متى سيعرف الحوزويون القيمة الحضارية والعقلانية للنصيريين والمتصوفة والإسماعيلية؟!

متى سيعرف الحوزويون القيمة الحضارية والعقلانية للنصيريين والمتصوفة والإسماعيلية؟!

بقلم: د. نعمان المغربي (باحث في الإسلاميات تونس)

        نلاحظ إلى حد الآن أن ممثلي الحوزة العلمية للإثني عشريين ذات التزام جيد بعدم تكفير أهل السنة، والمحافظة على نزعة التضامن الإسلامي، في مواجهة الإمبريالية والصهيونية. ولكن من سوء الحظ، مازلنا نلاحظ من بعضهم تكفيرا للمتصوفة و النصيرية والإسماعيلية، أو ما يشبه ذلك، من حين إلى آخر…

    ففي برنامج بقناة الكوثر مساء الخامس والعشرين من ديسمبر 2021 عن «السفراء الأربعة»، صرح الشيخ هادي الغروي والأستاذ كمال السيد أن «الحلاج ومحمدا بن نصير ادعيا السفارة» وأن «الحلاج أطرد من قم بسبب ذلك» وأنهما «لعنا»… دون أن يعلقا أو يعيدا القراءة في الخبر. وفي ذلك تكفير غير معلن للمتصوفة والنصيرية.

فلا بد من إعادة قراءة وحدوية وحضارية وتعقلية_تفهمية للتصوف و النصيرية والإسماعيلية…

    فقد كان الحلاج سفيرا بالمعنى الأنطولوجي، لا بالمعنى الاعتيادي… فهو حامل للقيم المهدوية المدافعة عن المستضعفين والوحدة الإنسانية والعدل والعقل، ليكون سفيرا لتلك القيم وممثلا لها في الهند وآسيا الوسطى والعراق وإيران. وقد كان في كتلة تاريخية مع دولة القرامطة، دولة العدالة الاجتماعية وثورة المستضعفين المفقرين على المستكبرين المترفين، وقد زوج ابنته من أحد قادتهم. وكان يناضل ضد تخلي الإثني عشرية عن النضال السياسي والاجتماعي بعد صدمة أكثريتها بغيبة الإمام الأخير… وذلك من سوء الحظ ما حصل إجمالا حتى ظهور روح الله الموسوي. وقد عرف الفيلسوف نصير الدين الطوسي للإسماعيلية بما هي الجناح الثوري العسكري والفكري للإثني عشرية، فخصص جزءا كبيرا من حياته للدراسة عندهم في قلاع أَلَمُوت المحاصرة لعقود طويلة من المغول…

    ولقد كان محمد بن نصير كذلك، مثل الحسين بن منصور الحلاج. وقد طاردته السلطات الدكتاتورية في كل مكان، باحثة عن إعدامه مثل ما فعلت مع الحلاج. فالتجأ إلى المهمشين في جبال اللاذقية المنيعة ببلاد الشام، وكان بعضهم مازال مسيحيا، فأسلموا إسلام أبي ذر وإسلام عقل سلمان. وقد حافظ محمد بن نصير وأتباعه على التراث العقلاني للحكيم المسلم الكبير الذي همشه التأريخ المعرفي للسلطة: الإمام جعفر الصادق. فلولاه ولولاهم ما كنا لنحصل اليوم على كتب جعفر الصادق الضائعة مثل كتاب «الصراط» و«تفسيره للقرآن الكريم »

     إن النصيريين في سوريا في العصر الحديث في مقدمة المدافعين عن الوحدة الوطنية والعربية والإسلامية… فلماذا نخسرهم بهذه المداخلات «الغبية»، اللامزة ضمنًا بالكفرية والطرد…؟!

     ولقد كان المتصوفة في مقدمة الدفاع عن سيادة الأمة ضد الاحتلال الغربي (عبد القادر الجزائري، الإمام شاميل، عمر المختار، عبد الكريم الخطابي …) . وكانوا في مقدمة المدافعين عن وحدة الأمة ومقارعة التكفير السلفي الوهابي في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين (الشيخ محمد علي كيوَة،   الشيخ محمد فريد الباجي…)، وأظهروا تسامحية مدهشة تجاه المذاهب الإسلامية جميعا…

    يجب على الحوزة العلمية، أن تكون عقلانية ذات استراتيجيا حضارية، وحدوية، إنسانية، مثل مؤسسها: الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)… ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾…

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023