من “مكتريس” مدينة النوميديين إلى “مكثر” مدينة المهمّشين!!

بقلم: شوقي الكرعاوي |

مدينة مكثر أو مكتريس التابعة لولاية سليانة هي من أشهر المدن الأثرية في تونس لما تتمتع به من موروث حضاري نتيجة تعاقب حضارات مختلفة عليها منذ القرن الثاني قبل الميلاد مثل النوميدية و البونيقية و الرومانية والبيزنطية.

مكثر كغيرها من المدن الأخرى التابعة لولاية سليانة، دخلت فوج النسيان والتهميش منذ زمن بعيد ونسيها ركب التغيير والاستثمار رغم ماتحتويه هذه المدينة من مساحات أثرية شاسعة يمكن أن تجعل منها منطقة سياحية بامتياز.

حضارات مكتريس المتعاقبة:

مدينة مكثر المدينة الجميلة يرجع تأسيسها إلى العهد النوميدي أي قبل مايقارب ال200 سنة قبل الميلاد، حيث قيل إنها كانت تحمل اسم “مكتريم” وازدهرت “مكتريم النوميدية” على جميع الأصعدة في عهد الملك ماسينيسا وأحفاده.

امتدت هذه الحضارة المكثرية حتى أواخر القرن الأخير قبل الميلاد وبالتحديد سنة 46 ق.م تاريخ قدوم الرومان إلى المدينة تحت راية الامبراطور يوليوس قيصر الذي جعل منها شبه جمهورية صغيرة في الامبراطورية الرومانية.

كما عرفت المدينة ازدهارا خلال القرن الأول والثاني والثالث وحتى القرن الرابع قبل الميلادي حتى أصبحت “مكتريس” البلدية الأم في المنطقة واعتبرت مركزا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مهما.

حينها بدأت الانجازات العظمى الواحدة تلو الاخرى فحصنت المدينة بسور لحمايتها وأبواب بأقواسها التي لم يتبق منها سوى قوس باب المدينة التي يسمى باب العين وهو القوس الحالي والضخم بمدخل المدينة وقوس اخر للإمبراطور “طراجان” بالمدينة الاثرية وهو رمز احتفاء بانتصار الامبراطور على اعداءه بالشرق في وسط القرن الثاني للميلاد (160 ـ 170م).

كما شيد الأهالي الحمامات الساخنة وجلبوا المياه العذبة على قنوات مرفوعة على أقواس عملاقة تمتد من مكثر الى سوق الجمعة على بعد 11 كلم من مكتريس غربا. كما نجد ايضا معبدا لآلهة الجمال (أبولون) وهي الالهة الحامية للمدينة مع آلهة الجمال (فينوس) للنساء.

ووفق المؤرخين فقد كان يمثل مكثر في مجلس الشيوخ الروماني 12 عضوا أما على الصعيد الثقافي فان أهالي المدينة مولعين بعباقرة المسرح الروماني لذا أقيم مسرحا مستديرا ضخما في منتهى الروعة والإبداع.

هكذا كانت انطلاقة مكتريس الشامخة، حيث بقيت أثار الحضارات المتعاقبة على هذه المنطقة إلى هذا اليوم وغالبا ماتكون مغلقة أمام الزوار في حين توجد اثار أخرى بدون سياج او حارس مثل “المقابر النوميدية”.

ماذا عن مكثر اليوم؟

مكثر تلك الحضارة العظيمة التي ولدت قبل آلاف السنين كانت عظيمة ومميزة لكن الواقع اليوم يفرض علينا الوقوف مليا والتثبت من الوضع التي الت إليه المدينة والمناطق الأخرى المجاورة لها.

تتصدر مدينة مكثر مرتبة مميزة في انتاج “حبة الملوك” والزيتون و الخضروات الفصلية إلى جانب الزراعات الكبرى إلا أنها لا تزال تعيش حالة من الفقر و البطالة و التهميش وقلة اليد العاملة نتيجة غياب المستثمرين و تشجيعهم على بعث المؤسسات الصناعية.

وغالبا ماتشهد المدينة خلال فصل الشتاء كميات كبيرة من تساقط الثلوج والأمطار كما تتسم مكثر بمخزون هام من المواد الطبيعية مثل الرخام و الجير و الاسمنت و الزنك و الرصاص.

دائما مايحتج أبناء الجهة عن الأوضاع الكارثية التي وصلت إليها الجهة من فقر وتهميش وبطالة بالإضافة إلى توقف التنمية فيها وغياب شبه تام لللإستثمار في ربوعها.

نفس الشيء بالنسبة للمناطق الريفية التابعة لمعتمدية مكثر والتي يعيش سكانها بدون ماء صالح للشراب تحت خط الفقر والتهميش وغياب أبسط الضروريات ومطالب العيش الكريم، بالإضافة إلى هي الطرقات المتهرئة والبنية التحتية الرديئة والمسالك غير المعبدة والوعرة.

إذا مدينة مكثر هي مدينة أنصفها التاريخ وظلمتها الأنظمة المتعاقبة على تونس منذ الاستقلال إلى مابعد الثورة، لكن أهالي الجهة وشبابها المفعمين بالأمل والثقافة والمؤمنين بالتطور والعدالة الاجتماعية لازالوا يدافعون عن حلمهم بمدينة متقدمة وعيش كريم”

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023