ماهي الانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية و المجالية للنمو السياحي؟…بقلم د. فتحي بوليفه

ماهي الانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية و المجالية للنمو السياحي؟…بقلم د. فتحي بوليفه

النشاط السياحي قطاع اقتصادي، تشمل انعكاساته كل المجالات بصفة مباشرة و غير مباشرة، حتى أصبح يصنف ضمن أكثر القطاعات المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و المجالية في كل بلدان العالم. في المقابل يرى بعض الباحثين أن الانعكاسات السلبية لهذا القطاع هي أيضا متعددة، لذلك سنعرض في كل عنصر انعكاساته الإيجابية و السلبية.

1- الانعكاسات الاقتصادية

يساهم القطاع السياحي في توفير العملة الأجنبية و الحد من عجز الميزان التجاري كما يساهم في تنشيط الحياة الاقتصادية القطاعية والإقليمية.يعتبر النشاط السياحي أحد أهم الأنشطة المستهلكة للأراضي والمياه والطاقة والمنتجات الزراعية والصناعية. كما يحتاج عدة أنشطة خدماتية كالبنوك و التأمين و النقل و الإعلامية و غيرها…
1.1- توفير العملة الأجنبية و الحد من عجز الميزان التجاري
تحتل السياحة في بعض البلدان السياحية مكانة هامة في توفير العملات الأجنبية و الحد من عجز ميزاني التجارة و الدفوعات. في اليونان و فرنسا و إسبانيا تساهم المداخيل السياحية بنسبة تتراوح بين 5 و 7 ℅ من الناتج الداخلي الخام. تفوق قيمة المداخيل السياحية في بعض البلدان في العالم ميزانيات بعض البلدان النامية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تحتل المرتبة الأولى عالميا في استقطاب تلك المداخيل التي وصلت سنة 2015 إلى 204.5 مليار دولار. كما أن استهلاك السياح يتجاوز مصاريف الفنادق و المطاعم و الحانات ليشمل بقية مكونات القطاع التجاري، مما يجعل هذا القطاع من أكثر القطاعات تأثيرا على نمو الاقتصاد.

المداخيل السياحية في البلدان الخمسة الأولى سياحيا في العالم سنة 2015


2.1- تنشيط جل القطاعات الاقتصادية
منذ بداية إنشاء المؤسسات و التجهيزات السياحية تستفيد عدة قطاعات صناعية في مجال البناء و التجهيز ثم تزويد مطاعم الفنادق بالمواد الصناعية الاستهلاكية بالإضافة لمواد التنظيف و الصيانة. كما يمثل الاستهلاك السياحي سوقا هامة للمنتوجات الفلاحية و الصناعات التقليدية…
يعتبر النقل من أكثر القطاعات المندمجة في النشاط السياحي حيث يرتبط بحركية السياح على مسافات طويلة و قصيرة كما تلعب وكالات الأسفار دورا هاما ليس فقط في نقل السياح بل أيضا في توفير عدة خدمات هامة أخرى (الحجوزات، بيع تذاكر السفر و تخطيط مسارات المنتوجات السياحية…). كما يضمن النشاط السياحي استفادة عدة قطاعات خدماتية أخرى كالتجارة و البنوك و التأمين…
3.1- السياحة مستهلك كبير للأراضي والمياه والطاقة
بالإضافة إلى انعكاساتها الإيجابية على الاقتصاد، يتسبب الاستهلاك المفرط فيه أحيانا في بعض المناطق السياحية في الأضرار بالاقتصاد. منذ بداية توسع المؤسسات و التجهيزات على حساب الأراضي الفلاحية بدأ الحديث عن تهديد الانسان في غذائه و تدعم هذا التهديد بالاستهلاك المفرط للماء في هذا النشاط الذي أصبح ينافس الفلاحة في الموارد المائية التي تكون محدودة في جل البلدان السياحية في العالم مثل البلاد التونسية. السياحة أيضا مستهلك كبير للمواد الطاقية و خاصة الكهرباء.

2- الانعكاسات الاجتماعية

يعتبر الباحثون أن النشاط السياحي يساهم في التعايش بين المجتمعات الحديثة و وسيلة للتقارب بين الشعوب. لكن ذلك التفاعل بين السياح و السكان المحليين في بلد الاستقبال قد تكون له انعكاسات إيجابية و أخرى سلبية.
1.2- السياحة قطاع مشغل
حسب الديوان الوطني للسياحة التونسية توفر كل طاقة إيواء فندقية بخمسة أسرة موطنا (2) شغل مباشرين في النزل و المطاعم، كما يتميز الشغل السياحي مقارنة بالشغل الفلاحي بارتفاع أجوره و استقراره نسبيا في البلدان السياحية الكبرى، كما يحتاج توفر كفاءات ضرورية. يساهم كل موطن شغل مباشر في النشاط السياحي في خلق 3 مواطن شغل أخرى غير مباشرة في قطاعات اقتصادية أخرى، لذلك يعتبر هذا القطاع من أكثر القطاعات المشغلة.
2.2- الانعكاسات على حركية السكان
يستقطب النشاط السياحي أعدادا كبيرة من اليد العاملة في عدة اختصاصات تحتاج إلى مهارات مميزة و أخرى تكتفي بمهارات بسيطة، لذلك ينزح عدد كبير من السكان نحو المدن السياحية بحثا عن عمل مما يساهم في إقفار بعض الأرياف و اكتظاظ المدن السياحية خاصة في البلاد التونسية حيث تضخم عدد سكان المدن الساحلية السياحية بصفة متسارعة، حيث يتوفر الشغل في النشاط السياحي و كل الأنشطة المرتبطة به.
3.2- تأثير السياحة على السلوك الاستهلاكي للسكان
أثبتت بعض الدراسات التي اهتمت بانعكاسات النشاط السياحي على المجتمع تأثر السكان المحليين بالسلوك الاستهلاكي للسياح، حيث يسعى هؤلاء لتقليدهم في الاستهلاك الغذائي و اللباس و حتى الإقبال على الترفيه و السياحة، حيث أصبح السكان المحليين يخصصون جزء من مصاريفهم للسياحة. حسب بعض الباحثين تسبب ذلك التقليد في تجاوز بعض السكان المحليين لإمكانياتهم المادية التي لا تقارن بامكانيات السياح.

4.2- تأثير السياحة على التراث و العادات والتقاليد
رغم استمتاع السياح باكتشاف تراث و عادات و تقاليد السكان المحليين، إلا أن بعض الباحثين كشفوا عن الجوانب السلبية لذلك الاستمتاع. يعيب هؤلاء على السكان المحليين تطويعهم لتراثهم و عاداتهم و تقاليدهم لميولات و رغبات السياح من أجل المال مما يتسبب في تشويه ذلك التراث الثمين و فقدانه لهويته. كأن يغير بعض الطباخين في مكونات بعض الأطعمة التقليدية الموجهة للسياح، أو تغيير ملابس و نغمات بعض الرقصات التقليدية و حتى كلمات بعض الأغاني الشعبية المقدمة أمام السياح. عامة يعيب هؤلاء الباحثين تحويل ذلك التراث و العادات و التقاليد فرجة للسياح من أجل المال و منهم من يعتبر ذلك تسولا و يحط من الكرامة.

3- الانعكاسات المجالية

يعتبر القطاع السياحي من الأنشطة التي تساهم بشكل كبير في إعادة تنظيم المجال، وتنويع وظائف المدن ونمو التحضر. غالبًا ما ترتبط أنشطته بالمدينة التي تلبي متطلباتها من حيث التجهيزات والخدمات. تحث السياحة السلطات المحلية على تحسين وإنشاء المرافق والخدمات التي تلبي رغبات السياح التي يستفيد منها أيضا السكان المحليين.
1.3- الانعكاسات على التهيئة
تم إنشاء جل المؤسسات و التجهيزات السياحية في إطار أمثلة للتهيئة تحترم المواصفات العالمية المجالية الوظيفية و البيئية، لكن في بعض البلدان الأخرى تم تجاوز تلك المواصفات و أصبح إنشاء تلك المؤسسات يشوه التنظيم المجالي للمدن و حتى الأرياف ويهدّد التوازن البيئي لبعض المناطق المحمية بمعاهدات دولية كالمحميات الطبيعية و بعض المواقع الأثرية الهشة. في البلدان النامية خاصة يتم إنشاء التجهيزات السياحية دون أمثلة تهيئة خاصة في المناطق الريفية.
2.3- الانعكاسات على التحضر و وظائف المدن
يساهم استقطاب المدن السياحية للنازحين للعمل في النشاط السياحي و الأنشطة الأخرى المرتبطة به في تضخم عدد سكان هذه المدن و ظهور عدة مشاكل حضرية مرتبطة بالاكتظاظ و تنوع الوظائف المهيكلة و غير المهيكلة. من الواضح أن السياحة تلعب دورًا رئيسيًا في تنويع وظائف مدينتها الأصلية وحتى في المدن المحيطة الأخرى. يساهم هذا التنويع في الدائرة الاقتصادية للمدن في ديناميكية معينة تولد أو تعزز استقطابها وتأثيرها. في بعض البلدان حديثة العهد بالنشاط السياحي تسبب تركز ذلك النشاط في مناطق بعينها دون أخرى، مثل تركزه بالمناطق الساحلية بالبلاد التونسية، في اختلال في التنمية بين مدن سياحية تتميز بحركية اقتصادية و مدن أخرى غير سياحية تفتقر لكل مقومات التنمية الحضرية الاقتصادية.
3.3- الانعكاسات على الآثار والبيئة
يتسبب تكثف الأنشطة السياحية وتدفق السياح في الإضرار بالبيئة الهشة. لهذه الأسباب وغيرها، يتطلب تطوير المناطق والمواقع السياحية مزيدًا من اليقظة واستراتيجية التنمية التي تأخذ في الاعتبار هشاشة البيئة. أثبتت عدة دراسات أن توافد السياح في بعض المناطق يتجاوز بشكل كبير القدرة الاستيعابية لتلك المناطق (Capacité de charge). و يتسبب ذلك في تفاقم المشاكل البيئية لتلك المناطق بفعل الاستهلاك المفرط للموارد المائية على حساب قطاعات اقتصادية أخرى كالفلاحة و تضخم كميات النفايات و المياه المستعملة التي تفرزها المؤسسات السياحية دون معالجتها مما يتسبب في التلوث البيئي. كما يتسبب استغلال المواقع الأثرية و المحميات الطبيعية الهشة في النشاط السياحي في تفاقم هشاشتها.
4.3- تأثيرات السياحة على المشاهد السائدة
يرى بعض الباحثين في مجال الإدراك الحسي للمشاهد أن المنشآت السياحية تشوه أحيانا بعض المواقع التي كانت تحافظ على مشاهدها الطبيعية التي سبقت ولوج السياحة إليها، حيث يتم تشييد بعض الفنادق في بعض المدن دون تناسق مع البناءات المحاذية لها أو إنشاء بعض الإقامات العائلية في الأراضي الزراعية (الواحات بالجنوب التونسي) التي تم تشويه مشاهدها الطبيعية. يتسبب استغلال المناطق الصحراوية في النشاط السياحي أيضا في تشويه مشاهد هذا المجال الهش، مثل المحافظة على ديكور تصوير الشريط السينمائي La guerre des étoiles 3 في منطقة عنق الجمل في صحراء نفطة لاستغلاله كمزار للسياح و ما تسبب فيه من تلوث للمحيط الصحراوي بشتى أنواع النفايات، بالإضافة إلى تشويه المشهد الصحراوي الطبيعي لهذا الموقع بتلك البناءات من الجبس و بعض المعادن.

موقع تصوير الشريط السينمائي La guerre des étoiles 3 في منطقة عنق الجمل في صحراء نفطة

تبدو الانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية و المجالية للنشاط السياحي لا متناهية، و لم نتعرض في هذا الدرس إلا لأهمها فقط. تعكس هذه التأثيرات أهمية هذا النشاط في تحقيق التنمية، رغم تسببه أحيانا في تدهور بعض المواقع الهشة التي تكون غير قادرة على تحمل توافد أعداد هامة من السياح قد تفاقم في هشاشتها.

أستاذ باحث في الجغرافيا بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة، جامعة سوسة
fathyboulifa@gmail.com

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023