مجزرة سبايكر..عندما يبلغ الحقد الطائفي مداه…بقلم محمد الرصافي المقداد

مجزرة سبايكر..عندما يبلغ الحقد الطائفي مداه…بقلم محمد الرصافي المقداد

من لا يعرف ما حدث على أرض العراق  – وهي أرض كُرُباتٍ ومِحَنٍ وبلوى على مرّ التّاريخ – في مشهد كارثي بتاريخ 12 /6/2014، وفاتته أحداثه الدرامية المحزنة، فاق في بشاعته ما كان يقترفه الطغاة بحق شعوبهم، عليه أن يعود أدراجه ليفتح ملفّه المليء بالحقد الطائفي، مشحونا بنوازع التشفّي الأعمى الذي لا مبرّر له، والقتل على الهوية الدينية، ليكتشف زيف الدعوى المتكررة، التي أطلقتها عصابات الفكر الوهابي، من أنّها صاحبة راية الإسلام والدّعوة إليه، بكل الطّرق التي استنبطتْها بعقلية تراثية متحجّرة كشواهد تاريخية، لإسلام هجين مزيّف، لا يحمل شيئا من أدبيّاته المؤسّسة على الحكمة والرّحمة، وقد وقع في شراك زيف فكرها من وقع، اعتقادا منه بأن هؤلاء ينتمون لأهل السنة، والسنة النبوية وآدابها منهم براء.

ليس من شأننا أن نعود لنستدلّ على الشواهد التاريخية القديمة، فهي أشهر من أن تُذكر يكفي أن نقول أنه كان هناك حجّاج ثقفيّ، حاكم بهوى بني أميّة، وكان هناك سابقون ولاحقون له، أنزلوا بالعراقيين الويلات، تفننوا في الانتقام منهم أتدرون لماذا؟ بكل بساطة لأنهم استجابوا لوصيّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في اتباع مولى المؤمنين أخيه الإمام علي بن أبي طالب، فكُفِّروا وأستبيحت دماؤهم وأموالهم، واستمرّ العدوان تلو الآخر على ذلك المنوال وبتلك التعلّة إلى اليوم، وليس عند هؤلاء القوم أعظم جرما من انكار خلفائهم، والإعتراف فقط بأن عليا وليّ كل مؤمن مؤمنة(1)، وأن وظيفته ودوره بعد مرحلة نبوّة أخيه النبي الأعظم والرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم واجبة في الأعناق، واتّباعه فرض عين على كل مسلم ومسلمة.

فهل يجوز على مسلم أن يقتل موحّدا مثله، مؤمنا بالخالق وأنبيائه ورسوله وكتبه ووعده ووعيده، لمجرّد أنه مخالف له في نهجه الإسلامي، لم يبتدع في اتباعه شيئا سوى أنّه والى عليا والأئمة من ولده أئمة وقادة وسادة، على أساس نظام حكم إسلامي أسسه الوحي، ودعا إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل التحاقه بالرفيق الأعلى؟ أليس من باب اولى أن يحتاط هؤلاء المجرمون لدينهم فيحتملون نسبة من الصحة لمعتقد الإمامة عند أتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام فيكونون قد جنبوا أنفسهم غضب الجبّار وتبِعَة ما اقترفته أيديهم من جرائم بحق هؤلاء المستضعفين الأخيار؟

مجزرة القاعدة الجوية (سبايكر) التي وقعت بأيدي داعش، والعشائر السنية العراقية في تلك المناطق، بعد سيطرتها على مدينة تكريت مسقط رأس صدام، وبعد يوم واحد من سقوط مدينة الموصل، حيث وقع  أسر ما بين (2000-2200) جندي، من داخل القاعدة – بتواطؤ خسيس من قائد القاعدة وفريقه- ثم قادوهم إلى القصور الرئاسية في تكريت، وهناك قاموا بقتل أغلبهم، وفي مناطق أخرى، رمياً بالرصاص ودفنوا بعضًا منهم أحياء.(2)

تحالف أغلب العشائر السنية، مع بقايا حزب البعث، سوّلت لهم أنفسهم المريضة المجرمة، قتل كل هؤلاء الذين وقعوا بين أيديهم غدرا، في مشاهد مروّعة لا توصف، ولا يمكن أن تصدر عن مسلم، مهما بلغت درجة دناءته وجهله بأحكام دينه، باستثناء أولئك الذين لا يوجد في قاموس فكرهم المتحجر شيء من الرّحمة، سوى تكفير كل من خالفهم وإن كان من أهل القبلة.

مجزرة سبايكر لا يمكن أن تمرّ ذكراها الثامنة، وتطوى أحداثها الدّامية، دون محاسبة من نفّذ وشارك من داخل العراق ومن خارجه، كأن ضحاياها ليسوا من البشر، عبارة عن قطيع من الخرفان أجهز عليهم جميعا وبدم بارد، وما هو مطلوب اليوم قبل أن يستفحل داء التعصب الموروث، بناء على فتاوى تكفيرية باطلة، حركتها أنظمة الظلم والجور قديما، وقننتها عقول منحطة أخلاقيا، ومن وضعوا أنفسهم موضع الإنحطاط الأخلاقي، فقد خرجوا من أدبيات الدين ومكارم أخلاقه، بل لم يعد لهم صلة بالإنسانية أساسا، واختاروا طوعا بأن يخرجوا من نوازعها الخيّرة، إلى التوحش والشيطنة، وطالما أن أمريكا الشيطان الأكبر قد أخذت أجهزته الاستخبارية هذه الحالة المَرَضيّة بعين الرّعاية والتشجيع، فإنّ رياح سمومها سوف تعصِفُ بكل مكان في بلادنا الإسلامية، ألا يرى المسلمون منذ سنوات عديدة كيف انتهكت حرمة كل مقدّس عندنا، فلا المساجد التي يؤمّها المسلمون الشيعة سلمت من هجمات هؤلاء الرّعاع، ولا روّادها أمنوا على أنفسهم من غارات خوارج العصر.

من أجل أن تزول عقلية التكفير من قناعات جانب من المسلمين، جاءت نتيجة تبني أفكار وهابيّة متطرفة، لا تزال مسيطرة على عقول وقع استغفالها، لم تعرف حقيقة الإسلام المحمدي آدابا وأحكاما، يتوجب على علماء الأمة ومثقفيها – من غير الوهابية باعتبارهم أصل الدّاء – أن يبينوا حقيقة تلك الأفكار المنحرفة، ومدى بعدها عن القرآن والسنة، وما درج عليه علماء وعقلاء الأمّة من وسطية عنونت حقيقته، أثبتوا فيها بأنّه دين بُنِيت أسسه على العقل والرّوح، ليكونا دليلين صالحين في ما يقوم به المسلم من فكر مستنير، وشعور فياض بالرحمة، منسجما ومستجيبا لأحكام القرآن الكريم والسنة النبويّة المطهرة إلى مبدئيات الإسلام، في حرمة قتل الأنفس، مهما كانت درجة الاختلاف معها دون وجه حق.

كشف زيف بعض التيارات المُعنونة إسلاميا، أصبح اليوم واجبا مناطا به كل شريف، فليس أخطر على الدين الإسلامي من دخلاء فيه، وضعوا أنفسهم موضع المنفردين بحقيقته، بحيث لا يمتلكها غيرهم ولو بنحو من النسبية، مرجعيّة أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهم واقعا اساتذة فقهاء الأمّة، ورأس وسنام أعلامها، لا ينكرها سوى مريض استقر في قلبه داء النفاق، وعلى من وعى هذه العبارات أن يحتاط لنفسه ودينه، ولا يمكن تجنيب الأمّة الإسلامية من داء التطرّف والتكفير الذي غزى عقولا فيها، بغير الرّجوع إلى القرآن وأحكامه، والسّنّة النبويّة المطهرة وآدابها، والعمل بمقتضاهما، بهذا المستمسك فقط يمكننا القضاء على دابة التطرّف والتكفير، ووقف سفك الدماء المحرّمة فهل ستعي حكوماتنا أن جحر الوهابية هو الوحيد الذي لدغتنا حيّاته وعليها أن تتخذ مواقف صارمة تجاه سياسيا وامنيا وثقافيا؟ عند ذلك فقط سوف تأمن شعوبنا من داء الوهابية التكفيري العضال.

المصادر

1 – سنن الترمذي كتاب المناقب باب مناقب علي عليه السلام ج 5 ص 397 ـ 398 ح 3732 / السنن الكبرى للنسائي ج 5 ص 126 و 132 و 133 ح8453 و 8474 / الخصائص العلوية للنسائي ص 103 و143 ح68و89/ المستدرك على الصحيحين الحاكم النيسابوري ج3 ص 110و111 / مسند أبو يعلى ج 1 ص 293 ح 355 / صحيح ابن حبان ج 15 ص 373 ـ 374 ح 6929 / مسند أحمد ج 4 ص 437 ـ 438

2 – مجزرة سبايكر

https://ar.m.wikipedia.org/wiki/523

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023