لــماذا كل هذا الحرص والتهافت الأوروبي على تونس؟…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

لــماذا كل هذا الحرص والتهافت الأوروبي على تونس؟…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

بينما تعيش تونس وضعا ماليا خانقا لأسباب عدة، منها تراجع النمو بسبب تداعيات جائحة كورونا وارتفاع التضخم نتيجة غلاء الأسعار العالمية بسبب الحرب الروسية_الأوكرانية وصعوبة توفير التمويلات، خاصة مع تعطل حصولها على قرض من صندوق النقد الدولي، قرّر الاتحاد الأوروبي مساعدتها ولكن.. بمقابل..

إن توصيف كبار المسؤولين الأوروبيين الوضع الاقتصادي التونسي بالمنهار وربطهم فرص إنقاذه بالحصول على قرض من صندوق النقد يأتي في إطار الضغط على تونس من أجل إحكام قبضتها على الحدود البحرية وبقائها أرض لجوء لا عبور..تونس ليست مضطرة لتتحول إلى شرطي يحرس المياه الأوروبية ويمنع تدفق اللاجئين إلّا لدواع إنسانية وتلافيا لحوادث غرق يروح ضحيتها مهاجرون حالمون بالوصول إلى الشواطئ الايطالية، فهي ليست مسؤولة عما آل إليه حال الأفارقة الساعين إلى “الحرقة”، لا تحتاج أوروبا إلى درس في التاريخ، ما تحتاجه هو درس في الأخلاق، وإلى من يذكّرها بضرورة تحمل مسؤوليتها و ألاّ تنسى الضرر الذي ألحقته أكثر من مئة عام من الاستعمار الأوروبي للقارة الأفريقية، مما أدى إلى الأوضاع الصعبة التي آلت إليها أحوال الأفارقة، و أفضل ما يمكن لدول الاتحاد الأوروبي عمله هو التوقف عن إلقاء المحاضرات، وتقديم النصائح نقلا عن صندوق النقد الدولي، و عليهم الإصغاء ليس فقط إلى مخاوف التونسيين، بل إلى مخاوف الدول الأفريقية مجتمعة، وبدلا من التعامل مع القارة السمراء على أنها مصدر لتدفق الهجرة غير الشرعية، يجب التعامل معها من خلال ما توفّره من فرص للتنمية، و يمكن أن يتحول كابوس “قوارب الحرقة” الذي يخشاه الأوروبيون، إلى فرصة تنمية تستفيد منها جميع الأطراف..

الضغوطات التي مارستها أمريكا و حلفائها الأوروبيين على الحكومة و الدولة التونسية كانت لتنطلي على الكثيرين، لكنها كما هو متوقع لم تنطلِ على تونس و شعبها، و القول السائد في الغرب بأنهم يؤمنون ويعيشون في عصر تطور الديمقراطية، هو كذبة كبيرة يصدّقها الكثيرون من العرب ، أما الشعوب الغربية أنفسهم لا يصدقونها.. البرلمان الأوروبي يكيل بمكيالين و يستمرّ في تسليط الضوء على بعض المواضيع الحقوقية بالبلدان العربية ، فيما توجد قضايا مشابهة لا يتم الحديث عنها بالبلدان الأوروبية نفسها .. الزمن تغير، ولم يعد مقبولا أن يسمح البرلمان الأوروبي لنفسه بإعطاء الدروس لتونس ويعلمها ما هو الخطأ وما هو الصواب، ويشعر بأنه من حقه أن يُربي ويُعلم ويُحضر الشعوب والثقافات التي يراها دونية، الأمور لم تعد تسير بهذه الطريقة، هذه الدول تفصل الديمقراطية على قياسها ولا ترغب أن يقدم أحد لها النصائح في هذا المجال بل هي من تدعي أنها راعية وعرابة حقوق الإنسان في العالم..حال بعض الأطراف الأوروبية كحال تلك المرأة التي ذهبت تعزي جيرانها في وفاة محمود وتركت زوجها ممدود ،فالأولى بالبرلمان الأوروبي ان ينظر الى ما يقع في فرنسا من قمع كبير في حق مواطنيها.. و أصبحوا يحشرون أنفهم في شؤون البلدان الأخرى ،ويغضون الطرف عما يحدث داخل أوروبا نفسها..

في ظل وجود شروط و ضغوطات يمارسها صندوق النقد الدولي ، على تونس التوجه نحو تنويع علاقاتها الخارجية باتجاه الشرق وتعميق معاملاتها خاصة مع القوى العالمية الصاعدة على غرار روسيا والصين و إنّ تنويع العلاقات باتجاه الشرق سيقلل من هذا الضغط.. أوروبا خلال السنوات الأخيرة بطيئة جدا في إدراكها للمتغيرات التي تحدث في العالم، لم يعد العالم محكوما من قطب واحد، هناك قطب آخر يتشكل تقوده الصين ومن ورائها روسيا، وهما على أتم الاستعداد لسدّ أيّ فراغ تتركه الولايات المتحدة والدول الأوروبية وراءها.. هناك أكثر من دليل على أن الأوروبيين بدأوا يدركون أن القروض، ومن بينها قروض صندوق النقد الدولي، إن حلّت مشكلة، ستخلق مشاكل، وأن على دولهم التي تقع على بعد مرمى حجر من شواطئ شمال أفريقيا أن تتحرر من هيمنة الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية، وأن تفي بالتزاماتها تجاه تونس والدول الأفريقية .. و أخيراً الدول الأوروبية استفاقت لتدرك أنها في حاجة إلى تونس أكثر من حاجة تونس إليها، ليس فقط لحماية حدودها، بل لكونها بوابة يمكن من خلالها العبور إلى الدول الأفريقية، وقد ينفع الحضور الصيني والروسي في القارة الأفريقية ويُذَكِّر الغرب بواجبهم تجاه تونس التي تخلوا عنها في أزمتها.. أمام تأخر الحسم في ملف تونس لدى صندوق النقد الدولي ، فإن ملف الهجرة الغير شرعية بدل ان يكون ورقة إبتزاز لدى الاتحاد الأوروبي ، تحوّل إلى ورقة من ورقات التفاوض لدى الجانب التونسي في مواجهة الضغوطات الأورو_أمريكية، و ان تونس وجدت نفسها و بشكل غير معلن ترفع ورقة الهجرة امام ورقة المساعدات الاقتصادية و المالية المشروطة من الخارج.. و في الأثناء فإن هذه المساعدات الاقتصادية و المالية تبقى رهينة التنفيذ الفعلي لمخطط الإصلاحات الذي تم تقديمه إلى صندوق النقد الدولي..

رغم كيد الكائدين وتخطيط المتآمرين وحقد الحاقدين تونس ستستعيد مكانتها الدولية ،ولن تكون لقمة سائغة..

عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023