ما الذي يعنيه أن نكون جزائريين؟ “مغاربيون دون تعصب، وإنسانيون دون مُيوعة”

ما الذي يعنيه أن نكون جزائريين؟ “مغاربيون دون تعصب، وإنسانيون دون مُيوعة”

إن الهُوية الوطنية في الجزائر محصلة قرون طوية من المعاناة والآلام والإبداع ، وعلى غرار هُويات أخرى فقد تطورت هُويتنا عبر العصور كما أنَّها قد لا تكون بمنأى عن تطوراتٍ أخرى مستقبلا، ولكي نضمن أن تصبَّ هذه التطورات في صالح المجموع الوطني فإن ثمة أمرا واحدا حاسما لا مفر منه وهو الاضطلاع الكامل بالتاريخ، وأول خطوة في هذا الاضطلاع هي أن نتعلم عدم الخوف من هويتنا ولا المبالغة في الخوف عليها فلسنا مجتمعا مصطنعا يخشى على نفسه التفكك ولا شعبا طارئا على مسرح الأحداث تنقصه حكمة التاريخ  فقد بدأنا مع الانطلاقة الأولى للحضارة الإنسانية وساهمنا باقتدار في شذب ورصف حجارتها الأولى .

ومهما اختلفت آراؤنا كجزائريين فإن هناك حقيقة لا يمكن أن نختلف فيها أبدا وهي أننا مغاربيون قبل كل شيء ومغاربيتنا تلخيص للأمور بِرُمَّتها ، وفي مغاربيتنا تكمن عظمة وروعة المستقبل الذي نتطلع إليه، فتراث أجدادنا النوميديين والفاطميين والموحدين وتراث الحركة الوطنية العتيد كل ذلك يمنحنا قوة الأمل ووضوح الرؤيا في قراءتنا لأبعاد هويتنا وتفاعلاتها عبر العصور.

ويجب أن لا ننسى أن الهوية الوطنية في الجزائر قد استمدت كثيرا من عناصر قوتها  وإستمراريتها من تعلقنا وكفاحنا من أجل الحرية ، فلقد رفضنا العدوان وتصدينا لأكبر الإمبراطوريات قديما وحديثا فمن الصحراء الغربية إلى جنوب إفريقيا إلى أمريكا اللاتينية وأقاصي أسيا كنا حضورا وشهودا على رفض العدوان ودعم قضايا التحرر.
وإذا كان علينا أن نُعير اهتماما خاصا لمسألة الهُوية الوطنية والوحدة المغاربية فلأننا مطالبون بأن نكون واعين بالتطورات الحاصلة على حدودنا الجنوبية أين تحاول قوى العالم المختلفة ترسيخ أقدامها، وفي الضفة الأخرى من المتوسط أين تعيش الأمم الأوربية أزمات هوية طاحنة، وتشهد تصدعات رهيبة في بنائها القومي وهي التطورات التي من شأنها أن تجعلنا أكثر إدراكا لأهمية ودور الركائز الأساسية لهويتنا الوطنية وأكثر إيمانا وتشبثا بالفضاء المغاربي الذي لابديل عنه كإطار تاريخي ومستقبلي لهُويتنا في مواجهة كل التحديات. 

  إن أحد أهم وأقدس واجبات المثقفين في المنطقة المغاربية اليوم هو بلا ريب الاجتهاد في التأكيد على حقيقة أننا لا نملك في المنطقة المغاربية بديلا عن الوحدة المغاربية، ونشر الوعي أيضا بحقيقة أن البديل الوحيد عن الوحدة المغاربية هو اللابديل، أو بتعبير أدق، الضياع والدمار والبقاء في دائرة التخلف والتبعية المقيتة.وأن وضع التجزئة السياسية الراهنة وضع غير أخلاقي وغير واقعي واعتداء على حق الشعوب والأجيال في حياة أكثر كرامة وعزة وإنسانية ومجد…لماذا يتوجب على الإنسان المغاربي أن يعيش في ظل مواطنة وطنية محدودة، في حين أن بمقدوره أن يعيش في ظل مواطنة أوسع وأرقى وأنبل ، هي المواطنة المغاربية المنشودة، في ظل دولة الإتحاد المغاربي، مواطنة مغاربية مجيدة قادرة على إلهام الفرد المغاربي وتعيلمه كيف يشعر بأهمية وعظمة وجوده ورسالته في هذا العالم.

 فيا أيها المغاربيون اتحدوا، إن لم يكن من أجل مغرب عربي قوي ومزدهر وفاعل في شؤون العالم، فمن أجل مواطنة مغاربية بديلة عن المواطنات القطرية الحالية، والتي يوشك التاريخ أن يعلن موتها أو انتهاء مدة صلاحيتها، ونحن أمام أمرين إما أن نختار أن نواصل طريقنا إلى المستقبل من أجل إعادة بناء ما أنجزهُ أجدادنا الموحدون الأمجاد ( دولة مغاربية واحدة )أو أن نواصل سيرنا إلى المستقبل على طريقة أسلافنا الذين جاؤوا بعد دولة الموحدين العظيمة ( التجزئة السياسية والتناحر القطري ) وعندئذ سنكون إزاء مصير مجهول ولن يرثى لحالنا أحد.

                                                

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023