لماذا تناهض الكثير من الصحف الجزائرية والعربية حرية التعبير ؟

         لماذا تناهض الكثير من الصحف الجزائرية والعربية حرية التعبير ؟

بقلم: فوزي حساينية – كاتب جزائري |

سأدخل إلى صلب الموضوع مباشرة فأقول: حان عهد النضال لانتزاع الحق في حرية التعبير والكتابة من تعسُّف بعض الصحف،وقبل أن تسألني مزيدا من التوضيح، أُسارع أنا إلى التساؤل الاحتجاجي : لماذا تُناهض الكثير من الصحف الجزائرية والعربية حرية التعبير ؟
ذلك أنَّه من الصعب جدا، عندما تريد أن تُعبر عن أرائك في الكثير من القضايا، أن تجد يومية أو أسبوعية جزائرية تنشر لك رأيك دون إشكال أو عقدة، ومن خلال تكرر ظاهرة اصطدامك بالمواقف المُنافِقة والمرواغة للكثير من اليوميات والصحف الجزائرية والعربية، تكتشف بطريقة عملية صارخة أن جانب الوهم أكبر بكثير من جانب الحقيقة فيما يخص الشعارات التي ترفعها هذه الصحف حول احترامها للرأي الآخر، وإيمانها بحرية التعبير والحق في الاختلاف وكفاحها من أجل تمكين المواطنين من فرص حقيقية للإعراب عن مواقفهم من شتى المسائل والقضايا.

والواقع أنَّه فيما يخص حرية الصحافة في الجزائر فإن الأمر لم يعد يتعلق بما يسميه بعض الصحافيين بـــ” تعسف السلطة “، فهذه في الواقع أصبحت أغنية قديمة اللَّحن والكلمات، أي أصبحت أغنية أرشيفية ، فالسلطة اليوم في الجزائر بوجه عام لا تمنع أحدا من أن يكتب أو يقول ما يريد، إنما  هي مواقف نابعة من اجتهادات الصحف أو المشرفين عليها وبوحي من أفكارهم وتوجهاتهم ومصالحهم الخاصة، أي أنها اجتهادات تؤشر لأزمة عميقة ومسكوتٍ عنها، أزمة يمكن تلخيصها في أن حرية التعبير في مختلف الصحف تعاني من اضطهاد أصحابها ودعاتها المفترضين بالدرجة الأولى، أما عن الاضطهاد الخارجي- خارج الصحف- فقد يكون موجودا ولكنه ليس هو المشكلة أو جوهر الأزمة بالضرورة..
ولا أريد أن أُثقل على الأصدقاء بإعطاء أمثلة عما ذكرته أعلاه، ليس فقط لأنها كثيرة، بل ولأن العديد من الأصدقاء يكونون قد عايشوها بأنفسهم ، لكن عند الضرورة سنقوم بإيراد عشرات الحالات والأمثلة، لكن من المُحتم أن نقول هنا أنه من غير المعقول أن لا تنشر لك الصحف أو الجرائد رأيك إلا إذا كان مطابقا أو متوافقا مع خطها الافتتاحي، أو متوائما مع مزاج المسؤولين على التحرير، وحتى تلك الصحف العربية التي تصدر في كبريات عواصم العالم يبدو أنها لم تفلح في امتصاص الروح الديمقراطي إذ أن كل جريدة منها تخدم توجهات محددة بعينها ، ولذلك فإنك لكي تنشر مقالاتك على صفحاتها لابد لك من أن تتعلم كيف تُطوِّع كلماتك وجملك  لكي تكون محابية لفلسفة الجريدة وتوجهاتها السياسية والثقافية ورؤيتها للشؤون الدولية، وإلا فعليك أن تحتفظ بأرائك وتحليلاتك لنفسك أو تقوم بنشرها على إحدى منصات التواصل الاجتماعي التي لا تفرض شروطا ولا عقبات في مجال النشر والتعبير. وما يُلفت النظر حقا أن العديد من الصحف لا تفرض الحظر فقط على الآراء في المجال السياسي كما هو معتاد ومعروف عادة ، بل إن هذا الحظر يسري بشكل رهيب على المجال الثقافي والفكري ، وكأن المطلوب هو أن تكتب لتُكَرِر ماهو معروف ، لا أن تحاول تقديم ولو بعض الجديد أو إعادة التفكير بكيفية قد تكون أكثر نفعا وجدوى في المسائل والانشغالات المطروحة وبما يكرس حرية الرأي والكتابة في المجتمع.

أعتقد أن عهد النضال من أجل انتزاع الحق في حرية التعبير من السلطة قد انتهى إلى حد ما وقد حان عهد النضال من أجل انتزاع الحق في حرية التعبير من الصحافة ومالكيها ومشرفيها، نعم حان الوقت من أجل العمل على التقليص من مساحة التعسف ، تعسف الصحافة ، إزاء الحق في التعبير عن الأراء دون تمترسات وتموقعات فكرية وذهنية ، مهما تكن أهميتها فلن تكون أهم من تكريس حرية التعبير كحق للناس، جرى انتزاعه من السلطة ، وبقي أن يجري انتزاعه من الصحف التي تحتكر حرية الكتابة والتعبير لمجموعات قليلة دون بقية الناس….

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023