مجتمعات السجون: بين الاكتظاظ والانحراف…بقلم مروى الباشا

مجتمعات السجون: بين الاكتظاظ والانحراف…بقلم مروى الباشا

إن مشكلة إزدحام السجون أصبحت تنتج ظواهر سلبية على السجناء وأهاليهم ومستقبلهم، وفتحت هذه القضية لمناقشة واقع السجون التونسية وهل تقوم بدورها كمراكز إصلاح وتأهيل أم أنها مصنع للانحراف ومكان لحجز الحرية، وعزل السجين عن المجتمع إلى حين والإكتفاء بذلك كأسلوب لردع المخطئ كي لا يكرر خطأه خشية العودة إلى السجن ثانية .

الإكتظاظ

يعتبر مستوى الإكتظاظ أحد أكبر المشاكل في عديد من  الأنظمة القضائية، والأمر يكون أكثر سوءا بالنسبة للسجناء الموقوفين. ويمكن إن يتخذ عدة أشكال ففي بعض الحالات قد يعني ذلك أن الزنزانات التي شيدت لشخص واحد تستعمل ليشملها عدة سجناء وفي أسوء الحالات، قد يعني ذلك بلوغ ثلاثون أو أربعون شخصا في زنزانات لا تزيد مساحتها على ثمانية أمتار مربعة، وفي ظروف أخرى قد يتعلق الأمر بمائة شخص في غرفة أكبر.

مجتمعات السجون

من الواضح أن مجتمعات السجون، تضم في ثناياها أنواعا مختلفة من المجرمين وربما يكون بعضهم مظلوما، ولكن أكثرهم يمثلون ضحايا لسوء تقدير، أو لظروف إقتصادية أو إجتماعية أو لضغوطات نفسية أودت بهم إلى ارتكاب جريمة ما وإدخالهم السجن .وبالتالي فمجتمع السجون مجتمع خطر بسبب قدرته على تحويل الشخص (العادي) إلى شخص يتعايش مع مختلف المجرمين وجرائمهم المتنوعة، ويصبح الأمر بالنسبة إليه مألوفا وقابلا للتقليد والتطوير بسبب( الخبرات ) التي عايشها. وما يجب علينا فعله مراجعة برامج الإصلاح  التي لابد أن تكون حاضرة في فترة السجن، وكيف يمكن أن تحول (المجرم المدان) إلى مواطن قابل للتعايش مع المجتمع مستقبلا، وهذه البرامج فى وطني مازالت قاصرة عن بلوغ هذا الهدف بسبب نسبة تكرار الجرائم من قبل السجناء المفرج عنهم، وهذه الظاهرة تعكس الوجه الأول للمأساة لعدة أسباب منها عدم توفير الدولة لفرص عمل لهم ولو ضمن شروط خاصة، بالتالي يصبح هذا الانسان عاطلا عن العمل، ومرفوضا إجتماعيا، وغير قادر على العيش بمستوى الحد الأدني من الكرامة الإنسانية وعندئذ لا يجد خيارات كثيرة أمامه سوى الإنتقام من المجتمع بالعودة ثانية إلى عالم الجريمة .

الآلاف في السجون يقضون مدة محكومياتهم وبعضهم تم توقيفه بشكل مؤقت، والآلاف  أيضا ينتظرون دورهم. وما بدلوا تبديلا.

تمت توسعة بعض السجون وبناء سجون جديدة ضمن مواصفات مختلفة، والمتوقع أن يزداد عدد النزلاء في السجون، يوما بعد يوم، لأن الجرائم في ازدياد ولأن الحياة اختلفت فبات هنالك نصب وإحتيال وعجز من آداء الحقوق.

اذا بقي الحال على ما هو عليه، فسننظر كل أساس العقوبات وإرسال المحكوم إلى السجن وهي معالجات مؤقتة، لن تؤدى إلى تغيير الأحوال لأن كثرة دخول السجون بتهم عادية، أو جرائم أخرى، ولمستوايات أسوأ من الإنحراف في حالات كثيرة .

معنى ذلك أن مواجهة الجرائم والأخطاء يجب أن لا تقف عند حدود السجن والعقاب. البلد بحاجة إلى تنظيف الشوك من بيدر القطن فيه، ولا يمكن هذا الا بإعادة مراجعة كل شيء على مستوى الخطاب التعليمي والديني والإجتماعي.

ظروف الناس صعبة جدا في ظل هذه الأزمة الإقتصادية الي انبثقت وتمادت كالورم الخبيث داخل الجسم جراء تتالي الحكومات التي أثقلت كاهل المواطن بسبب الإرتفاع المتتالى لأبسط المواد الأساسية التي كان ضحيتها العديد من الذين وراء القضبان وهي بيئة مناسبة لتوليد المجرمين أو الذين يقعون عنوة في الحاجة أو الخطأ، وهذه الظروف بحاجة إلى تغيير جذري أو الذين يقعون عنوة فى الحاجة أو الخطأ، وهذه الظروف بحاجة إلى تغيير جذري على كل المستويات الإجتماعية والإقتصادية من أجل وقف تدفق سجناء جدد، ومشاريع سجناء.

في هذا الملف بالذات كمن يعالج الطفح على الجلد يمنح المريض كريما خاصا للمعالجة وقد يزول الطفح مؤقتا، غير أن الحمى في البطن مازالت مشتعلة دون معالجة جذرية، وعلى هذا فإن الطفح سيعود وسيزداد عدد ضحاياه .

سجون جديدة والتي تمت المصادقة عليها في نوفمبر من السنة الفارطة من طرف مجلس نواب الشعب، يبرز لنا أن ظاهرة اكتظاظ السجون أصبحت لافتة للانتباه أكثر وأن البيئة باتت  جافة ومقرفة فتنبت حنظلا كل يوم بسجناء جدد لنصل إلى مرحلة يصبح فيها بناء السجون من ضمن خطط التنمية المقبلة في بلد يدعي الديمقراطية.

هنا نأخذ مثالا من الواقع، البناء قبل أن يبدأ في بناء الحائط يوفر المناخ المناسب من تسوية الأرضية وبناء القاعدة بأدوات مختلفة ليضمن حائطا سليما وبغير ذلك سينجر عنه حائط غير قابل للصمود لمئات السنين وقابل للبناء فوقه سقفا فوق سقف غير قابل للانهيار  لأجيال وأجيال .

العفو فاتحة خير على مجتمع السجون

للأسف ارتبط الوضع الإقتصادي بارتفاع نسبة الجريمة من خلال ضعف الدخل وعدم قدرة هذا المطلوب أمنيا أو حتي الموقوف والمحكوم على سداد دينه من بعض البنوك والأفراد والمؤسسات التي استغلت حاجتهم الانسانية من أجل سد قوت صغارهم وبهذا نخلص إلى أن مجتمع السجون يضم درجات كما سبق وذكرنا من المتهمين ويظل العفو فاتحة خير باتجاه تماسك الشعب مع الحكومة لأنه يساهم في بناء حياة جديدة لبعض من المسجونين ظلما . وأن هؤلاء الماكثين في بيوتهم خوفا من الخروج للعمل المطلوبين في قضايا بسيطة لا تعد جرما كقضايا الأراضي . لذا وجب على الدولة فتح صفحة جديدة مع أولائك القابعين في زنازينهم حتي يتحرروا من ظلم الحياة ويساهموا في بناء البلاد. وإن موسم العفو العام الذي تنتظره آلاف العائلات التونسية بفارغ الصبر يجب أن يستثني رموز قضايا الإرهاب والجرائم التي تشكل خطرا على أمن المجتمع، والمفسدين سارقي أموال الشعب والذين استغلوا مناصبهم للنهب والسلب لذا فإن من بيدها هذا العفو عليها أن تتجرد من كل نوايا الرشوة  وما اكثر المرتشين في وطني لإعطاء الفاسدين فرصة أخرى للعبث أكثر بالبلاد فالعدو العام إن كان نزيها في اختياره للقائمة التي ستحظى به سيحقق عدة عوامل من بينها حرية الموقوفين والسجناء والمظلومين وأهاليهم من الخوف المستمر من دوائر التنفيذ القضائي من طرق بيوتهم للسؤال عن رب العائلة أو أحد أفرادها الذي ربما يكون هو المعيل الوحيد لها، لهذا فإن هذا الطلب أصبح يشكل عنصرا أساسية من عناصر الإحتقان والتخفيف عن كاهل الأسرة التي عانت من ما ارتكبه رب الأسرة ليس حبا لمخالفة القانون وإنما لسوء الحالة .

برامج الإصلاح والتأهيل في السجون

بالرغم من أن العفو العام يعد بادرة خير على نزلاء السجون، إلا أن إصلاح السجون أهم بكثير منه لذا وجب على كل من إدارة السجون والإصلاح ووزارة العدل إعادة النظر في نقاط الإصلاح التالية إذا كانت تسعي للحد من نسبة الجريمة وخروج المتهم من إنسان مجرم الى فرد فاعل في المجتمع . وهنا أبرز النقاط الإصلاحية الواجب تفعيلها :

– أولا : وأهم شيء هو الفصل بين فئات السجناء داخل الزنزانة الواحدة وتقسيمه حسب درجة الجريمة بمعني أدق، أصحاب القضايا كمشاكل الأراضي والديون في زنزانة واحدة بينما يكون أصحاب الجرائم الخطيرة مثل الإرهاب، القتل، في زنزانات أخرى وتغيير العمل بأن السجناء السياسيين هم من يتمتعون بهذا التقسيم .

– ثانيا: توفير حراسة فردية لكل زنزانة 24/24 لمراقبة الأشخاص بعينهم من من يكونون ضحية إغتصاب من سياسة الأكثر قوة داخل ذلك القفص أيضا هنالك من يقدم على الإنتحار الخ…

– ثالثا: توفير فريق طبي دائم 24/24 يسهر على صحة السجين وخاصة منهم ذوى الأمراض المزمنة والذين هم أكثر عرضة لتدهور حالاتهم. الى جانب توفير أخصائي تغذية بالمطبخ وإعطائهم نظاما غذائيا خاصا .

– رابعا: توفير هيئة تقوم بمراقبة نظافة السجن مرة فى الأسبوع، لتفادي الأمراض التي أصبحت منتشرة وبقوة في هذا الوسط من أبرزها الجرب .

– خامسا: يجب إختيار العملة داخل محيط السجون حسب معايير حازمة.

– سادسا: توفير دورات تكوينية للعاملين في السجن من المدير الى حارس البوابة، يعني كل فرد مسؤول من عامل النظافة الى المدير يخوض هذه الدورة ليتمكن من التعامل والتواصل السليم مع السجين

– سابعا: توفير أنشطة ثقافية غير الرياضة والمطالعة  كالسهرات الفنية كي لا تتأزم نفسية أصحاب “الربطية” طويلة المدى ويمل ويمكن في بعض الحالات أن تتسبب نفس العوامل التي يعيشها في التفكير في الانتحار .

– ثامنا: تطوير وتوسيع  وحدات التكوين ليصبح لنزلاء هذا القفص، ذوى الأحكام طويلة المدى موطن شغل وأن يكون له راتب شهري بسيط لقضاء حاجاته من سجائر واكل.

– تاسعا: وجب الآن اعادة النظر في مسألة شراء تذاكر حاجيات السجين من طرف أهله  والتي حددت بمائة دينار كحد أقصى في الأسبوع دون الأخذ بعين الإعتبار للذين غيرت إدارة السجون مكان إقامتهم على سبيل المثال من السجن المدني بحربوب إلى السجن المدني بقبلي وهنا يكمن الإشكال عند الكثير من السجناء وأهاليهم وبالتالي عدم تمكنهم من زيارته الا مرة في الشهر لا كل أسبوع لذا وجب من إدارة السجن إعطاء الحرية لعوائل السجين في شراء تذاكر الاكل بالمبلغ الذي يريده.

– عاشرا: يجب توفير مكالمة هاتفية لمدة ساعة كاملة من محمول السجين وعلى حسابه لأهله للإطمئنان عليهم وكذلك معرفته بمحيطه الخارجي.

الحل الأخير والأهم من كل ما سبق هو  تغيير أحكام المتهمين بخطية مالية عِوَض السجن إلى جانب توفير مواطن شغل لخريجي السجون حتى لا يجد السجين نفسه مقصيا من المجتمع، وبالتالي يجد مورد رزقه ولا يضطر الى الانتقام من مجتمعه ويجد نفسه من جديد في محيط الجريمة،  هذا المطلب حتي وإن كان بالنسبة لمن يديرون دواليب الدولة صعب، إلا أن المعادلة نفسها عِوَض بناء السجون يجب بناء المصانع .

يبقى الأشكال المطروح هو : هل يأتي يوم يهدم فيه السجون ؟؟؟ والسؤال بين يدي من يتذكر أن الحل يجب أن يكون جذريا بإرادة مراجعة ظروف الناس والبيئة التي تنتج هكذا حالات تزداد يوما بعد يوم، لأن السجون لم تنجح في خفض مستوى الجريمة، العفو حق غير أن الحق الأكبر هو في منع وقوع الخطأ والجريمة .

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023