محاسبة الفاسدين “ممر إجباري”… للمرور إلى حياة سياسية جديدة !!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

محاسبة الفاسدين “ممر إجباري”… للمرور إلى حياة سياسية جديدة !!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

ما يجري في تونس عملية تخريب متعمدة، تدور على مستويين متوازيين، عملية تخريب تجري على المستوى السياسي، وتقوم به المافيا السياسية و أذرعتها في الخارج ، ومحاولات الجذب إلى الوراء و البحث لنفسها عن مخارج جديدة وسبل للعودة إلى الحياة السياسية بالقوة.. حتى ولو على حساب تفكك أوصال الدولة التونسية إلى غير رجعة، و هناك عملية تخريبية واسعة النطاق، تتناول حياة الشعب التونسي بأسره، وتعمل على تفكيك كل الأسس التي تعتمد عليها حياة الناس اليومية.. بناءاً على كل ما تقدّم، أصبح واضحا أن أركان المنظومة ومن خلفهم من قوى خارجية ، يسعون إلى إعادة التاريخ إلى مرحلة سوداء، عبر جرّ سفينة تونس إلى خنادق وهمية، والتونسيين الى منطق الحرب الأهلية للإبقاء على مغانمهم التي اكتسبوها بعد سنين من الغطرسة والتحكم بالعواطف و المتاجرة الرخيصة..

لا يختلف إثنان على أنّ كل الإثباتات والأرقام والمعطيات تؤكد أن حصيلة منظومة حكم الإخوان المتمثل في حركة النهضة و حلفائها في الحكم كانت كارثية في كل المجالات لكنها اليوم تروّج لخطاب الديمقراطية التي لم تحترمها في نشوة السلطة وفي وتجويع التونسيين والتعامل مع الدولة كغنيمة ومع ذلك تجد من يدافع عنها من قوى تدّعي الديمقراطية.. لا يخفى على عاقل بأنّ حركة النهضة وشركاءها المسؤولة الأولى عن تردى الوضع الإقتصادي و الإجتماعي و السياسي خلال كامل السنوات العشر الماضية وما ترتب عنه من ازمة تعيشها تونس اليوم ومن نتائج وتداعيات ألقت بظلالها على كامل المشهد السياسي والوضع المالي والإجتماعي للبلاد.. بالتعاون مع معاويلها من رجال أعمال فاسدين يعملون على تشديد الخناق على الشعب ، وقد تورطت منظومة الفشل الذّريع في تعطيل مصالح المواطنين في المؤسسات العمومية والخاصة ومحاولة الترفيع في الأسعار والمضاربة وبث إشاعات ونشر مغالطات في الإعلام لإرباك الوضع ومن أجل كسب تعاطف الشارع مع منظومة حكم العصابات و نظامها الأعرج والتي تسعى للعودة من جديد لحكم البلاد بالحديد والنار ، بعد أن فشلت في تحشيد الشارع استخدمت سياسة التجويع و التنكيل بالشّعب بعد أن عجزت عن كسر الإرادة الشعبية المطالبة بتغيير المنظومة السياسية الفاشلة والمفلسة برُمّتها ..

ملفات كبرى تطفو على السطح ، و قضايا فساد تكشف أولاً عن حجم الغول الذي ينخر الدولة و المجتمع وتبرهن في الوقت نفسه على أنه إكتسى أبعادًا تجعل الدولة غير قادرة على الإستمرار في التستر عليه ، و مكافحة منظومة الفساد أصبحت ضرورة قصوى و محاسبة كل المتورطين مهما كان موقعهم و نفوذهم.. ملف التسفير، ه‍و أحد الملفات الكبرى في تونس، المسكوت عنه منذ سنوات، ولا يمكن طي صفحة 10 سنوات والمرور إلى حياة سياسة جديدة و ديمقراطية حقيقية دون أن يفتح هذا الملف الأسود .. اليوم يجنون حصيلة ما إرتكبوا من جرائم و خطايا في حق هذا الوطن المنكوب ، و اليوم من حق الشعب التونسي أن تتم محاسبة هذه المنظومة الفاسدة التي عاثت في البلاد فساداً و لا نقصد بالمحاسبة ؛ المحاسبة القضائية فقط بل يجب أن يتم صياغة قوانين تمنع هؤلاء من ممارسة الحياة السياسية أو تقلد مناصب سياسية، لكل من تثبت تعامله مع جهات أجنبية متآمرة أو قام بأعمال تمس من الأمن القومي أو الغذائي…اليوم هناك حيتان فساد تخوض معركة شرسة دفعت بأعداد كبيرة من البسطاء والمخدوعين إلى أن يكونوا قرابين على مذبح غنائمهم وشهواتهم الفاسدة، وهؤلاء لن يقبلوا بمرحلة جديدة.. و بفتح ملف المحاسبة خطوة إيجابية في اتجاه الإصلاح السياسي بإعتبارها الممر الإجباري لتنقية الحياة السياسية من كل الشوائب التي علقت بها.. و محاسبة كل أركان منظومة الفساد و الإرهاب هي الأولوية القصوى الآن…

نحن اليوم في حاجة ماسة لبناء وعي جماعي اجتماعي وطني يعبر عن نفسه وعن قيمه النبيلة ومبادئه الأخلاقية لمجابهة آفة الفساد وشبكة المفسدين وإسقاط منظومة “الكليتوقراطيين”(حكم اللصوص) وطابورها الخامس من أجل حماية أمننا القومي ودفع عجلة التنمية المستدامة، نحن اليوم في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد ومنوال اقتصادي جديد لإنقاذ البلاد و إرساء دولة القانون و القطع مع منظومة العشريّة السّوداء و الإفلات من العقاب..الأمر قد يبدو صعباً، ولكنه ليس بالمستحيل في ظلّ توافر رغبة شعبيّة مؤيدة لفكرة إرساء دولة القانون ، التي لا مكان فيها للمحاصصات المبنية على منطق الغنيمة و الإفلات من العقاب و الضرب بيد من حديد على كل من يمارس المضاربة والإحتكار و محاسبة الفاسدين و من يقف خلفهم ، ويقتضي الدفع بإتجاه مسارات متعددة: مسار إعادة البناء السياسي والدستوري للدولة، ومسار الإصلاح الاقتصادي و الاجتماعي وتنفيذ برنامج إنقاذ حقيقي، ومسار تنفيذ إصلاحات جذرية بإتجاه الحوكمة والحكم الرشيد، بالإضافة إلى مسار الحفاظ على الاستقرار الداخلي، ولكل مسار خطة عمل يجب أن تتوافق مع تطلعات الشّعب التونسي الذي بات ينزف في إنتظار الحل و طيّ الصفحة التعيسة من تاريخ تونس..

فهل يدرك الشعب التونسي حقّاً خطورة وحساسية المرحلة الحالية وما تمرُّ به تونس من تحدّيات كبرى؟! وهل يدرك الشعب التونسي العزيز والمقهور أنّ عودة هؤلاء الفاسدين المفسدين إلى السلطة لا يعني إلّا نهب ما تبقّى من ثرواتهم و مقدراتهم بعدما نهب هؤلاء اللصوص ما نهبوا وسرقوا ما سرقوا من خيرات وثروات تونس والتونسيين على مدى سنوات طوال؟! عسى أن يدرك التونسيون اليوم حساسية المرحلة الحالية وأن يدركوا بأنّ كلَّ ما يجري في تونس حالياً من ضغوط داخلية المنشأ_خارجية التدبير والتخطيط والبرمجة والإخراج ، واقعيةً كانت أو مخطّطة مدبَّرة ما هو إلّا ضغط استعماري دولي من أعداء تونس الكثر وبتنفيذ شيطاني مشؤوم من عملاء الداخل الفاسدين المفسدين الذين وُضعوا أساساً في مناصبهم تلك لأجل هدف واحد وهو رهن إرادة التونسيين ونهب ثرواتهم بعدما قام هؤلاء الفاسدين المستغلّين وعلى مدى سنوات طوال بنهب أموالهم وممتلكاتهم وبعدما بات أكثر من نصف الشعب التونسي يرزح تحت خط الفقر نتيجة سياسات هؤلاء الفاسدين..لابدّ أن يدرك الشّعب التونسي بأنّ لا فائدة تُرجى بعد إلّا بأن يتّحد التونسيون جميعاً في رفض ومواجهة هؤلاء الفاسدين المفسدين وأن يقطعوا الطريق على من يريد لهم أن يواجهوا بعضهم بعضاً وينجرّوا إلى الفوضى التي يسعى إليها الكثير من الطامعين والمفسدين من الداخل والخارج ، وأن يعلموا يقيناً بأن لا حل ولا دواء يخرج تونس من محنتها و أزمتها الحالية إلّا بأن يُحاسَب الفاسدون جميعاً على كلّ جرائمهم وانتهاكاتهم ونهبهم وسرقاتهم ، من أيّ موقع كانوا ولأيِّ جهة إنتموا..

المرحلة القادمة تحتاج إجراءات تعيد ثقة المواطن في الدولة وإعادة الإعتبار للديمقراطية الحقيقية التي تقوم على أساس حماية مصالح الشعب والعدالة للجميع على قدم المساواة وانهاء الإفلات من العقاب وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، و محاسبة الفاسدين و مافيات الفساد التي تتحكم في مصير تونس هي الأولوية القصوى من أجل إنقاذ ما تبقى من الدولة، وخاصة توفير الحد الأدنى من الكرامة للمواطنين، وهو ما كان مفقودا في الفترة السابقة.. في هذه المرحلة الإصطفاف والإخلاص لهذا الوطن هو كل ما نحتاجه ، و دعم تونس هو كل ما نحتاجه في هذه الفترة التي نواجه فيها مخططًا خارجيًا يدعمه ضعاف نفوس في الداخل والهاربون في الخارج، فإمّا أن ندرك ذلك و نقف بكل قوة إلى جانب تونس ، وإلاّ سيكتب التاريخ فينا ما لا نحب.. فتونس لن تبنيها الأيدي الآثمة، ولا النظريات الخائنة، ولا وشوشة الأوكار النائمة، ولا الغرف السوداء، بل تصنعها الإرادة الوطنية و الشعبيّة..

عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023