لبنان والبطريريك الراعي…الوصول الى الحضيض!!…الدكتور بهيج حنا السكاكيني

لبنان والبطريريك الراعي…الوصول الى الحضيض!!…الدكتور بهيج حنا السكاكيني

نستطيع ان نتفهم ان يحن المستعمر ( (بكسر الميم ) الى ان يعود الى مستعمراته القديمة أو المناطق التي انتدب عليها ضمن تقاسم مناطق النفوذ والسيطرة التي كانت نتيجة الحرب العالمية الاولى وسقوط الامبراطورية العثمانية والتي تقاسمت كل من فرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول الاستعمارية منطقتنا وما تبعها من تداعيات ومصائب على شعوب المنطقة والتي ما زلنا نشاهد تجلياتها الى هذه الفترة الزمنية.

ما لا نستطيع ان نفهمه هو هذا الحنين والشوق الذي لا ينقطع عند البعض من الذين إستعمرت بلدهم لعقود من الزمن الى عودة المستعمر والارتماء باحضانه ودعوته للعودة لاستعمار البلد عشرة سنوات أخرى. وهذا بحد ذاته يدل “بالمشربح” ان هؤلاء لا إنتماء لهم الى وطنهم والضلوع في خيانة هذا الوطن وشعبه. وربما خير مثال على ذلك في منطقتنا هي الدعوات المتكررة من قبل بعض القوى السياسية والدينية في لبنان الى المطالبة بالتحقيق الدولي في قضية المرفأ في بيروت والدمار الذي حل نتيجة تتفجيرات مادة نترات الامونيوم والتي ما زالت التحقيقات جارية بشأنها للكشف عن ملابسات الحادثة المروعة.

هذه الدعوات التي تصاعدت مؤخرا والتي شكل فيها البطريريك الراعي في لبنان راس الحربة بتصريحاته العلنية والفجة ودون مواربة أو خجل أو تردد قبل يومين بتوجيه الدعوة الى الامم المتحدة بالتدخل وفرض تحقيق دولي “عادل” في قضية التفجيرات في المرفأ على اساس ان ما حصل في المرفأ هو جريمة ضد الانسانية وهدف الى تدمير شعب وثرواته. والبطريرك الراعي يدرك تماما ان التحقيقات التي تجري الان في المرفأ تشارك بها أجهزة المخابرات الفرنسية والامريكية التي اقحمت وفرضت نفسها منذ البداية ولكن الذي يبدو أن البطريرك الراعي يريد أكثر من ذلك ولن نستبعد المطالبة بالتدخل في لبنان تحت البند السابع جهارة وليس بطرق ملتوية وخاصة وأن الاساطيل الامريكية وقطع بحرية فرنسية تجوب المتوسط حاليا قبالة الشواطئ اللبنانية.

الذي يبدو ان البطريرك الراعي قد أوكل مهمة الصراخ الى أن يأتي المستعمر القديم والحديث بقواته وربما تحت شعار “حماية مسيحي” لبنان من أخطار وهمية تعشش في رؤوس البعض وتساعدها في ذلك وكالات وأجهزة إعلامية مشبوهة محلية وإقليمية وغربية. هذا ما يبدو على السطح والذي من الممكن أن يبلعه إما الجاهل سياسيا أو المتآمر والخائن لوطنه وقضية شعبه وشعوب المنطقة والانسانية التي يحاول البعض الاختفاء ورائها ليخفي تآمره وخيانته بمثل هذه الدعوات المشبوهة. وللتذكير فإن الرئيس عون طلب شخصيا ومن خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع المندوب السامي الفرنسي ماكرون تزويد وتقديم الصور الجوية التي التقطتها الاقمار الاصطناعية الفرنسية قبل وبعد تفجير المرفأ لكي تساعد الاجهزة الامنية اللبنانية في مجرى التحقيقات ولكن للان لم يتم ولن يتم ذلك, لان ذلك قد يكشف اشياء يريد الفرنسي والامريكي إخفاءها.

من الواضح ان نبرة وتصريحات الراعي بدأت تتصاعد في الفترة الاخيرة وأصبح يهاجم الحكومة الجديدة حتى قبل تشكيلها والحكومات السابقة بالرغم من انه “بارك” أغلبيتها حتى لا نقول كلها. والسؤال الذي يبقى مطروحا ويجب الاجابة عليه ماذا وراء هذه الدعوات التي لا يمكننا النظر اليها الا انها دعوات مشبوهة تفوح منها رائحة الخيانة وهي بالتأكيد تتجاوز لبنان وتتجاوز “حماية المسيحيين ” في لبنان ولها إرتباط وثيق وعضوي بما يجري في المنطقة والاستقاب السياسي الحاد. وهذه الدعوات لا يمكن رؤيتها خارج هذا الاطار وعلى انها مصوبة الى محور المقاومة بشكل رئيسي وأن هنالك دول عربية إقليمية تدفع في هذا الاتجاه وتغدق مئات الملايين من الدولارات العفنة على شخصيات سياسية ودينية لبنانية لاخذ هذا المنحى.

الحياد الكاذب الذي نادى وينادي به البطريريك الراعي وغيره هو إنحياز مبطن لصالح القوى الرجعية في المنطقة التي اصبحت تدير الدفة السياسية في المنطقة بتوجيات من البيت الابيض  معتمدة على مليارات البترودولار كما إتضح بشكل لا لبس فيه في قرارات الجامعة “العبرية” بشأن التطبيع وقضية فلسطين والتي يعبر وبشكل لا لبس فيه عن تشكيل محور من الاعراب والصهاينة والولايات المتحدة ضد محور المقاومة. هذه القوى والدول التي تقدم نفسها أدوات طيعة لتنفيذ المخططات والاستراتيجية الامريكية والصهيونية في المنطقة وتفتح خزائنها لتدمير المنطقة ودولها الوطنية تحت شعار محاربة “الخطر والتمدد والنفوذ والتدخل الايراني” في المنطقة.

لم نرى هذا الحماس يا سيادة البطريريك في وصف ما حدث من تفجيرات في المرفأ في بيروت بأنه جريمة ضد الانسانية  لوصف ما حدث ويحدث في اليمن على سبيل المثال حيث دمر البلد بأكمله وقتل مئات الالاف من شعبه بالقنابل الحارقة والصورايخ ومحاصرة البلد جوا وبحرا وبرا وطرق الامداد بالغذاء والدواء والمحروقات وتحول أجساد مئات الالاف من اليمنيين الى هياكل عظمية حية.

الانسانية يا سيادة البطريريك لا تتجزأ ولا تقبل القسمة …الانسانية هي مفهوم متكامل ولا تقبل المزاجية والكيل بمكيالين.

ثم متى كانت التحقيقات الدولية “عادلة ونزيهة” كما تدعي ومتى كانت “التدخلات الانسانية” في الدول فعلا إنسانية من قبل “المجتمع الدولي”؟ خذ ليبيا على سبيل المثال وماذا حل بها حيث ما زال الشعب الليبي يعاني من “التدخل لحماية المدنيين” من قبل حلف الناتو اليد العسكرية الضاربة “للمجتمع الدولي” وماذا حل بيوغسلافية وكوسوفو تحت شعار “التدخل لحماية المدنيين”.

هل رايت هذا “المجتمع الدولي” المارق يتدخل لمنع المجازر في روندا أو لحماية الروهينغا في بورما في ميانمار التي وصفها البعض بمحرقة التاريخ المعاصر؟ أو هل رايت الامم المتحدة تتدخل لحماية المسلمين ضد المجازر التي ارتكبت بحقهم في بعض المناطق في الهند؟

وهل رأيت ماذا تعني “عدالة” الامم المتحدة في اليمن؟ بمجرد دفع 500 مليون دولار من قبل أبو منشار قام الامين العام للامم المتحدة “العادلة” بشطب السعودية من قائمة دول العار التي تقتل الاطفال.

وهل رايت “المجتمع الدولي” يتدخل لحماية الفلسطينيين من الاحتلال الفاشي للكيان الصهيوني أو وضع الضغط على الدولة المارقة لتنفيذ قرارات هذا “المجتمع الدولي” الموضوعة على الرف منذ قرار التقسيم الجائر عام 1948 ؟

وهل تريد للبنان الذي نهبت أمواله ان يدفع كما دفع وما زال  في “المحكمة الدولية” التي شكلت خصيصا للتحقيق في اغتيال رفيق الحريري ما يقرب من مليار دولار من جيب المواطن اللبناني؟

 

كاتب وباحث فلسطيني

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023