ما يجب أن يُذْكر بشأن ابن النابلسي…بقلم محمد الرصافي المقداد

ما يجب أن يُذْكر بشأن ابن النابلسي…بقلم محمد الرصافي المقداد

إنّ من نشأ وشبّ على الكذب، لا يمكن أن يكون صادقا، مهما بلغت به مراتب النّاس، فلا تُحْمَلُ أخباره على الوثوق بها، وإن جهد أهله في رفع شخصه، وإن تلوّن منطقهم بألوان التّقوى، ومظاهر التديّن المزيّف، وهكذا كان أتباع خط البغي والظلم على أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم رضوان الله عليهم على مرّ الزمن، لم يتغيّر شيء من أساليبهم الخبيثة في قلب الحقائق، ولكي يستدِرُّوا عواطف المسلمين، فيَظهرون على أنّهم ضحايا تعرّضوا للعدوان، وأصحاب سُنّة يُراد محقها، بينما هم أصحاب سُنّة أمويّة، لا تزال حاملة بانحرافها عن النهج النبوي، وأنّهم المستفزّون بالباطل من طرف صنّاع الفِتَنِ، المستنفَرُون على إخوانهم في الدين، باتهامات لا أساس لها من الصّحة، بلا منطق تحتمله ولا حجة صحيحة.

في أسلوب عهدناه قديما، لجأ أتباع هذا الخط لاستعمال أسلوب الدعاية بأشكالها الرّوائية، المعتمِدة على الأحلام والخرافة في كثير من الأحيان، من أجل إيهام بسطاء الناس، ومن سهُل التأثير عليهم بها، ليتّخذوا موقفا معاديا ضدّ شخص أو فئة أو منهج، ظهر من خلالها مُدانا، كما في حكاية ابن النّابلسي، الذي دوّن الذهبي في ترجمته، نسبة إلى أبي ذر الحافظ: سَجَنَه بنو عُبيد، وصلبوه على السّنة( يعني على منهج السنّة)، سمعتُ الدارقطنَّي يذكره ويبكي، ويقول كان يقول، وهو يُسلخ: ( كَانَ ذَلَكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُوراً) (1)

ومع أن كل من دَوّن هذا الخبر لم يأتي بموثّق له، حتى يُعتمد كحادثة تاريخية مُعلّلة أسبابها، فضلا عن كون هذا الرجل كان محارِبا للفاطميين بيقين وتحدّ كبيرين، فقد كان يرى قِتال الفاطميين(فرضا)، وكان يقول: (لو كان في يدي عشرة أسهم، كنت أرمي واحداً إلى الروم، وإلى هذا الطاغي تسعة)(2). وبعد أن استطاع حاكم دمشق التغلب على القرامطة أعداء الفاطميين، قام بالقبض على النابلسي – وكأنّ الرّجل رضي بأن يكون مع القرامطة- وأسره وحبسه في رمضان، وجعله في قفص خشب، ولما وصل قائد جيوش المعز إلى دمشق، سلّمه إليه حاكمها فحمله إلى مصر.

وجاء به جوهر إلى المعز لدين الله، فمثل بين يديه، فسأله: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم، وجب أن يَرمِي في الرُّوم سهماً، وفيناً تسعة. فقال النابلسي: ما قلت هكذا. ففرح القائد الفاطمي، وظن أن النابلسي سيرجع عن قوله. ثم سأله بعد برهة: فكيف قلت؟ قال النابلسي: قلت: إذا كان معه عشرة وجب أن يرميكم بتسعة، ويرمي العاشر فيكم أيضاً. فسأله المعز: ولم ذلك؟ فرد: لأنكم غيّرتم دين الأمّة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وإدّعيتم ما ليس لكم. (3)

فأمر المعز بإشهاره في أول يوم، ثم ضُرب في اليوم الثاني بالسياط ضربا شديدا مبرحا. وفي اليوم الثالث، أمر جزارا يهودياً – بعد رفض الجزارين المسلمين – بسلخه، فسُلخ من مفرق رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله ويصبر، حتى بلغ العضد، فرحمه السلاخ اليهودي وأخذته رقة عليه، فوكز السكين في موضع القلب فقضى عليه، وحُشي جلده تبناً، وصُلب على أبواب القاهرة. (4) وذكروا أن النابلسي قتل في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة من الهجرة.

رواية تدعو إلى الرّيب فيها، وكأنّ مختلقها دخل قلوب شخصياتها كقوله: ففرح القائد الفاطمي ( وأسأل ما الذي يمكن أن يُفْرِح قائدا مثل جوهر، إنكار رجل في مقالته، ولو كان انكارا صحيحا، وهو المعروف  بالتحريض على الفاطميين، وقبض عليه متلبّسا في مواجهتهم؟) وكيف يُعهد بتنفيذ ما قيل أنه حُكم من المعز على النابلسي إلى جزارين فيرفضون؟ أقصرت قدرة أدوات تنفيذ الأحكام عند الفاطميين حتى يعهدوها إلى رعاياهم؟ ثم لماذا قبِلها يهودي؟ أليس في هذا إيحاء خبيث، لإيهام القارئ بتطابق أصول الفاطميين مع دعوى أتباع أصحاب السقيفة، بأنّ هؤلاء الفاطميين والشيعة بصفة عامة عقيدة جاء بها يهودي، فيكون ذلك زيادة في تشويه صورتهم؟

ثم كيف يمكن لعاقل لم تأسره الروايات الخرافية بخيوط عناكب وهْمِها، أن يستوعب مدى صبر ابن النّابلسي، وذكْرُه في أثناء سلخ جلده؟ مع أن للإنسان عادة طاقة محدودة في التحمّل، إذا تجاوز حدودها أغمِيَ عليه، وفي الرواية حتى الإغماء أو اظهار الرجل مظهر ضعف استبعد منها، مع أنه قد قيل أنه ضرب بالسياط ضربا شديدا مبرّحا، زاد في وهن جلده، بما لا يمكن لشخص مهما أوتي من قوة تحمُّل، أن يُسلخ جلده بعد الأضرار التي خلفتها السياط عليه، وكيف ليهودي حاقد أن تأخذه الرّأفة برجل مسلم فيرحمه بالطعن، وهو مأمور بسلخه حيّا حسب الرواية؟ أفأمن اليهودي ردّة فعل الحاكم؟

بيت القصيد في هذه الرواية ردّ ابن النّابلسي على المُعِزّ: لأنكم غيّرتم دين الأمّة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وإدّعيتم ما ليس لكم. فما الذي تغيّر من دين الأمّة بنظره؟ ومن قُتِل من الصالحين زمن الفاطميين سواء كان في إفريقية أو في القاهرة، ولم يكونوا محاربين، أقول محاربين وليس معارضين للحكم الفاطمي، وما دخل هؤلاء في السياسة وهي ليست من شأنهم؟ كما سجّل عليهم تاريخهم ذلك، وعادة ما يكون موقعهم العيش تحت ظل السلطان، عادلا كان أم جائرا، سيّان في ولايتهم وصحة بيعتهم؟ وما الذي أطفئوه من نور التوحيد، حتى يظهر ابن النابلسي وحده دونهم موحّدا؟ أليس هو ممن يعتقد في التوحيد بالتشبيه والتجسيم والحركة، وهي عقيدة أشعرية تقول بتجسيم الذّات الإلهية، فينسبون لها الأعضاء والحركات ولكن كما قالوا بلا كيف عوض نفي تلك الصفات وتنزيه المولى عنها؟  وما الذي إدّعاهُ الفاطميون ما ليس لهم في نسبتهم للبيت النبويّ، وقد ايّدهم العلامة ابن خلدون وغيره في نسبتهم إلى الإمام علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت محمد عليهم الصلاة السلام دحضا غير قابل للطعن فيه؟

ولكي يستدرّوا عطف من وقع في شراك دعاياتهم الزائفة، قلبوا حقيقة الفاطميين رأسا على عقب، فأظهروهم مظهر الباطشين بمن خالفهم، وأنّ من هرب منهم كان من أجل سلامة دينه، فينجو من لعن الصحابة كما إدّعوا، ويتمكن من أداء صلوات التراويح والضحى بعيدا عن القاهرة، مع اعترافهم في كتبهم المعتمدة أنّ التراويح والضحى بدعة مبتدعة.

العجيب والغريب من هؤلاء الرواة كيف أمكن لهم أن يتعرّفوا على رقة اليهودي الذي سلخ النابلسي؟ وكيف قرر قتله قبل أن يكمل سلخه، وهل يمكن أن تتم عملية السلخ، دون أن ينزف المسلوخ، فيموت قبل أن ينتهي السلخ، وبأي كيفية مقيّدا أم مطلقا، ونحن نعلم أن جلد الإنسان هو غير جلد الحيوان، وكيف يصبر امرئ على عذاب مثله، دون أن يُغمى عليه أو يموت ألما؟ كما اختلفوا في كيفية سلخه مما يؤكّد وقوع التصرّف في الحادثة إن صحّت، فراو ذكر بأن السلخ بدأ من مفرق الرأس، والآخر قال أنه وضع وجهه وبُدأ بسلخه من رجليه.

أمّا ما قيل من أن جلده كان يقرأ القرآن، فمن صناعة الأفّاكين، الذين لا يستحون من الله ومن الناس، ليختمها ابن السعساع المصري، أنه رأى في النوم أبا بكر بن النابلسي بعدما صلب، وهو في أحسن هيئة، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال: حباني مالكي بدوام عز، وواعدني بقرب الإنتصار وقربني وأدناني إليه. وقال: أنعِم بعيش في جواري(5).

فإذا بها تَنزّلُ شياطين على صاحبها، فلم يكن هناك قرب انتصار على الفاطميين كما في الوعد، فقد استمر الحكم الفاطمي أزيد من قرنين ونصف من الزمن، قومٌ كلما كذبوا ازدادوا افتضاحا واهتراء دين، ذلك أن المؤمن لا يكذب، ومن كذب دخل في عداد حزب النفاق، نعوذ بالله من سوء العاقبة.

ومما لفقوه لابن النابلسي، قول معمر بن أحمد بن زياد الصوفي: أخبرني الثقة، أنه كان إماما في الحديث والفقه، صائم الدهر، كبير الصولة عند العامة والخاصة، ولما سُلخ كان يُسمع من جسده قراءة القرآن. ثتبيتا لأوهام نسجوها حول هذه الشخصية، لا علاقة لها بواقع الأمر فاقت الخيال في نسجها، وما ابن النابلسي سوى شخص عارض الفاطميين بدون عقل، وبالغ في الحقد عليهم، إلى الحد الذي جعله يحرّض عليهم في ظرف حساس، يواجهون فيه الروم بطريقة مستفزة ومثيرة للغضب، بل إنّه تورط في محاربتهم وأخذ أسيرا، إذًا كيف يرضى مسلم وهو يعيش تحت ظل دولة مسلمة، بتوجيه سهامه العشرة للفاطميين، وبأي منطق وأي دين سمح له بذلك التعبير المستفِزّ؟

قال أبو إسحاق الرقيق في تاريخه، هو رجل معروف بالعلم، وكان يفتي في المحافل باستحلال دم من أتى من المغرب، ويستفز الناس لقتالهم، يريد بني عبيد، قال: وكان أغلظ عليهم من القرامطة.

قال القاضي رضي الله تعالى عنه (وإنما سلك في هذا مسلك شيوخ القيروان، في خروجهم عليهم مع أبي يزيد، لاعتقادهم كفر بني عبيد قطعاً، وقالوا لأبي يزيد: أنت رجل من أهل القبلة، نقاتل بك من كفر بالله ورسوله) (6)، وكأنّ الفاطميين ليسوا من أهل القبلة، ألا تُعْسا لمن تعفّن عقله بتلبّس الأفّاكين.

غير أن القاضي عياض ذكر تفصيلا مخالفا، نافيا أن يكون ابن النابلسي قابل الخليفة الفاطمي عندما حُمِل اليه، وبقي خارجا ينتظر، وحاول أن يفدي نفسه بالمال فلم يفلح، وهو الذي تورّط في محاربة الفاطميين بعدما أُخِذَ أسيرا، فقد جاء في كتابه: فخرج أبو بكر النابلسي خائفا منهم من الرّملة إلى دمشق، فلما وصل قبض عليه بعض عظمائها، وحُمل إلى مصر مع ابنه، في جملة من الأسرى الذين قُبِضَ عليهم في الهزيمة، وكانوا نحو ثلاثمائة، فشُهّروا على الجمال، وأمر بضرب أعناقهم على النيل، ورمي جثثهم به، إلّا النابلسي، فإنّه أمر أن يسلخ من جلده، وقال (النابلسي): عرّف السلطان أني أفدي نفسي بخمسمائة ألف. فدخل جوهر ثم خرج فقال: اذهبوا به اسلخوه. فرمى بنفسه ثانية، فلطم شديدا، وحُمِل بهذا إلى المنظر فطُرِح على وجهه بالأرض، وجلس على صدره ووركيه، ومسك جدّا، وشقّ السلاخون عرقوبيه كما تنفخ الشاة، ثم سلخ، وهو في كل هذا يقرأ القرآن بصوت قوي وترتيل، إلى أن انتهى السلخ إلى كتفيه فتغاشى، ثم مات، فصلب جسده ناحية، ثم جلده بعد أن حُشي ناحية.

يبدو أن فريق التشنيع والدعاية ضدّ الفاطميين أوقع أفراده في ورطات الإختلاف في مروياتهم، وذكرهم لعملية قتل 300 ممن أُسِرُوا على ضفاف نهر النيل بقطع رؤوسهم ورمي جثثهم في النهر، وهي بحدّ ذاتها عمل شنيع استبعد تماما أن يقوم به المعزّ لدين الله، وإذا كان ذنب هؤلاء محاربة الدولة، فما ذنب الماء الذي هو أساس حياة الكائنات، حتى يقع تنجيسه بجثث القتلى؟ ومن كان نسله يعود إلى رجل لقّبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأبي تراب،  لبذي كان يحفر الآبار طواعية، لسبيل قوافل الحج والتجارة، واستصلاح الأراضي بالمياه، فهذا البيت الطاهر وما قدّم رجال وخدمات من أجل الإسلام، هم أقرب إدراكا بقيمة الماء وضرورتها للحياة، وهذا العمل المفسد في الأرض لم يُعْهَد من الفاطميين لكي نتّهمهم، بل هو من صنع الطواغيت وليس من صنع المصلحين، وما سندلّل عليه من أن العصر الفاطمي في مصر كان من أزهى العصور بشهادة أهل التاريخ في مصر وأدبائها المنصفين، أمّا أهل العصبية من قبيل معزى وان طاروا فلا شأن لنا بهم، وحججهم داحضة وعيشهم متوقف على الأوهام والتمنّي.

إنّ أعلى ما رًمِيَ به المعزّ الفاطمي في شأن ابن النابلسي، هو في أبلغ حالاته ما ارتكبه خلفاء بني امية وبني العباس من جرائم أفظع منها وبحق أشخاص، أرفع شأنا من ابن النابلسي، بل لا يجب مقارنته بهم، بدأ بجرائمهم في حق أبرار الصحابة كما ذكرت، ومنهم حجر بن عُدَيْ، وعمرو بن الحمق الخزاعي، الذين قتلهما معاوية صبرا، وكانا أول رأسين طيف بهما، ومع ذلك لا يزال أتباع هذا النهج يترضّون عليه، وهو في اعتقادهم كما ورثوه خال المؤمنين، وهكذا كان يرى الأيوبي، ويأمر عساكره بسؤال المارّة: من خالك؟ فاذا قال: معاوية فقد نجا من العقوبة التي تصل إلى القتل، وإن قال غير ذلك، كان مصيره الهلاك، وما ارتكبه ابنه الذي أورثه الحكم مكرا ودهاء، ولا هو ولا أبوه كانا أهلا لحكم المسلمين، ولا المقتلة الفظيعة بكربلاء سنة 61 هـ، وقتل سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام، ولا ما تلاها من سلسلة تقتيل وحشيّ، من تعذيب وقطع رؤوس وصلب أجساد، وإخراج ألسنة من قفاها، كما فعل المتوكل بعالم اللغة ابن السّكيت، عندما بلغه أنه يتشيع لعلي وأهل بيته، وكان مؤدّبا لولديه، فقال له: أولادي أحبّ إليك أم الحسن والحسين؟ هناك وجد ابن السّكّيت نفسه في مجلس مليء بالحضور، ولا يسعه فيه إلّا أن يقول لكمة حق أمام سلطان جائر، مبغض لعليّ وأهل بيته عليهم السلام، وقد سجّلها التاريخ بأحرف عز وفخار: والله لشِسْعُ نعل قُنْبُرٍ – مولى علي – عندي خير من ولديك) فأمر بسلّ لسانه من قفاه فمات. (7)

عندما قال هارون العباسي لابنه: الملك عقيم، ولو نازعتني الملك، لأخذت الذي فيه عيناك. (8) كان صادقا فيما صرّح به، ولو وقعت منازلة بينه وبين أقرب النّاس إليه، لأزاحهم من طريقه بالقتل، أو بأيّ طريقة تبدو له، وما جعفر البرمكي، ومن وراءه من البرامكة الذين خدموه بإخلاص، سوى دليل واضح على عقم الملك، خصوصا إذا كان بيد من لا يحجزه شيء عن اتباع هواه.

وأتساءل لماذا سكتوا عن معاوية بن أبي سفيان، وهو المجرم المؤسس فيما ارتُكب بعده من جرائم، بحق الإمام علي وابنه الحسن عليهما السلام وجِلّة الصحابة، بل لا يزال أتباع نهجه يترضّون عليه إلى اليوم، عندما يأتي ذكره في رواية، فكيف يستقيم دين هؤلاء، وقد خلطوا الصالحين بالمجرمين، والأتقياء بالفاسقين، فتراهم يترضّون على القاتل، ويتجاهلون حقّ المقتول، كأنّه ليس من الصحابة ولا حقّ له.

من كانت عنده حجّة فليظهرها، فإن هذا الزّمن هو زمن إظهار الحجج والبراهين، وسائله متاحة وأبوابها مفتّحة لأصحاب العلم والفكر والمنطق، لكل من أراد معرفة الحق، فيما وقع من أحداث تاريخية مسجّلة، بلا تهويل أو زيادة أو اختلاق، بلا تحامل أو هوى، متوخّيا طريق التّحقيق في تمييز صحيحها من سقيمها، كما جاء في مقالة ابن خلدون الشهيرة: التاريخ في ظاهره لا يزيد على الإخبار، وفي باطنه نظر وتحقيق.( المقدمة ابن خلدون )

فمن سلك طريق التوخّي في نقل الخبر، بعدم الإعتماد على آحاده لقربه من الإختلاق، نجا من فخاخ الوضّاعين وأحابيلهم، ومن اعتمد النظر والتحقيق في مراحل تثبيت الخبر أو نفيه، فقد ملك ناصية العلم بحقائق الأحداث التاريخية، وقدم لنفسه وللإنسانية ما يمكن أن ينفع الجميع.

في الأخير أيّا كان ابن النابلسي شخصية حقيقية أم وهميّة فهو ليس سوى صاحب فتنة صمّاء، ركبها وأركب معه عليها، من رأى فيه نسكا مصطنعا، وتقوى مزيفة، ودينا لعِقٌ على لسانه، ليظهر بين الناس مظهر العالم الورع، وهو في واقع الأمر مساعد للروم على الإيقاع بالفاطميين ولا غرابة في أن يكون على اتصال بهم، أخيرا أقول تسكتون على جريمة فظيعة كقتل الامام الحسين سيد شباب أهل الجنة عليه السلام، ولا ترون لقاتله أثر جريمة محسوبة، على أساس أن يزيد بن معاوية ولي أمركم، وتتصايحون على ابن النابلسي تأثّرا، وهو مجرد فتّان بين أوساط الأمّة زمن الفاطميين، فهلا تصايحتم استنكارا على جرائم الأمويين والعباسيين والعثمانيين، وهي لا تقل فظاعة عما حصل لابن النابلسي، أقول أخيرا: اعرفوا حقائق مخفية عن الدول المتلقبة بالإسلام وما جنوْهُ من جرائم فظيعة بحق المسلمين، ولا تنسوا ماذا فعل العثمانيون بخازوقهم في الناس شرقا وغربا، ثم بعد ذلك تحدّثوا عن الفاطميين والشيعة، وعاش من عرف قدره.

المصادر

1 – سير أعلام النبلاء الذهبي ج19ص149

2 – سير أعلام النبلاء الذهبي ج19ص149

3 – البداية والنهاية ابن كثير الدمشقي ج 11ص سنة365 هـ/

4 – تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر ج 28

5 – سير أعلام النبلاء الذهبي ج19ص149

6 – ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للإمام القاضي عياض الأندلسي المالكي ج2ص19

7 – بحار الأنوار ج 75 ص 344 الهامش

8 – عيون أخبار الرضا الشيخ الصدوق ج 2 ص85 بحار الأنوار المجلسي  ج48ص 121

9 – المقدمة ابن خلدون الفصل السابع والعشرون

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023