.

الكرة ليست في الملعب السعودي، بل في الملعب اللبناني وعليه يعول التخلص من هذه التبعية التي أصبحت تشكل عبئا على جميع الاصعدة بالنسبة له. وقد يشكل مزيدا من الانفتاح على سوريا اقتصاديا وسياسيا وكذلك التوجه شرقا الى تمكين لبنان وحكومته للتصدي او على الأقل من التخفيف من الغطرسة والاستكبار السعودي والتخلص من العبودية وتثبيت السيادة فالقوي هو من يفرض على الأعداء والذين لا يريدون الخير الاحترام والرضوخ لتوجهاته وسياساته. والسؤال متى سيتم ذلك؟

كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023