مرَّة أخرى… رئاسة الدولة لا تتصرّف بعقل استراتيجي- شعبي!!

مرَّة أخرى… رئاسة الدولة لا تتصرّف بعقل استراتيجي- شعبي!!

1) هل أخطأ التونسيون؟

لم يكن أكثر التونسيين خاطئين حين اختاروا الأستاذ الجامعي، قيس سْعَيّد رئيسًا للدولة. أوَّلاً، لأنّ ماهو مُتاح من اختيارات، كان دون المستوى، بل كان بعضها واضحة الخطورة على الدولة إذَا وصلت إلى الرئاسة. ثانيا، كنا مطمئنين إلى نظافة الرجل، لكننا كُنا غير مطمئنين- مطلقا- لسلوكه السياسي، لأنه لم يصرّح بأي شيء آنئذ، ولا طيلة ماضيه، وإذ كان رافضاً الحَراك المهنيّ- النقابي لكليته وغير منخرط فيه طيلة زمن بن علي. ورغم ذلك كان رضا المكّيّ ضمانة التونسيين لنجاح الرئاسة المراهن عليها، عَقْل رِهان التونسيين على قيس سْعيد. من سوء الحظ، أنّ تلك الضمانة، وقع التخلي عنها دون وجه عقلاني!

2) لم يكن رئيسنا بباريس مؤرّخًا ولا محاميًا!

أليس للرجل مستشارون في التاريخ؟! كيف يمكن أن يخطئ ليقول إن الحضور الفرنسي بتونس لم يكن «احتلالاً» و«استعمارًا» وإنما كان «حماية»؟! ألم تكن مصطلحات «الانتداب» و«الوصاية» و«الحماية» خُدَع، و«الحرب خدعة»؟!! إذن، ففلسطين التي «يعشقها» الرجل، لم تُخطئ معها الإمبريالية البريطانية إذ كانت لها عليها مشروعية «الانتداب»، وعليه يكون تسليمها هذا الجزء من سوريا الكبرى إلى الحركة الصهيوينة شرعيًّا!!

وكيف للرجل أن يلطّف من الاحتلال الفرنسي لتونس مقارنةً بنظيره بالجزائر، بينما المسألة تتطلب حُكمًا علميًّا؟! فنسبة شهداء الإمبريالية بتونس ليس بالضرورة أن تكون أقل من نظيرتها بالجزائر. وفي الجزائر هناك تونسيون- جزائريون، كانوا ضحايا لتلك الإمبريالية (قبيلة زوارة، قبيلة زواوة، قبيلة تواتة، قبيلة خَمير، الكتَاميّون بين ولايتي الكاف وسليانة وما وراء الحدود الجزائرية، والفراشيش كذلك).

وفي نهاية الأمر، هل يجب أن يكون رئيس الدولة التونسية بعواصم العالَم محاميًا عن دولته أمْ مؤرخًا؟!!! وهل المختص في القانون الدستوري له الحق في التدخل في المعضلات التاريخية؟!

وهل الدكتور المتعمق في القانون الدستوري يخضع لخُدَع استراتيجية الإمبريالية وخطابها ومناوَراتها؟!!

كان على الرجل أن يكون محاميًا. والمحامي يدافع عن الضحية، وإن لزم الأمر أن يضخّم تضرره. فما بالك إذا كان الضرر أليمًا، ومازالت كَدَماتُه وجراحه لم تندمل، بل لن تندمل- ربما- إلا بعد قرون. كم جُنّد من أجدادنا- قسْرًا- لمحارَبة الألمان، فقُتلوا وأصبحوا معوَّقين نفسيّا وجسديًّا وعصبيًّا؟! كم من أجدادنا مَنْ نُقِل من جبهة الألمان ليُقاد إلى سوريا والجزائر فيقتُلُ بيديْه أخاه السوري  والجزائري، ويُقاد إلى فيتنام ليقتل أخاه الفيتنامي، ليتزوّج بعد 10 سنوات- بل أكثر أحيانا- من المرأة التي عقد عليها؟!!

كم سَرقت لنا الإمبريالية الفرنسية من أرضنا لتضمه إلى الجزائر المحتلة قبل عام 1881، وأثناء مفاوضات «الاستقلال»؟! هل ننسى أنها أهدت العثمانيين غْدَامس وغيرها مِنْ أرض كانت تابعة لنا؟! هل ننسى ما أهدته من بحرنا للإيطاليين؟! وهل ننسى ما سرقته من حديد بنتْ به برج إيفل، ورصاص ومن فسفاط، ومن مُنْتجات فلاحية، ومن ملحٍ، ومن سِبَاخ (مازال مِلح الساحلين وسبخة الساحلين إلى حد اليوم مِلكًا من ممتلكات الدولة الفرنسية)!!

هل طالبْتَ بكل تلك المسروقات يا سيادة الرئيس؟! هل طالبتَ برفات أجدادنا الذين قُتلوا على الجبهة الألمانية بالحربين وبفيتنام والجزائر؟!! هلاَّ أجبْتنا: هل هناك وجود عسكري أمريكي الآن بتونس؟! هَلْ وضَّحتَ لنا وضعية الشركات الغربية في استغلال النفط والغاز الطبيعي التونسييّن؟!

كُنْ محاميا، يا سيادة الرئيس… واتخِذْ مستشارين من أعظم المؤرخين!!

3) لم يكن رئيسنا بباريس مناضلاً سياديًّا، ومحاميا اقتصاديًا عن شعبه!

نسي رئيسنا سيادة دولته على سبخة الساحلين ومِلحها. وفي الآن نفسه، طالب الدولة الفرنسية بـ«تعويضات» تتمثل في استثمارات سخية!! فيكون هنا، كالمستجير من الرمضاء بالنار!! وحين تكلم بالفرنسية، تمنينا أنه أكَّد سيادة دولته بالكلام بالعربية.

هل للرجل مستشارون في الاقتصاد السياديّ، والاقتصاد العَدَالي، والاقتصاد الاجتماعي؟! لم نَرَهم في رحلته الفرنسية!!

إن الاستثمارات لا تكون غير قابلة للتحقق إلا فوق مجال/ فضاء. وهكذا يُصبح المجال التونسي للبيع. وبذلك يضرب الرئيسُ السيادة الحِمَوية للدولة التونسية. وهذا تشجيع للإمبريالية الاقتصادية التي طالما ناهضها الاقتصاديُّ  والمناضِل السياديّ محمد علي الحاميّ. وناهَضَتْها برسبكتيف-العامل التونسي في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته. وفي ذلك فائض قيمة جديدة للإمبريالية. ألم يقرأ الرئيس سمير أمين؟! كيف يكون المرء رئيسًا دون قراءة «التطور اللامتكافئ»؟! بل كيف لا تكون معرفة ذلك الكتاب شرطًا من شروط الترشح للرئاسة في دستورنا؟!!

هل نحن أمام خير دين باشا جديد، وصادقٍ باي جديد، وهنشير سيدي ثابت آخر، و«هنشير نْفِيضة» آخر!

أين أطروحة التغيير الاقتصادي التونسي السياديّ-العَدَالي الجريء؟! ألم يَكن الحجر الصحي بالعالَم دَرْسًا في عدم جدوى الاعتماد على الغرب وعلى السياحة الغربية؟!!

ألم يكن أولى بالرئيس أن يزور كُوبا ليدعو التونسيّين إلى الاقتصاد السيادي- العدالي وكرامة التشغيل العام والفلاحة البيولوجية المظفرة والطّبابة الناجحة والصحة المعمَّمة؟! ألم يكن أولى به أن يزور الصين وروسيا وإيران وفينزويلاَّ والإكوادور دولاً ناجحة، وذات سيادة، وذات اقتصاد شعبي؟!

الوقت يمرّ، وكل ما مرّ لن يعود، بل سيضاعف أزمتنا. هل يكون أبو مَدْين الغوث مدبّرًا ناجحا لأزمة تونس بالعصر الوسيط ليس لنا رجُلٌ رشيد أو امرأة رشيدةٌ يقودُ تونس الناجحة، القويّة، العَدَالية؟!!

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023