مباركة البراهمي: دوائر الاستعمار تقايض المساعدات بالتطبيع..ولن ترضخ تونس والجزائر لمخططاتهم

مباركة البراهمي: دوائر الاستعمار تقايض المساعدات بالتطبيع..ولن ترضخ تونس والجزائر لمخططاتهم

بقدر ما تحولت القضية الفلسطينية عند بعض حكام العرب المنبطحين امام العدو الصهيوني، والمهرولين للتطبيع الى قضية تجارية، بقدر ما كان ولا يزال هناك تمسكًا ووفاءً للقضية المركزية “فلسطين” عند الشعوب العربية الرافضة لمثل هكذا اتفاقيات فيها الذل…

 

في ظل هذه الاجواء تبرز مواقف بعض رؤساء الدول منددة بالتطبيع كتونس والجزائر، رغم ان عين العدو أصبحت بشكل واضح على هذين البلدين، عن ملفات التطبيع، وموقف الحكومة التونسية سابقًا وحاليًا من القضية الفلسطينية، كان لنا هذا الحوار مع *النائب التونسية السابقة مباركة الابراهيمي* :

 

بنى قيس سعيد حملته الانتخابية على شعار “التطبيع خيانة”، البعض اعتبر هذا الموقف استبعاد تونس عن الانخراط في موجة التطبيع، وبالتالي هو يعني القفز عن الجدار الذي حاول نظام بن علي ان يبنيه مع الاحتلال إبان حكمه، تقول النائب مباركة الابراهيمي:”اعتقد ان ترويض الشارع التونسي لقبول التطبيع مع العدوّ الصهيوني امر شديد الصعوبة.. *والتونسيون بالذات من اشد الشعوب العربية شراسة في هذه المسألة* .. وانتم تعلمون ان فلسطين كانت حاضرة في وجدان الشعب التونسي منذ بدايات الاحتلال الصهيوني.. وان التونسيين قد ساروا فرادى ورُكبانا للإنخراط في مواجهة الاحتلال الصهيوني.. وقد استشهد العشرات في فلسطين المحتلة وفي لبنان أيضا..

ما ميّز التونسيون ولازال الى اليوم هو الوعي الواضح تجاه الاحتلال، رغم انغماس اغلب الدول العربية في مستنقع التطبيع.

اما اليوم فإن تونس – النظام الرسمي – في وضع حرِجٍ جدا.. بين رئيس للدولة رفع ولازال يرفع شعار: التطبيع خيانة عظمى، وبين أغلبية برلمانية أقصى غايتها ان ترضى عنها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فقط لتبقى في الحكم مع استعداد تام لتنفيذ كل المشاريع المعادية للأمة كما فعلت جماعات الأخوان المسلمين بالوطن العربي، وفي علاقتها بالحرب الكونية على الدولة السورية وشبكات تأمين سفر المرتزقة الإرهابيين نحوها.

 

المؤسف ان الدستور التونسي الجديد( 2014) الذي أشرفت على وضعه الاغلبية الإخوانية بالبرلمان قد قلّصت صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حدّ بعيد جدا.. مما يجعله ربما – غير قادر – بحكم الدستور على كبح جماح أيّ محاولة للزج بتونس في هذا المستنقع” وتتابع قائلة: “في فترة حكم بن علي كان المشروع التطبيعي قد انطلق.. ولكن ليس بهذه الشراسة التي يقودها اليوم حكام السعودية والإمارات والبحرين.. كان بن علي يروّج لكون فلسطين هي قضيته المركزية والشخصية أيضا.. ولكن كان هناك تبادل للمكاتب السرية بين النظامين..

كان مكتب “المصالح الإسرائيلية بتونس” يشتغل في أحد طوابق فندق الهيلتون بالعاصمة وبالمقابل فقد كان خميس الجهيناوي وزير الخارجية السابق يرأس مكتبا للعلاقات الديبلوماسيّة في تل أبيب..

*كان بن علي رغم قبضته الحديدية لا يستطيع أن يعلن على هذا التنسيق المتبادل لانه يعرف قيمة فلسطين في ضمير التونسيين* ..

*اما اليوم فإن الغرب الاستعماري والدوائر المالية العالمية وأدواتهما الحاكمة تخوض حربا شرسة على الشعب التونسي*، على أمنه وغذائه وصحّته ومستقبل أبنائه.. حرب على وجوده.. حتى استحالت تونس الخضراء الى مصبّ لنفايات الغرب الاستعماري.. وأصبحت شريحة واسعة من التونسيين تقتاتُ من المزابل.

تونس التي كانت مطمورة روما منذ قرون.. يقترب شعبها من الجوع شيئًا فشيئًا.

وكل هذا ليس مصادفة، وليس مصادفة ان يحتضن الغرب الاستعماري هذه العصابات الحاكمة التي اغرقت البلد بالديون وسيأتون إلينا.. عارضين إنقاذنا وضخّ المساعدات مقابل التطبيع.. وسيقبل هذا التحالف الإخواني المافيوزي بحجة “إنقاذ الوطن”.. *وسينتفضُ التونسيون-أحباب فلسطين- وستعُجُّ السجون بالمعتقلين.. وقد يسيل دمٌ جديد في مواجهة نظام وكلاء الاستعمار والصهيونية* “.

 

وهنا يطرح السؤال عن فشل محاولات التطبيع التي حاولت وتحاول النخب في تونس الترويج لها أمام قوة الشارع، وبالتالي هذا الترابط الكبير بين شعوب دول المغرب العربي سيشكل حملات مضادة وقوية امام اي محاولة نحو التطبيع، تقول النائب مباركة الابراهيمي:”اعتقد ان “النخب” التي تحاول خلق حركة تطبيعية مع العدوّ لا تتحرك دون إشارةٍ خضراء من السلطة في بلادنا. وقد *كنا خلال فترتنا النيابية قد قدمنا مع مجموعة من النواب مشروع قانون يُجرّمُ التطبيع مع العدوّ الصهيوني بأي شكل من الأشكال وفي كل المجالات والأنشطة بلا استثناء* …

لم ندع في هذا القانون الى نصب المشانق لاحد ولا لعقوبات قاسية، إنما ركزنا على اعتباره كيانا عنصريّا و عدوّا غاصبا مستحضرين جرائمه المستمرّة، وإحداها جريمة قصف مقر منظمة التحرير الفلسطينية بمدينة “حمام الشط” سنة 1985 حيث امتزج الدم الفلسطيني بالدم التونسي.

وبينما نحن ندافع عن مشروعنا داخل البرلمان، وبينما آلاف المواطنين يقفون أمام البرلمان هاتفين بتجريم التطبيع.. كانت حركة لوبيات التطبيع في البلد على اشُدّها وكانت الضغوطات الخارجية المراهنة على فساد عصابات الحكم على اشُدّها أيضا..

*فخنقوا المشروع وحفظوه وسط الأدراج حتى لا تسقطه أغلبيتهم البرلمانية فيفتضح أمرهم أكثر فأكثر أمام الشعب.*

كل “النخب” التي زارت كيان الإحتلال او تواصلوا معها بأيّ شكل من الأشكال لا تستطيع أمام التونسيين ان تعلن عن فعلها وحركتها.. لأنها مقتنعة انها عملٌ خيانيّ”.

 

انطلاقًا من هذا الكلام نتحدث عن مساعي بعض الانظمة العربية” المطبعة” لتقويض الاستقرار السياسي والامني في تونس، وكانت هناك محاولات لدعم قوى الثورة المضادة ووجوه النظام السابق لاعادتهم الى السلطة، فهل يأتي هذا في سياق الخطة المتصلة بتوسيع حاضنة التطبيع وكيف لتونس ان تتجاوز هذه التحديات؟ ترى النائب الابراهيمي: “تونس اليوم مثل كل الدول العربية، سيادتها في الحضيض والإختراق لها يحصل من كل الدول التي لها أعوانها وادواتها الحزبية والجمعياتية والفكرية والثقافية.

*دول الخليج اليوم وخاصة الإمارات ترعى اعوان النظام وتعمل على تبييض صفحاتهم من أجل إعادتهم للمشهد السياسي، والإنقضاض على الحُكم في مرحلة قادمة*

أما تركيا وقطر رائدتا التطبيع بالمنطقة تدعمان جماعات الإخوان المسلمين الذين أسقطوا مشروع الفصل 27 لتجريم التطبيع إبّان كتابة الدستور وأسقطوا مشروع قانون يجرّم التطبيع مع العدوّ في المرحلة التي تلَتْ كتابة الدستور.

فلا اعوان النظام القديم ولا حركة النهضة الإخوانية والاحزاب التي تدور في فلكيهما تطرح على نفسها مقاومة التطبيع مع العدوّ ولا نشر فكر المقاومة وثقافتها.

لان فاقد الشيء لا يعطيه.. ومن يفرّط في سيادته الوطنية وتُصاغ له سياسات دولته في الخارج، ومن تُضبطُ له موازنة دولته عن طريق خبراء اقتصاد من الاتحاد الأوروبي وموظفين من البنك… كل هؤلاء الذين يتحركون بالإملاءات الخارجية.. لا ننتظر منهم مشاركة في معارك الشرف والمقاومة ولو بالكلمة.

الذين كانوا جزءًا من نظام الفساد والاستبداد.. والذين لا يزالون جزءًا من منظومة المافيات والارهاب والتهريب.. معاول الهدم لتخريب أوطانهم… فهل تعني فلسطين لهؤلاء شيئا؟!

فلسطين في قلوب الأحرار..في هِمّة الشباب في مُهجهم.. في نبضات قلوبهم.. وفي قبضات سواعدهم..

هنا في تونس.. لا تغيب فلسطين في جميع التحركات الشبابية والاحتجاجات الاجتماعية، في التظاهرات الثقافية والرياضية.. حيثما كان هناك غضبةحضرت فلسطين، وحيثما كان هناك فرح، حضرت فلسطين.

 

*رغم كل محاولات توجيه الوعي الشبابي والوطني.. فإن فلسطين عصية على النسيان* ”

في بلد المليون ونصف مليون شهيد قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إن بلاده لن تشارك أو تبارك اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع” اسرائيل” في معرض تعليقه على اتفاقيتي الامارات والبحرين مع العدو، فهل يعكس هذا تماسك الموقف الوطني من القضية الفلسطينية على المستويين الرسمي والشعبي الجزائري، ترى النائب الابراهيمي:” *الوعي لدى شعوب منطقة المغرب العربي متقدم جدا عنه في الخليج* .. إذ لا زالت تجربة مقاومة الاحتلال الفرنسي الغاشم تُلقي بظلالها على ذهنية شعوب المنطقة التي ترفض اي عدوان او ضيمٍ يُسلّط على الإنسانية.. وقد كانت الجزائر دائما في طليعة الدول التي تسْندُ حقوق الشعب الفلسطيني بما توفر لها من فُرَصٍ في الموقف السياسي او الدعم بما أُتيحَ لها.

 

اليوم مثلًا موقف الرئيس عبد المجيد تبون هو موقف النظام الجزائري الذي يقف بوضوح إلى جانب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني حين رفض الانخراط في جوقة التطبيع والتسويات المُذلّة.. *وبذلك تكون منطقة المغرب العربي بدولتيها الهامتين تونس والجزائر قد رسمتا خط تباين واضح مع المشروع التصفوي الذي يستهدف القضية الفلسطينية والذي تتصدر ممتلكات النفط اليوم قيادته نيابة عن العدو.* . وسخرت لذلك الأموال الطائلة والإعلام والاقلام المأجورة.

بلا شك.. ستتعرض الجزائر للضغط الكبير وقد يستهدفون استقرارها الأمني عبر عملائهم النشيطين في الداخل والخارج..

لكن.. *صوت الشعوب الحرة دائمًا هو الاقوى* “.

رغم هذا الموقف تعيش الجزائر كغيرها من دول الجوار محاولات حثيثة يقودها الاحتلال او الدول الراعية له لفرض سياسة الامر الواقع، ومنذ عهد بوتفليقة وحتى الامس القريب كان هناك رسائل جزائرية في اكثر من اتجاه في مسار التطبيع، فهل هناك من ضغوط على الجزائر لتمرير التطبيع؟ تجيب النائب مباركة الابراهيمي:” لم تكن الجزائر يومًا في منأى من التدخّل الخارجي للاحتلال عبر أعوانه الذين تخترق بهم المؤسّسات السيادية للدولة. وقد مرت الجزائر بظروف أمنية صعبة في العشرية الماضية ( التسعينات) لما عاشت موجة من التكفير والعنف والإرهاب في محاولة لإضعاف مؤسسات الدولة، وشلِّها وتسهيل الانقضاض عليها من طرف قوى الهيمنة الكبرى، *لان الاستعمار يعرف انه لا يستطيع أن يفرض خياراته على دولة قويّةٍ* ..

فحاولوا ان يفرضوا شقوقا في الجيش وفي الحكومة خاصة في فترة الرئيس بوتفليقة رحمه الله.. وحاولوا تأجيج الشارع وخلق الاضطرابات، الا ان وصول الرئيس عبد المجيد الى الرئاسة أعاد للجزائريين الثقة بوطنهم وبدولتهم بل بقضاياهم العربية والإسلامية والإنسانية خاصة لما أكد ان الجزائر لن تكون أبدًا محطة في قطار التطبيع المُخزي وان فلسطين لن تكون الا لأهلها”.

انتعاش مسار التطبيع بملامحه الجديدة هو انعكاس مباشر للوضع السياسي المتغير في المنطقة، حول وجود الفرص لخلق مسارات جديدة وقنوات تسمح بتنفيذ مخطط التطبيع الشامل بإنتظار تصفية القضية الام ام ان التطبيع لن يجد صداه في المغرب العربي؟ تقول النائب الابراهيمي:”اليوم انطلقت مسيرة التطبيع بشكل علني وصفيق اكثر من البدايات الأولى التي قادها أنور السادات والحسين بن طلال وياسر عرفات، وقتها تصدّى لهم بعضٌ من النظام الرسمي العربي.. وقطعت بعض الانظمة العربية علاقاتها مع مصر، وتم تغيير مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس وأصبح المرحوم الشاذلي القليبي أمينا عامّا لها.. ونزلت الجماهير العربية تنديدا بالتطبيع.. كما خاضت الاحزاب الوطنية والقومية التقدمية حراكا كبيرا رفضا واستنكارا لاتفاقيات الذل والتفريط.

اما اليوم، *فإن اغلب القيادات الرسمية العربية أصبحت تتلهّف على دورها في التطبيع متى يأتي*، واصبحت موعودة بالحماية من شعوبها كلما سارعت في وتيرة التطبيع.

 

اليوم يشهد مسار التطبيع انتعاشًا كبيرا بعد أن نجح الاستعمار والصهيونية في إضعاف الدول الوطنية وألحق سيادتها الوطنية بإحدى مكاتب مؤسساته الأمنية، بعد أن فرطت الانظمة العربية في قرارها الوطني السيادية وأصبحت رهينة للاملاءات الأجنبية وللدوائر المالية العالمية.

ورغم كل هذه الخيبات والإنكسارات، فإن شعوب منطقة المغرب العربي لا تزال متمسكة بخيارات مقاومة التطبيع بجميع اشكاله ولا تزال تعتبر الكيان الصهيوني كيانا عدوّا يجب أن يزول.

لقد مرّ على مصر – مثلا- أربعة عقود على اتفاقية السلام، الا ان الشعب المصري لم يطبّع ولم يؤمن بالسلام مع عدوّ غاصب.

 

ان الشعوب العربية مهما نُكبت ومهما عاشت الحرمان من أهم مقومات حياتها اليومية.. الا انها لا تزال تعتبر أنّ الدفاع عن فلسطين هو جزء من الدفاع عن كرامتها، وما الحرب الاقتصادية التي تُمارس على شعوب المنطقة عير أدوات سياسية تابعة ليس سوى محاولات للإذلال.. وظهور مشروع التطبيع بمظهر المُنقذ من الضعف والوهن الاقتصادي والاجتماعي مثلما بشّروا بذلك في دولة السودان.

ومثلما دعموا بعض الأفراد للتبشير بالتطبيع، فإن حركة المقاومة لا تزال مزدهرة هنا بمنطقة المغرب العربي خاصة بوجود قيادتين هامتين كقيس سعيد وعبد المجيد تبون اعلنتا عن رفضهما لأي شكل من أشكال التطبيع”.

 

عن  منارة القلم المقاوم- وردة سعد

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023