مملكة الطباشير في معركة الطواحين النقابية

مملكة الطباشير في معركة الطواحين النقابية

بقلم: منير بلغيث |

انتهى بنا المطاف أن نريد الحياة لا أن نشارك في صنعها. هذا حال لسان معظم المنتمين إلى قطاع التعليم الثانوي وهو يشاهد ما يقع أمامه من معارك وهمية غايتها إعادة التموقع داخل منظمة نقابية تمارس منذ مدة شكلا من التوالد الداخلي لا يسمح بوجود اصوات تخالف صوت المركزية النقابية، ولكي نفهم ما يقع هذه الأيام في معاهدنا وقاعات الأساتذة وجب تمشيط الذاكرة قليلا، فالكل يدرك أن القطاع رغم محاولات تدجينه وإدخاله إلى بيت الطاعة ظل صامدا. وجدران وزارة التربية شاهدة على ملحمة الصمود والكرامة كما يحلو للبعض تسميتها. وهي ملحمة وان اختلف رجال التعليم في تقييمها فإنها حققت الأدنى الممكن من حزمة المطالب المشروعة التي تضمنتها اللائحة المهنية وهي قناعة راسخة لدى طيف كبير من المربين لما لمسوه من شراسة المعركة التي خاضوها تحت شعار البحر من ورائهم والخصم من أمامهم فاحرقوا جميع سفنهم من أجل استرجاع كرامتهم التي اجتمعت جيوش الإنس للدوس عليها، والدور السلبي الذي لعبته المركزية النقابية أخرج المعركة من بعدها المطلبي إلى أبعاد سياسية انتخابية ظهرت ملامحها خلال اعتصام الحسم فلم يعد الحديث عن المطلبية التي من أجلها افترش الأساتذة بهو الوزارة بالأمر المهم بل بمرور الليالي السود وانطلاق الليالي البيض انحصر الحديث عن المؤامرة والمرشحين لاعتلاء منصب الكتابة العامة في جامعة التعليم الثانوي، وتاهت المطلبية في مسارات الحسابات الانتخابية وتمركز الحديث عن المؤامرات التي تحاك لإخضاع القطاع للاملاءات “الطبوبية” وبدهائه المعروف عنه استغل التناقضات الفكرية التي تحكم القاعدة الأستاذية لسحب البساط من تحت أقدام الكاتب العام لجامعة التعليم، ولكي لا نسقط في التفسيرات “المؤامراتية”، فنقول أن ما وقع هو ديدن العمل النقابي قبل الانتخابات القطاعية لكن المعيب هو استغلال حالة الفراغ الذي فرضه اهتمام الجميع بمعركة كما أطلق عليها البعض معركة السيادة ضد الهجمة الرأسمالية لخوصصة القطاع، لسحب البساط والعقاب على حالة تمرد وعصيان أعلنها لسعد منذ المؤتمر الأخير لاتحاد الشغل، وهو ما تم بالفعل خلال أيام الاعتصام، فقد تمكن الطبوبي وأنصاره من نسج خيوطه وتقسيم المكتب الجامعي إلى خطين متوازيين يسعى كل منهما لإقصاء الطرف الآخر وهو أمر لا يستطيع أي أحد من الذين حضروا الاعتصام انكاره، بل لاحظه حتى الضيوف الذين زاروا الاعتصام حتى أن أحدهم قال لي أن الاعتصام كله دسائس تفوح من جنباته رائحة الخيانات وتغليب المصلحة الذاتية على مصلحة القطاع، وخرج أغلب الحاضرين بانطباع أن القادم أسوء فكل مجموعة عادت إلى قواعدها محملة برسائل وأفكار سيتم تحريكها واستغلال الساحات لتفعيلها وحسم المعركة الانتخابية وهو ما نلامس صداه في نقاشات الأساتذة وردود أفعالهم، فلا لوائح ولا برامج تشغلهم كل الحديث مرتبط بالسؤال عن توجه المترشح هل هو من مؤيدي القائمة المتمردة أو القائمة الموالية وهو ما يقودنا إلى وضعية عبثية تعطى صورة مصغرة عن موقعة التموضع التي تشهدها تونس في سنة انتخابية تبدو أنها مفصلية في تاريخ المسار الثوري المهترئ، وهذا سيجعلنا نتحدث عن تدخل السياسي في هذا الصراع فالقريب من كواليس العمل النقابي لا يخفى عليه تدخل السياسي في النقابي، فكل قائمة وراءها كتلة سياسية تدعمها وستحاول الدفع بزبانيتها لتمهيد الطريق لصعود مرشحيها وهوما بدأ بالفعل، فالنهضة والاحزاب التي تدور في فلكها اختارت مرشحيها وتموقعت لنصرة من يخدم صورتها في قادم المحطات الإنتخابية اما بقية القوى المعارضة لمشاريع النهضة وما تخططه للبلاد فهي كالعادة متشرذمة تعلن مالا تبطنه، منقسمة بين المحايد الذي ينتظر مآلات المعركة ليختار الاصطفاف مع المنتصر مبررا ذلك بأن متطلبات المرحلة تتطلب ذلك، ومن يساند القائمة المترددة لكن في نفس الوقت يريد المحافظة على شعرة معاوية التي تربطه بالقائمة الموالية.

في خضم ما يحدث هناك عامل شديد الأهمية غائب عن هذا المشهد وهي القاعدة الأستاذية التي لا تعلم من كواليس هذه المعركة الا الشيء القليل، وفي أقصى الحالات على علم بتاريخ المؤتمر، دون أدنى معرفة بمتطلبات المؤتمر والغالبية الساحقة انتهت علاقتها بالعمل النقابي مع إنتهاء المسار المطلبي وكل ما يحدث الآن لا بعينيه من قريب ولا من بعيد إلا من رحم ربي. إذن ما الفائدة من مؤتمر ملون بألوان سياسية لا يستفيد منه المربي ولا يعبر عن مشاغلهم، بل مؤشراته تؤكد أنه سيكرس مزيدا من الانقسامات ستعود بالوبال على مستقبل القطاع. ستنتهى لحظات الحشد والتعبئة، ومهما كانت النتيجة، فزمن الولاء الأعمى ولّى وانتهى ولا احد فوق النقد. فالأساتذة وبمنطق براغماتي سينتصرون لكل من يلبي لهم مطالبهم، وهو واقع لن يتغير إلا بالعودة إلى القواعد من خلال النقاش وتبادل الرأي ودفعهم إلى تقديم مبادرات قادرة على أن تعيد الانسجام المفقود بين القاعدة والمكتب الجامعي ويؤدي إلى توحيد الصفوف ضد أي مشروع تخريبي وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا على المدى الطويل، وفي إنتظار ذلك على جميع المتداخلين في المشهد وخاصة الباحثين عن استقلالية القرار الأستاذي دعم الخط الثوري القادر على المحافظة على المكتسبات التي حققها سابقا والرافض لأي ممارسات تسعى إلى تهويش القطاع وإخراجه من كل التجاذبات السياسية التي أفشلت الكثير من محطاته السابقة. …..وللحديث بقية

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023