لنسمّي الإرهاب بمسمّياته أوّلا…بقلم: محمد الرصافي المقداد

لنسمّي الإرهاب بمسمّياته أوّلا…بقلم: محمد الرصافي المقداد

سويعات قليلة فصلت بين تفجير عبوة ناسفة استهدفت سيارة المحلل السياسي الدكتور طالب ابراهيم على أوتوستراد المزة، واسفر عن اصابة زوجته، ووفاتها بعد ذلك متأثرة بجراحها، وبين تفجيري تونس الانتحاريين الذين وقعا في العاصمة تونس، واستهدف الأول دورية امنية بشارع بورقيبة، قريبا من مقر السفارة الفرنسية، والثاني بمرآب مكافحة الارهاب بالقرجاني وأسفرا عن ضحايا من الامنيين بين شهيد وثمانية جرحى. سويعات كانت كافيه لتجمع بين سوريا وتونس، في محنة الاستهداف بالإرهاب الوهابي التكفيري، الذي لا زال يعبث بأمن البلدين، رغم الهزائم الثقيلة التي مني بها في البلدين، وخصوصا في سوريا، لتضعنا أمام سؤالين هامّين متعلّقين بمصدر الإرهاب وسبل مكافحته.

مخطئ تماما من يعتبر أن الارهاب لا دين له ولا وطن، فالإرهاب ليس سوى ذلك الفكر الوهابي الذي تأسس بريطانيّا، ونما وترعرع سعوديا، وانطلق في عالمنا العربي والاسلامي امريكيا، يدمر الممتلكات ويحصد الأرواح، خدمة للاستكبار والصهيونية، من خلال فرض منطقه وقراءته المتطرّفة للإسلام وأسلوب الحكم، صناعة استخبارية الهدف الاول منها الاساءة للإسلام، وتقديمه للعالم بصورة بشعة منفرة، وبالتالي وقف اهتمام الشعوب الأخرى به، والثاني صناعة كيان بعنوانه المتطرّف، ليكون مشروعا قادما لمحاربة النظام الاسلامي تبنّاه الشعب الإيراني منذ 1979. فشل التصدّي لاستمرار نموّ وتقدّم جمهورية ايران الاسلامية على مدى اربعة عقود، جعل خيار الاعتماد على انتشار فلول الارهاب والوهابي في انحاء العالم، ليكونوا أساس مواجهة رأوا فيها سبيلا للخلاص من المشروع الاسلامي، المهدد لنفوذ أمريكا والغرب في المنطقة، ويبدو أن النظام الاسلامي الايراني قد أحسن قراءة مخططات اعدائه، فانتقل الى مرحلة الهجوم استباقا لما قد يكون اسوا، قبل أن يصبح في حال دفاع عن حدوده ووجوده، ونجح في ذلك، فاذا بداعش الامريكية الصهيونية قد انكسرت تماما في العراق، وهي على أبواب الانتهاء في اخر معاقلها بسوريا، ولم يكن هذا الانتصار الهام ليتحقق، لولا يقظة وحسن قراءة النظام الاسلامي للأحداث ومستجداتها، على الساحة المحلية والاقليمية والدولية، بما زاد من غيظ الامريكان وحلفاؤهم.

السبيل الى معالجة تغلغل الفكر الوهابي في عقول ابناء مجتمعاتنا قبل أن نبحث عن طريق معالجة هذه الآفة، يجدر بنا أن ننظر الى جذور نشأتها، فهي بذرة سيئة، سبقت ابن عبد الوهاب مؤسس المذهب الارهابي، أوجدها ابن تيمية الحرّاني، وتلقفها من بعده تلميذه ابن الجوزية، فهما يعدّان استاذيه في تعلّم الغلوّ والتطرّف، وعنهما اخذ منهج التكفير، الذي نشره في كتاباته، مستغفلا به سذج المسلمين. معالجة هذا الفكر الهدّام وقطع دابره من بلداننا، ينحصر في كشف زيف هؤلاء المفسدين، واظهار بطلان دعواتهم، بتصدّي علماء الأمة ونقض افكارهم، بالتّوازي مع نشر ثقافة التعريف بالإسلام الوسطي، من مختلف المذاهب الاسلامية المعروفة، العمل على تأسيس قواسم مشتركة بينها، تنبذ العنف والارهاب، وتدعو الى التسامح والعفو. اتخاذ موقف مشترك بين الدول الاسلامية، في مواجهة جُحر الارهاب الوحيد، الآتي من مهلكة آل سعود، والزام هؤلاء الحكام بالبراءة من الفكر الوهابي، وقطع اياديه من التدخّل في شؤون الحرمين الشريفين، ومناسك العمرة والحج، وايقاف نشر ثقافته المتطرفة في مراحل التعليم هناك، منعا من تخرّج عناصر تتبناه عقيدة، وتعمل على تنفيذ آرائه المتطرّفة، المخالفة لقيم الاسلام المحمدي الاصيل، المنبني على قوله تعالى: “خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين”.(سورة الأعراف الآية199 ) وطالما أن دولنا ساكتة على تغلغل هذا الفكر الوهابي، في عقول البسطاء من افراد شعوبنا، انخداعا بكون منشئه بلاد الحرمين الشريفين، موطن الوحي والنبوة والاسلام، فإن استمرار تدفق عناصره القادمين من السعودية، متأثرين بدعاويه الخاطئة، بعد انتهاء عقودهم المهنية، من تعليم وصحة وتقنية ونحوها، سيبقى خطره قائما.

دعوة المجاميع العلمية الاسلامية، الى اتخاذ موقف صريح من الفكر الوهابي، على أساس أنه الوحيد الذي يحمل معه دابة الارهاب التكفيري أينما حل منتسبوه، وإلزام حكوماتهم على الأخذ بعين الاعتبار لتوصياتهم المتّخذة بهذا الشأن، ومنها عدم الاعتراف بالشهادات العلمية التي تسندها الجامعات الوهابية هناك. إنّ السكوت على تمرير أسباب بقاء الفكر الوهابي، والسماح له بالعيش بينن شعوبنا، يأكل منها الأخضر واليابس كلما حرّكه مشغّلوه، يعتبر في حدّ ذاته جريمة بحق شعوبنا وأوطاننا، وسرعة التحرك في هذا الاتجاه، احتياطا مما قد يأتي، ويكون أسوأ مما حصل، تتطلب موقفا شجاعا من حكامنا، لا يأخذ بعين الاعتبار المكاسب المادية، التي تأتي من ذلك الجحر الإرهابي، فما خسرناه طوال ظهور دابة الإرهاب الوهابي، واستقوائها في اوطاننا، أصبح يقدّر بأضعاف ما جنيناه من عقود العمل هناك. صحيح ان العمل الامني والاستخباراتي في مكافحة فلول الارهاب جيّد وناجع، لكنه يجب أن يكون متزامنا مع العلاج الفكري والثقافي لهذه الظاهرة، المهددة لأمن واستقرار دولنا وشعوبنا، وعلى ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار هذا التكامل في أسلوب المواجهة، وستكون فرصة النجاح في معالجة واستئصال هذه الآفة أكبر بكثير.

دعوة صادقة وملحّة أوجّهها الى الدول المبتلية بآفة الإرهاب، لتوحيد الجهود وتشكيل بنك استخباري من المعلومات، وضع تجارب الدول في مكافحة الارهاب تحت تصرف البقية وتقديم الخبرات التي من شأنها أن تقوّي الجانب الأمني والعسكري، لفرق الدول المختصة في مكافحة الارهاب، بعيدا عن أمريكا وبريطانيا والسعودية والامارات، المتّهمين بتأسيس وصناعة وحضانة وتمويل الجماعات الارهابية، الفاتكة بالإنسان وحضارته، في سوريا والعراق واليمن.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023