من الحروب إلى التفاوض .. واشنطن توثق هزائمها من فيتنام إلى سورية…بقلم م. ميشيل كلاغاصي

من الحروب إلى التفاوض .. واشنطن توثق هزائمها من فيتنام إلى سورية…بقلم م. ميشيل كلاغاصي

منذ تأسيس الدولة الأمريكية , تُظهر القراءة في تاريخها السياسي والعسكري , وفي ممارساتها وأدائها وأدوارها الدولية التي لعبتها عبر عشرات العقود ومن خلال النظم العالمية المتعاقبة , والأحداث التي عصفت بهذا العالم , تبدو وأنها دولة محاربة على الدوام , ودولة عدوانٍ دائم على الدول والشعوب , حتى عندما تُهزم في معاركها العسكرية والسياسية والإقتصادية , وفي صلب روايتها الإعلامية التي تضعها عنواناً مبرراً للإعتداء , تسعى إلى تغيير جلدها , ومعاودة الهجوم والعدوان , على الرغم من لجوئها أحياناً إلى التفاوض أو إعلان المهادنة وحتى إعلان قبولها السلام , أمورٌ بمجملها تؤكد اتباعها سياسة النفاق والتضليل والخداع والإحتيال , من باب التكتيك , لكنها في الوقت ذاته تتمسك بإستراتيجية شن الحروب , التي تتوافق مع ذهنية ومصالح ساستها ومفكريها ونخبها الحزبية وأغنياؤها , وكذلك تحظى بإهتمام شبانها وشاباتها من الطبقات المتوسطة والفقيرة , الذين عادةً ما يبدأون حياتهم بجني الأموال , من خلال التحاقهم في صفوف ووحدات الجيش الأمريكي المحارب دائماً.
فعلى سبيل المثال , وبالعودة إلى العاصمة الفرنسية وما حصل فيها قبل نحو خمسون عاماً , يمكن تسجيل لجوء الولايات المتحدة إلى التفاوض وتوثيق هزيمتها العسكرية رسمياً … حيث تم توقيع الإتفاق التاريخي الذي أنهى الحرب الأمريكية على فيتنام ، والتي ورطت نفسها فيها , واستجلبت لنفسها العار ووثقته هزيمةً على سجلاتها العسكرية والسياسية والإقتصادية والإنسانية , وعلى صفحات التاريخ.
على الرغم من الوحشية المفرطة , والأسلحة المحرمة دولياً وإنسانياً التي استخدمتها هناك , لم تستطع قوات الغزو الأمريكي إخضاع فيتنام , وبإعتراف الرئيس نيكسون في خطابه عام 1973: “انتهت الحرب بتكلفة 58 ألف أمريكي وحوالي 140 مليار دولار” ، ومع ذلك اعتبر أنه على الأمريكيين أن يفخروا بهذه الحرب على أنها “من أكثر المشاريع إيثاراً في تاريخ الأمم”.
لم تتعظ الولايات المتحدة , ولم تتعلم من دروس فيتنام , ومضت عبر طريق شن الحروب وقتل البشر, فمن الحرب الكورية إلى الحرب على العراق , وأفغانستان ويوغوسلافيا وليبيا وسورية , وبقي القاسم المشترك لعناوين عدوانها هي تلك “الرواية الأمريكية” التي تدعي جلب الحرية والديمقراطية والقيم الأمريكية إلى شعوب هذه الدول , لكنها في حقيقتها كانت تبحث عن السيطرة على مقدرات تلك الدول , وإسقاط أنظمتها السياسية , وتغير خرائطها الجغرافية والجيوسياسية , لكنها تعثرت في أهدافها , وعانت وتذوقت طعم الهزائم السياسية والعسكرية , وتكبدت الخسائر المادية والبشرية , وباتت تبحث عن التفاوض الذي يوثق هزائمها.
وإذا كان لا يمكن الفصل بين أهداف وجوهر العدوان الأمريكي على العديد من الدول حول العالم , كذلك لا يمكن الفصل بين أسباب وجوهر هزائمها , وما أصبح اليوم معروفاً , بأن أمريكا ليست قدراً للدول والشعوب , وبأن هزيمتها هدفٌ يمكن تحقيقه , ولم يأت من فراغ , لا بل سطرت لأجله عديد الدول والشعوب ملاحم البطولة والتضحية , وجعلت الصبر والثبات ومقاومة الغزو الأمريكي , أدوات وأسلحة مضمونة النتائج لهزيمته.
إن تسليط الضوء على هزائم الولايات المتحدة في كوريا وفيتنام وأفغانستان وليبيا والعراق وسورية , يسمح بإضافة هزيمة أمريكية جديدة باتت معالمها واضحة في أوكرانيا أيضاً , على الرغم من محاولاتها لإستخدام العقوبات الغربية وأسلحة الناتو في مواجهة روسيا ، ومن خلال ميدانيات ويوميات الحرب الغربية على روسيا , وبعد مضي عامٍ كامل على المواجهة , باتت ملامح الفشل الأمريكي في إخضاع روسيا واضحةً , وقد يساهم ذلك في تسريع البحث عن التفاوض مع روسيا أيضاً لتوثيق الهزيمة الأمريكية – الغربية , حتى لو أظهرت بعض الرغبة لإطالة أمد الحرب على روسيا , إلاّ أنها تراهن على استنزاف وسرقة حلفائها ومن يقاتلون لأجلها , وتبدو سعيدة بإنتقال الأموال من أوروبا إلى الخزائن الأمريكية , بما يتخطى رهانها على هزيمة روسيا.
كذلك يبدو من المؤكد بأنها ستعود إلى التفاوض النووي الإيراني , اّجلاً أم عاجلاً , وستوقع “صكوك” هزيمتها , في الوقت الذي يبدو فيه إعلان هزيمتها الحتمية في سورية قد اّن أوانه , فلا يمكن تصور أن تكون واشنطن بعيدة عن المواقف التركية التي قرعت أبواب دمشق , لإنهاء عشرية النار سلماً وحلولاً وتوافقاً على ضرورات محاربة الإرهاب , وضمان الأمن والإستقرار على طرفي الحدود , ويرى البعض أن تركيا حصلت على تفويض الولايات المتحدة لإنهاء الحرب على سورية , شأنها شأن كل من يحاولون مغازلة سورية وخطب ودها سراً أو علناً , وأعتقد أنه من المنطقي لنتائج الصمود والإنتصار السوري , أن يتم في نهاية المطاف الحصول على التوقيع والتوثيق الأمريكي على هزيمة الولايات المتحدة في سورية , وخروجها إلى حيث لا عودة.
بالإضافة إلى أثبتته تداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب سورية وتركيا , والذي أظهر بما لا يدع مجالاً للشك , بأن الولايات المتحدة بدأت تفقد السيطرة والإمساك بقانون قيصر, بعدما تم نسفه تحت العنوان الأخلاقي والإنساني من قبل عشرات الدول الشقيقة والصديقة , وعشرات والشعوب والأحزاب والهيئات والمنظمات الإنسانية , ومع ذلك لا زالت بعد مضي ما يقارب إسبوعين على الكارثة , تحاول بأقصى نفوذها وهيمنتها , حرمان ومنع الدولة والشعب السوري من الحصول على المساعدات الإغاثية , في أصعب الظروف التي فرضتها على السوريين منذ 13 عاماً للعدوان الأمريكي والإسرائيلي والدولي والإرهابي , والحصار والعقوبات , وغيرها من الإجراءات القسرية الظالمة , بعيداً عن القانون الدولي والأخلاقي والإنساني.
إن التمسك بالحرب على سورية الرغم من الظروف القاهرة التي تمر بها , عزل الإدارة الأمريكية , وأظهر وحشيتها ونفاقها , ودفعها لإعادة حرب المعابر الإنسانية التي خسرتها إلى الواجهة.. وسعت لإستعادة كسبها كمعابر لتسليح الإرهابيين تحت ذريعة إدخال المساعدات الإنسانية , حتى لو كلفها ذلك استخدام مجلس الأمن وفصله السابع – بحسب إدعائاتها – , بالإضافة إلى ما تقوم به من أجل التعمية وتجاهل كل ما قامت به الدولة السورية من فتح المعابر حتى الإضافية منها , ونقل المساعدات إلى كافة المناطق السورية بما فيها تلك الواقعة تحت سيطرة المجاميع الإرهابية بقيادةٍ ودعمٍ أمريكي , ومع ذلك تبدو نتيجة إفلاس مشروعها في سورية , قريبةً جداً من إعلان وتوثيق هزيمتها متعددة الأركان والجوانب , وقد تجد طريقةً لتوثيقها عبر تفاوضٍ مباشر مع القيادة والحكومة السورية.
تبدو الولايات المتحدة التي ترفض التعلم من أخطاء الماضي , وتستمر حتى اليوم في العبث وإشاعة الحروب والفوضى حول العالم , كمن تستعجل سقوط إمبراطوريتها , وفي مثل ذلك قالت العرب “جنت على نفسها براقش”.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023