لماذا كان فرعون موسى يضطهد بني إسرائيل؟…”وجوب الانتصار لمبدأ الإخوة الإنسانية”    

 لماذا كان فرعون موسى يضطهد بني إسرائيل؟…”وجوب الانتصار لمبدأ الإخوة الإنسانية”    

بقلم : فوزي حساينية – كاتب جزائري |

المعروف تاريخيا أن بني إسرائيل دخلوا إلى مصر زمن الصديق يوسف عليه السلام،  ثم تكاثروا وشكَّلوا مع الوقت جالية كبيرة،  وكلنا قرأنا ونقرأ قصة الاضطهاد الذي تعرض له بنو إسرائيل على يد فرعون،  وكيف أرسل الله سبحانه موسى عليه السلام ليتولى عملية إنقاذهم من العذاب المُهين، كما عبَّر القرآن الكريم .

– لكن،  هل توقفنا يوما لنتساءل: لماذا كان الفراعنة أو فرعون موسى بالتحديد يضطهد بني إسرائيل ؟ إذ من المعروف أن مصر في تلك الفترة كانت دولة منظمة،  لها أجهزتها الإدارية،  والعسكرية والقضائية،  وكانت العديد من الجاليات الأجنبية تعيش في مصر فلماذا كان اضطهاد الفراعنة يتركز أساسا على بني إسرائيل الذين تم استقبالهم في مصر قبل أربعة قرون،  أحسن استقبال وأفضله،  وتم إكرامهم،  وتخصيص مساحات من الأرض ليعيشوا عليها حياتهم في هدوء وسلام ؟

– سيقول البعض: أن مدة أربعة قرون مدة طويلة جدا،  وهي أكثر من كافية لتتغير الأحوال،  وتنقلب الأوضاع،  وتظهر تطورات جديدة،  وهذا قول سديد،  لكن التساؤل رغم ذلك يبقى مطروحا من الناحية التاريخية،  لماذا كان فرعون موسى بنوع خاص يضطهد بني إسرائيل وبتلك الدرجة من الحدة والقسوة،  دون غيرهم من الجاليات التي كانت تعيش في مصر ؟

– ولتوضيح الأمور أكثر للقارئ،  أقول: أن الاضطهاد الذي تم تسليطه على بني إسرائيل،  كان بدوافع سياسية واضحة- ليست بالضرورة مُبررة –  فما هي الأوضاع التي تكون قد دفعت بالفراعنة إلى ممارسة سياسة الاضطهاد ضد بني إسرائيل ؟

– طبعا هناك العديد من القصص الواردة في كتب التفسير،  حول الحلم الذي رآه فرعون،  ومضمونه أن مولودا سيولد في بني إسرائيل،  ويكبر لينتزع عرش فرعون ويقضي على ملكه،  مما جعل فرعون يحاول استباق الأمور بقتل الذكور والإبقاء على الإناث،  ولكن هذه تبقى مجرد قصص،  إذ أن  القرآن الكريم ورغم كثرة التفاصيل التي قدمها حول سيرة النبي موسى عليه السلام لم يذكر أبدا أن فرعون موسى رأى حلما من هذا القبيل ! وإن كان القرآن قد أشار بوضوح إلى عمليات القتل الانتقائي،  إلى درجة أن نجاة موسى عليه السلام لحظة ميلاده،  تطلَّبت تدخلا إلهيا مباشرا،  كما ورد في سورة القصص مثلا…
– تُسجل العديد من الأبحاث،  أن مصر تعرضت لغزوات أجنبية،  وعاشت في ظل الحكم الأجنبي مدة طويلة،  وأن الإسرائيليين،  وبعد أن تكاثر عددهم،  وزاد تغلغلهم في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية بمصر،  قد استغلوا فرصة خضوع مصر للاحتلال،  وتحالفوا مع المحتلين ضد المصريين،  بحيث حولوا حياة المصريين إلى جحيم خاصة لجهة جباية الضرائب،  ومساعدة الحكام الأجانب على إحكام قبضتهم على المصريين وعلى مصادر عيشهم…مما جعل المصريين يكتشفون أن بني إسرائيل ورغم طول فترة إقامتهم في مصر،  لم يصبحوا مصريين،  ولا يزالون يعتبرون أنفسهم عرقا مختلفا وبمصالح ليست هي نفسها مصالح المجتمع المصري،  والأكثر من ذلك أنهم يستغلون الظروف الصعبة للشعب المصري،  ليمارسوا مختلف أنواع الاستغلال،  والتحالفات مع الغزاة الأجانب خدمة لمصالحهم،  ولو كانت على حساب الشعب الذي استضافهم قرونا عديدة ! ولذلك عندما تمَّكن المصريون من طرد الغزاة المحتلين،  أظهروا حنقهم على بني إسرائيل،  وقرروا تغيير أسلوب التعامل معهم وأخذ الاحتياطات للحد من نفوذهم،  ومعاملتهم على أساس أنهم طائفة أجنبية لا يُؤْتمنُ جانبها،  وكذا معاقبتهم على سوء ما سبق وأن بدر منهم.وهنا ينفتح المجال للعديد من التساؤلات، هل الاضطهاد كان واقعا على جميع الإسرائيليين، أو على الغالبية الساحقة منهم أو على جزء منهم فقط ؟ فالقرآن بعطينا إشارة قوية من خلال قصة قارون أن بعض الإسرائيليين كانوا جزءً من منظومة الاستكبار والاستعلاء والاضطهاد فقارون كان من قوم موسى ولكنه أصبح من البغاة بسبب ثرائه الفاحش الذي أنساه أصوله الأولى،  وجعله يستعلي على قومه،  وسؤال آخر : من أين استمدَّ قارون ثروته الضخمة تلك؟ لا يمكن أن يكون الأمر بمعزل عن عمليات الاستغلال والاستعباد التي كان ضحاياها الكثير من بني إسرائيل.

ولذلك  يبقى التساؤل قائما من الناحية التاريخية،  هل جميع بني إسرائيل غادروا وخرجوا مع موسى عليه السلام،  أم أن بعضهم رفض الخروج .؟ وأهمية الإجابة على هذا التساؤل تكمن في أنها قد تساعدنا على معرفة أفضل بأسباب الاضطهاد الفرعوني ضد بني إسرائيل وأهدافه،  ومداه،  مع ملاحظة أن الأمر الواضح الذي أكده القرآن الكريم وشدَّد عليه أن جميع من كانوا مع موسى عليه السلام قد نجوا،  وأن جميع من كانوا مع فرعون في مطاردته لبني إسرائيل قد هلكوا.

– هذه المعطيات وغيرها،  دفعت بالبعض إلى القول: أن تدمير ملك فرعون،  قد يرتبط أكثر بإدعائه الإلوهية،  أكثر مما قد يرتبط بضرورات إنقاذ بني إسرائيل من الاضطهاد الفرعوني! وإن كانت القراءة المتأملة  فيما ذكره القرآن حول فرعون وبني إسرائيل من شأنها أن تُزودنا بمعطيات وحقائق لا تُقدر بثمن،  فالاضطهاد الطائفي والعرقي،  مرفوض بحكم القرآن،  وهو فعل قد يؤدي إلى دمار الدول،  وزوال أقوى الحكومات،  وهذا درس لم تستوعبه الكثير من الدول والحكومات إلى يومنا هذا،  كمثال على ذلك،  دولة وحكومة بورما واضطهادها الوحشي للمسلمين الروهينقا،  والظلم والاضطهاد الذي تقترفه إسرائيل يوميا في حق الفلسطينيين،  والاضطهاد الذي يرزأ تحته ملايين المسلمين في الصين.

– للمقارنة فقط،  مع ما حدث في الجزائر سنة 1870 عندما أصبح اليهود الذين يعيشون في الجزائر منذ قرون،  أصبحوا فجأة فرنسيين- مرسوم كريميو- أي من الغزاة المحتلين ! وتحوَّل الجزائريون إلى أغلبية مضطهدة على يد الضيوف السابقين،  مع فرق أساسي مقارنة بالاضطهاد الذي عرفه الإسرائيليون على يد الفراعنة،  فلم يكن ثمة نبي يظهر لينقذ الجزائريين من الاضطهاد بل تطلب الأمر أن يُنقذ الجزائريون أنفسهم بأنفسهم،  وبثمن باهظ وعسير..

وفي نفس هذا السياق المشحون بلحظات الألم الخالدة في الضمير الوطني الجزائري يمكن أن نتوقف عند حوادث قسنطينة والتي كان منطلقها قيام أحد يهود مدينة قسنطينة والمسمى “إيلياهو خليفي” بالتبول ليلة 05 ماي 1934 على جدران مسجد سيدي لخضر قبل صلاة العشاء بقليل،  ورغم محاولات التهدئة من جانب الجزائريين إلا أن ” إيلياهو خليفي ” وزوجه واصلا التهجُّم على الجزائريين بالسبِّ والشَّتم الذي طال حتى شخص الرسول الكريم،  وفي الغد انضم يهود آخرون إلى إيلياهو وزوجه وشرعوا في رمي الجزائريين بالرصاص وبشتى الأغراض المؤذية من شرفات المنازل،  مما أدى إلى انطلاق أحداث دامية،  وامتدت هذه الحوادث إلى مدينة عين البيضاء أين قام شرطي فرنسي من أصل يهودي بإطلاق النار على طفل جزائري- كما يفعل جنود إسرائيل مع الأطفال الفلسطينيين- فأراده قتيلا،  وعندما طالب الإمام عبد الحميد بن باديس السلطات الفرنسية بسحب السلاح من اليهود تجنبا لإستمرارهم في إطلاق النار على المسلمين الجزائريين أجابه المسؤولون الفرنسيون،  بأنهم لا يستطيعون ذلك،  لأن هؤلاء اليهود مواطنون فرنسيون ومن حقهم الاحتفاظ بأسلحتهم!  والأكثر من ذلك فإن اليهود قد قاموا بتشييع قتلاهم في هذه الأحداث في تظاهرة حافلة في حين طلبت الإدارة الفرنسية من الأهالي الجزائريين أن يُشّيعوا قتلاهم في سرية تامة بحجة تجنب أية احتكاكات إضافية ! وهكذا كان ليهود قسنطينة حق الاحتفاظ بسلاحهم في مقابل الجزائريين المجردين من السلاح،  وحق التشييع العلني لقتلاهم في مقابل التشييع المكتوم لقتلى الجزائريين،  وقد كان العديد من اليهود يتلذذون بترديد عبارة : ” أنا في أحسن حال،  محمد يُنظف إسطبلي،  وفاطمة تُنظف بيتي “.. وبقية هذه القصة  التي دامت أسبوعا كاملا،  لو أتسع المجال لذكرها فإن فيها من الدروس والعبر،  ما يغنينا عن كثير من السخافات والأكاذيب وفنون النفاق والتملق التي يروج لها بعض الروائيين الجزائريين المغرمين بالجنس وبالعبقرية اليهودية.

ورغم مرارة التجربة التاريخية وقسوتها فإنه طوال سنوات الثورة الجزائرية،  لم يحدث وأن استهدف المجاهدون والفدائيون الجزائريون،  أي شخصية أو هيئة على أساس أنها يهودية،  فبيان أول نوفمبر ورغم دعوته الواضحة والقوية إلى ضرورة تدمير النظام الإستدماري والقضاء على مؤسساته،  إلا أنه لم يتضمن أية إشارة أو دعوة إلى الكراهية أو الانتقام على أساس ديني أو عرقي أو طائفي .

– وجب التأكيد هنا على أن مبدأ ” الأخوة الإنسانية ” هو المنطلق الذي يجبُ أن يكون مصدر إلهامنا في التعامل مع بعضنا بعضا ومع الشعوب والأمم الأخرى،  ويكفي هنا أن نُذِّكر بالكثير من الحركات والشخصيات اليهودية عبر العالم التي ترفض وتُعلن رفضها واستنكارها للظلم الواقع على الفلسطينيين على يد الحكومات الإسرائيلية المختلفة،  وهي مواقف غاية في الجرأة والشجاعة،  وتقف دليلا وشاهدا،  على أن الإنسانية يمكنها أن تحتكم وفي أصعب حالات الكره والعداء إلى الإخوة المشتركة لرفض الظلم والاضطهاد الذي يمارسه الإنسان على الإنسان باسم التفوق العرقي،  والاختلاف الديني،  أو التميُّز الحضاري..

ومن هنا نقف على خطورة الحركة الصهيونية ودورها الحاسم في تخريب  العيش المشترك بين العرب واليهود في فلسطين وفي سائر أرجاء الأوطان العربية والإسلامية،  فالصهيونية لا تُؤمن بمبدأ الأخوة الإنسانية،  لأن جميع منطلقاتها مبنية على  ضرورة زرع الأحقاد وألوان الكراهية بين العرب والمسلمين وبين اليهود،  لقد كان هذا التوجه حاضرا وراسخا في ذهن الزعيم الصهيوني الكبير تيودور هرتزل (1860- 1904) كما يتضح من بعض ما كتبه في مذكراته،  عن لقائه بأحد الزعماء الوطنيين المصرييين وهو الكاتب والسياسي المصري مصطفى كامل (1874 – 1908) الذي تزَّعم الحزب الوطني في مصر سنة 1907 هو أحد رواد النهضة القومية في مصر،  وقد زار أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر للعمل من أجل القضية المصرية،  والمطالبة بالجلاء البريطاني،  وله العديد من المؤلفات المهمة…

– وفي إحدى زياراته إلى أوربا التقى بزعيم الحركة الصهيونية الدكتور تيودور هرتزل،  طبعا الحركة الصهيونية كانت آنذاك في سنواتها الأولى ولم يكن الكثيرون يدركون خطورتها وأهدافها البعيدة..واستهدافها السيطرة على فلسطين وأجزاء من المنطقة العربية..

– علَّق تيودور هرتزل على لقائه بمصطفى كامل قائلا : (…إنَّه في رحلة أخرى لجمع المشاعر المؤيدة لقضية الشعب المصري الذي يسعى للخلاصِ من السيطرة البريطانية…إن سليل مضطهدينا في مصرايم ” مصر” يتنهدُ اليوم من عذاب الرق،  وتقوده طريقهُ إليَّ أنا اليهودي طالباً مساعدتي الصحفية..)[1] وهكذا نظر هرتزل إلى مصطفى كامل باعتباره شريكا بطريقة أو بأخرى في الاضطهاد الذي لحق باليهود قبل ثلاثين قرنا أو أكثر،  لمجرد أنه قد يكون سليل المصريين القدامى !

 

 -[1] يوميات هرتزل 24مارس1897.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023