ملف: “السياحة الداخلية رهان جديد للسياحة التونسية” (1)

ملف: “السياحة الداخلية رهان جديد للسياحة التونسية” (1)

إعداد فتحي بوليفة: أستاذ باحث في الجغرافيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، جامعة سوسة |

السياحة نشاط اقتصادي غير مستقر رهين الظرفية السياسية والاقتصادية الدولية، لذلك تكون البلدان التي تراهن على ذلك النشاط أكثر عرضة لتبعات أزماته. في هذا الظرف تمثل السياحة الداخلية المنقذ وبديل السياحة الدولية في تلك البلدان التي بذلت أموالا طائلة في ذلك النشاط.                                                                   كما تعتبر السياحة الداخلية ظاهرة اجتماعية واقتصادية حديثة ميّزت المجتمع التونسي خلال السنوات الأخيرة. لهذين السببين ولأسباب أخرى تتطلب هذه الظاهرة دراسات معمقة تكشف عوامل نموّها في السنوات الأخيرة.

تمثل هذه الظاهرة موردا ورهانا جديدا للسياحة التونسية أثبت أهميته، خاصة منذ التسعينات بعد حرب الخليج الثانية وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية وخلال بعض الأزمات الدولية التي تسبّبت في تراجع توافد السياح الأوروبيين الذي دفع أصحاب النزل إلى اللّجوء إلى السوق السياحية الداخلية مع اعتماد أسعار أكثر مرونة وملاءمة لميزانية التونسي.

رغم أن السياحة الداخلية لا توفر العملة الأجنبية للإقتصاد التونسي، فهي تساهم جدّيا في حركية السياحة التونسية، خاصة خلال مواسم الإنخفاض السياحي وأزمات السياحة الدولية. فكيف تطورت هذه السياحة ؟ وماهي العوائق التي تحدّ من تطورها ؟

I-تطور السياحة الداخلية

بالإضافة إلى سياحة الإقامة بالنزل والقرى السياحية والمخيمات ومضائف الشباب…، تشمل السياحة الداخلية أيضا المنازل أو الإقامة الثانوية لبعض العائلات أو المنازل المسوغة للإصطياف أو لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، التي تتركز غالبا بالمناطق الساحلية، لكن نظرا لعدم توفر معطيات وإحصائيات حول هذه الأصناف من السياحة الداخلية، فسنركز التحليل في هذه الورقة على الأصناف الأولى منها التي تتوفر حولها إحصائيات.

تجب الإشارة أيضا إلى أن السياحة الداخلية لا تشمل إلا التونسيين فقط بل تشمل أيضا الأجانب المقيمين بالبلاد التونسية، حيث تكشف إحصائيات الديوان الوطني للسياحة التونسية أن نسبة هؤلاء لم تتجاوز 1،8 ℅  من مجموع السياح الداخليين سنة 2008 وهي نسبة ضئيلة لا يمكن أن تؤثر على الإستنتاجات التي سنصل إليها من خلال المؤشرات التالية.

منذ بداية التسعينات شهد عدد التونسيين الذين تمتعوا بالسياحة وقضوا عطلهم بالنزل التونسية نموّا هاما. رغم ذلك يبقى ذلك النمو بطيئا مقارنة بسياحة الأجانب التي شهدت هي أيضا تباطؤا منذ بداية التسعينات لم تنجح السياحة الداخلية في استغلاله. فما هي خصائص تطور هذا النوع من السياحة ؟ وما هي أسباب ذلك ؟

1- نمو عدد السياح

قبل التسعينات كان عدد السياح الداخليين بالبلاد التونسية متواضعا جدا مقارنة بعدد السياح الأجانب، لكن نتيجة لتباطئ توافد هؤلاء على إثر اندلاع حرب الخليج الثانية، بدأ عدد السياح الداخليين في النمو بآطراد، نتيجة لاتباع أصحاب النزل سياسة أسعار مرنة، حيث إرتفع بنسبة 79،8 ℅ بين 1989 و1999، لكنهم لم يمثلوا سوى 16،1 ℅ من العدد الجملي للسياح سنة 1999، أي بزيادة لم تتجاوز 0،6 ℅، مقارنة بسنة 1989. خلال الفترة التالية (1999-2008) تباطأ النمو حيث لم تتجاوز نسبته 33،4 ℅ رغم تأزم وضع السياحة الدولية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 التي تسببت في تباطئ توافد السياح الأجانب (8،9 ℅ خلال نفس الفترة) الذي ساهم، في المقابل، في ارتفاع نسبة السياح الداخليين إلى حدود 19 ℅ من مجموع عدد السياح سنة 2008. رغم ذلك تبقى هذه النسبة ضعيفة مقارنة بعدد السياح الأجانب.

1- تطور عدد السياح بالنزل التونسية

 

التغيّر ℅ 2008 التغيّر ℅ 1999 1989 السنة
33،4 1.313.499 79،8 984.654 547.540 سياح داخليين
19 16،1 15،5
8،9 5.602.579 72،6 5.142.349 2.978.989 سياح أجانب
81 83،9 84،5
12،9 6.916.078 73،7 6.127.003 3.526.529 المجموع

المصدر : الديوان الوطني للسياحة التونسية 1989-1999-2008

2- نمو عدد الليالي المقضاة

لئن فاقت نسبة نمو عدد الليالي التي قضاها السياح الداخليون بالنزل بين سنتي 1989 و2008 نسبة نمو عدد السياح خلال نفس الفترة، فإن نسبة هذه الليالي من العدد الجملي لليالي لم تتجاوز 8 ℅ سنة 2008 ونفسر ذلك بقصر معدل مدة إقامة السياح الداخليين الذي لم يتجاوز 2،2 ليلتان سنة 2008 (السياح الأجانب 6،3 ليلة) ولا يختلف هذا المعدل كثيرا بين المناطق،حيث يتراوح بين 1،5 ليلة بمنطقة سبيطلة-القصرين و3 ليالي بمنطقة المنستير-سقانص منذ التسعينات ويعود ذلك إلى محدودية القدرات المالية لهؤلاء السياح الذين يصرّون على التمتع بالمنشآت السياحية المتوفرة ببلدهم ولو لفترة وجيزة تتماشى مع ميزانيتهم.

2- تطور عدد الليالي المقضاة بالنزل التونسية

 

التغيّر ℅ 2008 التغيّر ℅ 1999 1989 السنة
41،2 3.063.699 94،5 2.169.356 1.115.148 سياح داخليين
8 6،1 5،5
5،7 35.048.653 74،4 33.150.730 19.010.643 سياح أجانب
92 93،9 94،5
7،9 38.112.352 75،5 35.320.086 20.125.791 المجموع

المصدر : الديوان الوطني للسياحة التونسية 1989-1999-2008

يبرز تطور توزع الليالي حسب نوع السياحة توجها نحو نموها في السياحة الشاطئية التي ارتفع نصيبها من 58،6 ℅ سنة 1991 إلى 72،5 ℅ سنة 2008 من مجموع الليالي التي قضاها السياح الداخليون بالنزل. في المقابل تراجع نصيب سياحة المدن من 29 ℅ إلى 11،9 ℅ من تلك الليالي خلال نفس الفترة. يستحق نمو نصيب السياحة الشاطئية من مجموع الليالي التي يقضيها السياح الداخليون بالنزل بنسبة 180،8 ℅ بين سنتي 1991 و2008 بعض التحليل. يبرز تطور توزع الليالي المقضاة حسب الأشهر تركزها أكثر فأكثر في فصل الصيف خلال شهريْ جويلية وأوت اللذين يستأثران بـ33،2 ℅ من مجموع الليالي، وهو الفصل الذي تزدهر به السياحة الشاطئية.

3- تطور توزع عدد الليالي المقضاة بالنزل التونسية حسب نوع السياحة

المجموع سياحة العبور سياحة المدن السياحة الشاطئية نوع السياحة سياح
1.349.927 166.519 391.998 791.410 1991  

 

داخليون

 

100 12،4 29 58،6
3.063.699 476.113 365.126 2.222.460 2008
100 15،6 11،9 72،5
12.443.229 435.427 1.003.438 11.004.364 1991  

 

أجانب

100 3،5 8،1 88،4
35.048.653 1.162.448 1.229.438 32.656.767 2008
100 3،3 3،5 93،2
13.793.156 601.946 1.395.436 11.795.774 1991  

 

المجموع

100 4،4 10،1 85،5
38.112.352 1.638.561 1.594.564 34.879.227 2008
100 100 100 100

المصدر : الديوان الوطني للسياحة التونسية 1991-2008

ما يلفت الإنتباه أيضا في تطور توزع الليالي حسب نوع السياحة هو نمو نصيب سياحة العبور من 12،4 ℅ إلى 15،6 ℅ من تلك الليالي خلال نفس الفترة وهي حصة أكبر بكثير من مثيلتها لدى السياح الأجانب التي لم تتجاوز 3،5 ℅ سنة 2008. رغم هذا النمو يبقى العدد الفعلي لليالي التي يقضيها السياح الداخليون بسياحة العبور (476.113 ليلة) متواضعا مقارنة بمثيله لدى السياح الأجانب (1.162.448 ليلة)، أي 70،9 ℅ من مجموع الليالي المسجلة في سياحة العبور سنة 2008.

يمكن تفسير ارتفاع حصة سياحة العبور من مجموع ليالي السياح الداخليين بعاملين مترابطين: الأول هو تراجع حركية السياح الأجانب داخل البلاد بعيدا عن المناطق الساحلية في فترات الأزمات السياسية والأمنية في العالم مثل الحروب (حروب الخليج) وأحداث 11 سبتمبر، حيث تكون المدن الساحلية أكثر أمنا لهؤلاء السياح لمحدودية الحركية بها ويتراجع الأمن في المناطق الداخلية، خاصة الصحراوية لأهمية الحركية في هذا النوع من السياحة. العامل الثاني هو إضطرار أصحاب النزل في المناطق الداخلية، أمام تباطؤ توافد السياح الأجانب، إلى اتباع سياسة أسعار أكثر مرونة لاستقطاب السياح الداخليين خاصة أثناء العطل المدرسية (الأسبوع الأول من شهر نوفمبر والنصف الثاني من شهريْ ديسمبر ومارس) حيث أثبتت الإحصائيات أن قرابة 53 ℅ من الليالي التي يقضيها السياح الداخليون بنزل منطقة قفصة-توزر (السياحة الصحراوية) تسجل أثناء تلك العطل.

رغم أهمية مؤشرات تطور وتوزع عدد السياح الداخليين والليالي التي قضوها بالنزل في دراسة السياحة الداخلية، إلا أن ذلك غير كاف للتعرف على خصائص تلك السياحة، لذلك وجب اعتماد عدة مؤشرات أخرى للكشف عن عوامل ذلك التطور تخص الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تحيط بالسائح التونسي.

3- الوجهة والأصل الجغرافي للسياح الداخليين

من خلال تطور توزع الليالي التي قضاها السياح الداخليون بالنزل حسب المناطق، سنتعرف عن المناطق الأكثر استقطابا للتونسين. ما يلفت الإنتباه هو تراجع حصة منطقة تونس-زغوان من تلك الليالي من 31،9 ℅ سنة 1989 إلى 14 ℅ سنة 2008 مقابل ارتفاع حصة منطقة نابل-الحمامات من 15،4 ℅ إلى 31 ℅ خلال نفس الفترة، أي قرابة ثلث تلك الليالي على المستوى الوطني وهو ما يؤكد ما سبق أن أوردناه من تراجع نصيب سياحة المدن لفائدة ارتفاع نصيب السياحة الشاطئية من تلك الليالي.

خلال نفس الفترة حافظت مناطق سوسة-القيروان والمنستير-صفاقس وجربة-جرجيس على استقطابها لنفس النسبة من السياح الداخليين بين 12 و14 ℅، في حين سجلت منطقتا قفصة-توزر وبنزرت-طبرقة نموّا في استقطابهما للسياح الداخليين، حيث ارتفعت حصتهما، على التوالي، من 4،3 ℅ إلى 7 ℅ ومن 6،7 ℅ إلى 9 ℅ بين سنتي 1989 و2008.

العامل الرئيسي الذي يفسر هذا التطور بمناطق نابل-الحمامات وقفصة-توزر وبنزرت-طبرقة هو تحسن التجهيزات السياحية وارتفاع طاقة الإيواء خلال تلك الفترة بتلك المناطق، حيث تضاعفت قرابة 11 مرة بالأولى وقرابة 28 مرة بالثانية وقرابة 44 مرة بالثالثة، خاصة بعد إنشاء المناطق السياحية ياسمين-الحمامات لتنشيط السياحة الشاطئية وتوزر، نفطة، دوز وقبلي لتدعيم السياحة الصحراوية وطبرقة لدعم السياحة الجبلية. ساهم ذلك في تنويع المنتوج السياحي الذي أصبح يستقطب السياح الداخليين أكثر فأكثر.

4- تطور طاقة الإيواء السياحي ببعض المناطق السياحية (سرير)

التغيّر 2008 1989 المناطق
1061،4 ℅ 351.801 30.291 نابل-الحمامات
2779،1 ℅ 116.000 4.029 قفصة-توزر
4370،3 ℅ 125.885 2.816 بنزرت-طبرقة

المصدر : الديوان الوطني للسياحة التونسية 1989-2008

 

يحتاج استقطاب هذه المناطق للسياح الداخليين بعض التدقيق والتحليل، لذلك سنعتمد على نتائج الإستمارة ([1]) التي شملت هؤلاء السياح بمدينة توزر خلال سنتي 2001-2002 في إطار إعداد شهادة الدكتوراه لتحديد الأصل الجغرافي لؤلئك السياح. كشفت تلك الإستمارة على أن 57،3 ℅ من أولئك السياح الذين زاروا تلك المدينة قدموا من تونس الكبرى، 11،3 ℅ قدموا من ولاية سوسة و8 ℅ قدموا من ولاية صفاقس.

تأوي تونس الكبرى، التي ترسل نحو مدينة توزر أكبر نسبة من السياح الداخليين، الحصة الأكبر من سكان البلاد الذين يتميزون بمستوى عيش أفضل من بقية سكان البلاد، حيث وصل بها معدل نفقات الفرد السنوية إلى 1.760،8 د سنة 2000. من خلال هذه الملاحظة نستنتج أن هنالك ترابط وثيق بين مستوى معدل نفقات الفرد السنوية والتمتع بالسياحة الداخلية.

)– شملت 150 سائح داخلي بمدينة توزر خلال شهر ديسمبر 2001 وشهر مارس 2002 في إطار إعداد شهادة الدكتوراه.[1](

ج2  ( التونسي والسياحة الداخلية )…

fathyboulifa@gmail.com

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023