محور المقاومة و«صفقة القرن»…بقلم تحسين الحلبي

محور المقاومة و«صفقة القرن»…بقلم تحسين الحلبي

اذا ما قورنت «صفقة القرن» بكل الخطط والمشاريع التي هدفت إلى «تصفية» قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه، فإنها تعد أكبر سلاح استراتيجي تستخدمه واشنطن وتل أبيب ضد الشعب الفلسطيني لتصفية نضال قرن من الزمن، وضد الأمة العربية، وضد كل دولة اصطفت إلى جانب كفاح الشعب الفلسطيني وقدمت التضحيات من أجل الدفاع عن حقوقه، ولذلك يصبح السؤال المفروض أمام هذه الحقيقة هو: هل كان الرد الفلسطيني الرسمي المضاد ضد هذه الصفقة حتى الآن موازياً لحجم السلاح الذي استخدم؟
يُلاحظ المحللون أن الرد الرسمي الفلسطيني لم يتضمن الإعلان عن إلغاء اتفاقيات أوسلو التي لم تبق منها فقرة إلا واحترقت على أيدي كل قادة الكيان الصهيوني، بل لم يتضمن الإعلان عن عصيان شامل فلسطيني تجري فيه مقاطعة كل ترتيبات وإجراءات الاحتلال، وتوجيه ما يسمى حتى الآن بالأمن الفلسطيني الوطني إلى الاصطفاف مع الشعب وانتفاضته ومقاومته حتى لو زجت قوات الاحتلال جميع قادة وعناصر هذا الأمن في السجون، فماذا سيبقى بعد أن طلبت قوات الأمن الصهيونية من عناصر الأمن الفلسطيني اعتقال كل من يخرق النظام في القرى والمدن الفلسطينية..وماذا ينتظر قادة السلطة الفلسطينية بعد أن سمعوا ما قاله نتنياهو في جلسة عقدها للمجلس الوزاري لشؤون الأمن حين أعلن بموجب ما نشرته مجلة «ذي تايمز أوف إسرائيل» ومجلة «ميديل ايست مونيتور» في 10 شباط الجاري أن «واشنطن لن تطلب من إسرائيل الاعتراف بدولة فلسطين كجزء من صفقة السلام» وقال لوزرائه:«بدأنا بمسح الأراضي التي ستتحول إلى السيادة الإسرائيلية وسننفذ ذلك بسرعة ولا حاجة للحكومة لعقد جلسة لبحث موضوع وجود الدولة الفلسطينية».
إضافة إلى ذلك، بدأ عدد من قادة الليكود والأحزاب المتحالفة معه بالحديث عن ضرورة إعداد مشروع قانون يعد كل من يحارب «صفقة القرن» أو يعلن عن رفضه لها إرهابياً ويجب فرض العقوبات عليه من الولايات المتحدة صاحبة الصفقة. ولا أحد يستبعد أن تقوم الحكومة الصهيونية بمطالبة الدول العربية التي تقيم علاقات معها أو تتقارب معها سراً أو علناً بعدم إعطاء المجال للمعارضين للصفقة بإجراء ندوات وتصريحات تندد بالصفقة أو تدعو إلى مقاطعتها في وسائل إعلامهم أو وسائل إعلام تلك الدول، ولن تتردد السلطات الصهيونية في مطالبة الولايات المتحدة بفرض هذه المطالب الإسرائيلية على عدد من الدول العربية المتحالفة معها.
أما موضوع قوى محور المقاومة الذي تعد أطرافه جبهة المقدمة في مقاومة «صفقة القرن» وخاصة أن سورية تعد دولة المواجهة العربية الأخيرة للاحتلال الصهيوني، فإن القيادة الصهيونية لم تتوقف عن استهدافها بكل الأشكال العدوانية بمشاركة أميركية مباشرة، وهي تستعد الآن لتقاسم أشكال العدوان على محور المقاومة بعد أن صرح وزير الحرب الصهيوني نفتالي بينيت بعد اجتماع عقده مع وزير الحرب الأميركي الخميس الماضي أن الطرفين الإسرائيلي والأميركي اتفقا على أن تقوم «إسرائيل» بمحاربة ما سماه (الوجود الإيراني) في سورية وأن تقوم الولايات المتحدة بمحاربة (الوجود الإيراني) في العراق وعلى (إغلاق كل حدود العراق مع سورية) وهذا الهدف يُراد منه الاستفراد بكل من سورية والعراق ومحاصرتهما إضافة إلى إيران لمنع ازدياد قدرة محور المقاومة وما يشكله من قوة لإحباط «صفقة القرن» وكل الخطط الصهيونية- الأميركية ضد مصالح شعوب دول وأطراف محور المقاومة، فالكيان الصهيوني يُدرك أن هذا المحور وجبهته الحربية على حدود شمال فلسطين المحتلة منذ عام 1948 والممتدة من حدود الجولان السوري المحتل إلى جنوب لبنان أصبح يشكل أكبر خطر غير مسبوق على «إسرائيل» ومستقبل بقائها.
ومع ذلك يبدو أن وزير الحرب الصهيوني بينيت يتجاهل حقيقة أن كفة ميزان القوى العسكري والمعنوي والاستراتيجي بدأت تميل لمصلحة هذا المحور، ولم يعد الكيان الصهيوني يشكل قوة إقليمية كبرى بعد أن انهارت قدرة الردع الأميركية أمام صواريخ إيران وردها المباشر على جريمة اغتيال الفريق قاسم سليماني ورفاقه المقاومين.
ويبدو أن تصريح بينيت جاء لأسباب انتخابية واستعراضاً لأوهام قوة لم تعد تخيف محور المقاومة وثقته بقوته القادرة على التصدي للقوة الأميركية وليس للقوة الصهيونية وحدها، وهذا ما يشير إليه عدد من مراكز الأبحاث في تل أبيب وفي واشنطن حين يحذرون من عدم وضع حسابات موضوعية لميزان القوى الذي تغير لمصلحة سورية وحلفائها في المنطقة، ولذلك، يجد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وفي مخيمات الشتات أن ضمانته في حماية حقوقه هي محور المقاومة.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023