ما ذنب المسلمين الهزارة حتى يقتلون بوحشيّة؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

ما ذنب المسلمين الهزارة حتى يقتلون بوحشيّة؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

مرّة أخرى وليست الأخيرة، يضرب الإرهاب الوهابي التكفيري مسلمين أبرياء، جاءوا لأداء فريضة صلاة الجمعة في أحد مساجدهم، بمنطقة (خان آباد) بمدينة (قندوز) شمال شرق أفغانستان، حيث قام انتحاري من الأيغور الصينيين – حسب وكالة الانباء الفرنسية – (1) بتفجير حزام ناسف، وسط المسجد المكتظ بالمصلّين، أسفر عن سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى تجاوز المائتي ضحيّة (2)ولم يتأخّر تبنّي هذا العمل الوحشي، من طرف تنظيم داعش ولاية خراسان، لتثبت للعام من جديد، أن الارهاب بعنوانه الإسلامي المزيّف، نابع من فكر متطرّف واحد، هي الوهابيّة التي زرعتها بريطانيا في القرن الثامن عشر بنجد، عن طريق دعِيّ من أدعياء الإصلاح، تحالف مع حاكم الدّرعيّة (3) لتُقام مملكة تأسست على القتل والسلب والنهب، ويسقطها بعد ذلك العثمانيون سنة 1818م بسبب جرائمها، وخروجها عن السلطنة العثمانية.

ويبدو أن الطابع الإجرامي الطاغي على عقليّة مؤسّسَيْ هذه الدّولة – التي لولا بريطانيا – لما أمكن لها أنه تقوم للمرة الثالثة من جديد سنة 1938م، اختزله بخبث اتفاق الدّرعية، بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب،(4) واستقرت على أساسه دولة الإرهاب التكفيري، مهيمنة على معلمين مقدّسين للمسلمين، هما مكة والمدينة، لتبُثّ من خلالهما أفكار التطرّف والتكفير، لتصطبغ بها عقول الوافدين إليهما لأداء مناسك الحج، على أنّ الذي تلقّوه من بلاد الحرمين الشريفين هو الإسلام الخالي من الشرك بتوحيده الخالص كما يراه الفكر التّيمي الذي أحياه ابن عبد الوهاب.

هذا تذكير لمصدر أساس للفكر الإرهابي الوهابي، الذي أصيبت شعوبنا بدائه، وتلميح بتاريخه السيء، على اعتبار أنه لا يمكن أن يكون هناك مشروع حقيقي لمحاربته، من دون أن يستأصل من مكة والمدينة، بل ومن الحجاز كلها، فيرتفع عن منطقتها الشرقية، ومعاناة سكّانها عشرات سنين من القمع والتعذيب وكبت الحريات، ذلك أن النظام السعودي المتحالف مع ورثة هذا الفكر التكفيري المتطرف، هو بيت الدّاء الذي أصبح يتهدد المسلمين الشيعة بصفة خاصة، وسائر العالم بصفة عامة، ومن لم يكن وهابيّا، فهو مشرك مُستحًلّ الدم والمال والعرض.

وقد استغلّ الغرب بانتمائه الصهيوني المتطرّف هذا الفكر الشّاذّ، ليوظّفه في خدمة مخطّطاته، خصوصا بعد انتصار الثورة الاسلامية الإيرانية سنة 1979، وضرب مشروعها الإصلاحي المقاوم لأعداء الإسلام الحقيقيين، في استغلال موارد البلاد الاسلامية والتحكّم في سياسات دولها، بهذا الإرهاب الذي من شأنه أن يعرقل انتشار فكرها الإسلامي الوسطي بين الشعوب الإسلامية.

ويحقّ لنا أن نتساءل هنا بهذا الخصوص: بماذا دخلت القوات الأمريكية الغازية لأفغانستان؟ وبماذا خرجت منها أخيرا؟ وقد كان مبررها الأول، محاربة تنظيم نسبت إليه هجمات 11 سبتمبر 2001 فلا هي أقنعت بدخولها إلى أفغانستان، على أساس محاربة الإرهاب، المتمثل جينها في تنظيم القاعدة المتمركز هناك، ولا هي قدّمت ما أفادنا حقيقة، أنها كانت بصدد محاربة الإرهاب والقضاء عليه، عشرون سنة مرت على ذلك التاريخ 2001/2021 ، ولا يزال الإرهاب التكفيري يفتك بالمدنيين هناك، ولا مبرّر لانسحاب أمريكا السريع في الشهر الماضي، سوى أنها فشلت في ما إدّعته من حربها على الإرهاب، وورقة التّوت التي كانت تخفي سياساتها وراءها، سوف تسقط قريبا، بافتضاح مخططاتها، في دعم الإرهاب بأنواعه، الرّسمي الحكومي كالنظام السعودي، أصل هذا البلاء ومنتشر الدّاء، والتنظيمي بمسمّياته المتعدّدة، التي تخدم فقط أهداف الإدارة الأمريكية في السيطرة على العالم.

وبين إرهابين إرهاب داعش وإرهاب نظرائهم طالبان، يعيش قسم من المواطنين الأفغان لا يمكن تجاهله، وإن كانوا اليوم يعتبرون أقلّية عرقية، وهم قبائل (الهزارة)، المنتمين للإسلام الشيعي الإمامي الإثني عشري، يتهدّد أمنهم وسلامة مناطقهم فكرا متوحّشا، يراهم بنظره خارجين عن الإسلام يجب قتلهم، بعدما يئسوا من إجبارهم على ترك عقيدتهم الإسلامية الشيعية، المتعلّقة بإمامة أئمة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإثني عشر.

لقد تعرّض (الهزارة) إلى شتى أنواع الإبادة العرقية قديما وحديثا من (عبد الرحمان خان) إلى تنظيم القاعدة وطالبان وداعش، فقد قيل أنهم كانوا يشكّلون نصف سكان أفغانستان لكنهم نتيجة لأعمال القتل والتهجير القسري إلى خارج البلاد أصبحوا اليوم يعدّون في أفغانستان أقليّة،(4) وإذا تواصلت أعمال استهدافهم وتصفيتهم، فإنه لا محالة سيندثرون، ويصبحون أثرا بعد عيْنٍ ولا التفات لشأنهم من المجتمع الدّولي.

من هنا نناشد من بقيت فيه إنسانية، في هذا العالم الذي بدأ يفقد قيمه وانسانيته، نتيجة الغزو الفكري الغربي، أن يكون إلى جانب هؤلاء المستضعفين في أفغانستان، بعد التّفجير الإنتحاري الأخير، الذي خلف عددا كبيرا من الضحايا، مما يدُلّ على مدى الحقد الكامن في قلوب من خطط للعملية، وابتغى منها تحقيق أكبر حصيلة يتقرّبون بها إلى شياطينهم، استهداف هؤلاء المستضعفين لن يتوقّف، طالما هناك في أفغانستان من بقية الأعراق من يحمل الفكر الوهابي التكفيري، وعليه يجب أن يكون الموقف من الوهابية كمصدر مموّل للإرهاب بفكره الشاذّ موقفا عالميا رسميّا، وهو كما عبّر منتموه بأفعالهم أنهم لا يميّزون بين مخالفيهم، فمتى يتلفت هذا العالم إلى هذا الخطر، فيتّخذون بشأنه ما يجب اتّخاذه منعا من انتشار افكاره الخبيثة.

المصادر

1 – مجزرة في مسجد شيعي بمدينة قندوز الأفغانية | الشرق الأوسط (aawsat.com)

2 – إرتفاع عدد ضحايا تفجير المسجد الشيعي في قندوز بأفغانستان

https://arabic.rt.com/world/1281485

3 – الدولة السعودية الأولى https://www.marefa.org

4 – اضطهاد شعب الهزارة https://ar.wikipedia.org/wiki/

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023