مأزق واشنطن في حفظ ماء الوجه مع طهران

مأزق واشنطن في حفظ ماء الوجه مع طهران

بقلم د. أنور العقرباوي: فلسطيني واشنطن |

لا نستبعد أن يكون هنالك شكل من أشكال المفاوضات، بين طهران وواشنطن قائما، إن لم تكن عبر الوسطاء على قدم وساق جارية، فإنها أغلب الظن على بدايتها وشيكة، ونحن نتابع وندقق من خلال سيل الرسائل العلنية و-“المشفرة” المتبادلة بين مختلف الأطراف، سواء عبر تصريحات المعنيين بالأمر أو “الوجهاء”، من خلال وسائل الإعلام أو منصات التواصل الإجتماعي، كما جرت العادة عليها وخبرناها!

لا يختلف عاقلان لو استثنينا جذور النزاع بين الدولتين، اللذي يعود إلى بداية قيام الثورة الإسلامية الإيرانية، لأسباب معروفة للجميع لا داعي من تكرارها، على أن النزاع الجديد القائم بين الطرفين، إنما في أساسه مصطنع بادرت إليه من طرف واحد إدارة الرئيس الحالي ترامب، لغرض لا يخفى على كل متتبع ومراقب لتصرفاته، إزاء تأثير اللوبي الصهيوني عبر وكلائهم في إدارته، على مجمل سياساته وقراراته، التي من ضمنها إلغاء الإتفاق النووي مع إيران، بحجة أنه “سيء للغاية”، وأن المفاوضين الأمريكيين في حينه، لم يكونوا على مستوى “المسؤولية الوطنية”، في الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة، الشيء اللذي طالما كرره ووعد بالإنسحاب منه أثناء حملته الإنتخابية وبعدها!

وعلى الطرف الآخر لا يمكن لأحد أن ينكر على الجمهورية الإسلامية، بأنها قد التزمت وأوفت بوعودها، على الحد من أنشطتها النووية الحساسة والسماح بعمل المفتشيين الدوليين في إيران، مقابل رفع كل العقوبات الأمريكية والأوروبية، ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني المفروضة عليها، اللذي أقرته ووافقت عليه عام ٢٠١٥، الدول التي أطلق عليها في حينه مجموعة 5+1.

صحيح أن دونالد ترامب نضب ضحل، لا يفقه من السياسة إلا قشورها، لكنه ينبغي كذلك أن لا ننسى، أنه مقاول جشع بين حكام العالم قل مثيل له، وأن مصلحته الشخصية تعلو ولا يعلى عليها، وأن أي مواجهة خارج حدود بلاده، فإنها قد تكلفه الكثير وهو على أبواب إنتخابات قادمة، واللذي لا تزال نتائج إستطلاعات الرأي، تؤكد إستمرار إصطفاف قاعدته الإنتخابية خلفه، بعد أن أوفى بالكثير من وعوده الإنتخابية، اللذي ينقلنا إلى السؤال الأهم، عما إذا كان بوسعه التراجع عن تهديداته العسكرية الموجهة إلى الجمهورية الإسلامية، ومن قبلها كوريا الشمالية، وهو اللذي سبق وأن قطع على نفسه الوعد بعدم إرسال جنوده إلى الخارج في أي مواجهة، أم أنه سوف يصغي إلى مستشاريه الأمنيين، اللذين يؤمنون بأن هزيمة إيران في أي مواجهة، سوف تتمم نبؤة الكتاب المقدس، وتشكل المقدمة في مجيء المسيح إلى الأرض، وهو اللذي لا يفقه من الدين شيئا، وقد أسلف وتعهد بأنها ستكون “أمريكا أولا”؟!

إذا فإن أحوج من يكون بحاجة للنزول من على الشجرة، حتى يحفظ لنفسه ماء الوجه، أنما هو نفسه اللذي بادر إلى تسلقها في البداية دون مبرر، اللذي خانته فصاحته السياسية المعوقة، وراح ولو لبرهة ينساق وراء ما يزينه له مستشاريه الصهاينة، ولكننا نكاد الزعم في القول، أن من استطاع أن يتسلق على أكتاف شعبه في الوصول إلى البيت الأبيض، أنه كفيل بنفسه أن يتراجع عن تهديداته، فيما لو أتاح له الطرف الآخر من النزول عنها، دون المساس بثوابتهم وهو حق لهم يعترف فيه العالم كله ولا ينكره، ونحن لا نقلل من شأن أو حكمة السياسة الإيرانية الهادئة والرصينة والذكية!

ربما لن يروق هذا الكلام إلى البعض من المتحمسين للمواجهة، إلا إذا أدركوا أن ساعة المواجهة الحقيقة، في ظل الظروف القائمة ليست مناسبة، وأن مرور الوقت من المؤكد يميل إلى جانبنا، عندما يستتب الأمن والإستقرار في سورية، وعندما تفصح ما يقال عنها صفقة القرن عن تفاصيلها، حين ستبيض أو تسود وجوه.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023