من يا ترى بإمكانه أن يتحدى أمريكا؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

من يا ترى بإمكانه أن يتحدى أمريكا؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

سيطرت أمريكا بسياساتها الإستكبارية، على عموم بلدان العالم،شرقيه وغربيه، فلم ينفذ بجلده من سيطرتها، سوى قوّتين فقط،،تعتبران الأكبر في مواجهتها، خلال فترة الحرب الباردة، هما الإتحاد السوفييتي وتوابعه ككوبا، والصين الشعبية وتوابعها ككوريا الشمالية، وقد عملت المخابرات الأمريكية سنين طويلة،على تفكيك الإتحاد السوفييتي،ونجحت في ذلك سنة 1991، ثم تغلغلت بدولارها الفاسد، وعملت على نصب قواعد عسكرية وجاسوسية، في عدد من دولها المحيطة بإيران، والهدف منها محاصراتها وتهديد أمنها، وفي نفس الوقت لم تهدأ حركة أمريكا المعادية للصين الشعبية، في عرقلة نمو إقتصاد المارد الصيني، الذي يكاد يكتسح العالم اليوم، وسبب تراجعا كبيرا للإقتصاد الأمريكي، من شأنه أن تكون له تداعيات خطيرة، على مستقبل إتحاد الولايات الأمريكية، ما سيكون سببا من أسباب تفككها.

أمريكا لم تتوقف خلال هذه العشريات، من تسليط العقوبات تلو العقوبات على إيران، بعد حادثة اقتحام سفارتها بطهران مباشرة بعد انتصار ثورة شعبها، بقيادة الإمام الخميني رحمه الله، والذي وافق على تلك العملية الثورية،باعتبارها إجراءً وقائيا، لحماية مكتسبات الثورة الإسلامية من الإجهاض الامريكي، بثورة مضادة أو بانقلاب عسكري،تشرف على تنفيذه خبراء استخباراتها في سفارتها، وبواسطة عملائها في الداخل.

وكر الجاسوسية في المنطقة،وهو اللقب الذي عرف به الثوار السفارة الأمريكية، ونجحوا في تحدي أكبر قوة عالمية،ليس لهم في مواجهتها، سوى عزيمة قوم، لم يعرف الذل إليهم سبيلا،مع إيمان عميق بأن الله معهم، ولن يتركهم طالما أنهم مصداق قوله تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)(1)

وقد تلقّت أمريكا صفعتين جرّاء تلك الحادثة، الأولى وكانت اهانة لم يتجاسر أحد القيام بها باقتحام سفارتها من طرف الطلبة الثوريين الذين بقوا محتجزين طاقم السفارة لمدة 444 يوما واستولوا في نفس الوقت على وثائق استخبارية مهمة تدين أمريكا بالتجسس والتدخّل في الشأن الداخلي بإيران،(2) أمّا الثانية فكانت فشل وانكسار عملية “مخلب النسر” الأمريكية لتحرير رهائنها، فقد قيّض الله عاصفة شديدة دمرت طائرتي نقل هرقل بمن فيها من قوات خاصة واعتدة وكان ذلك مؤشرا ليرعب الادارة الامريكية ويثلج صدور القيادة الاسلامية وشعبها في ايران، وقد علّق قائد الثورة الاسلامية الامام الخميني رحمه الله حينها على ما جرى بقوله:إن الله قد أنعم على الحكومة الإسلامية بمعجزة العاصفة الرملية“.(3) 

النظام الإسلامي في إيران أصبح منذ نشأته في 11/2/1979 يمثل تحديا لأمريكا، وظاهرة تمرّد غير مسبوقة عليها،وكانت نموذجا فريدا في عالم، أغلب دوله بمنظماتها الدولية، خاضعة للإرادة الأمريكية،مكبّلة لا تحرك ساكنا – تسمع وتطيع الأوامر خوف العقوبات – وأقصى ما تمتلكه، التنديد الغير مباشر، أو استعمال الفيتو بالنسبة لروسيا والصين.

إيران لم تخضع للعقوبات الظالمة المسلطة عليها منذ أن بدأت، وبقيت مقاومة لها طوال 41 عاما، بطرقها الدبلوماسية في مواجهتها، تحشد إليها تأييد الدول، وتضامن المنظمات الدولية، مما عرقل التوجه العقابي الأمريكي الأحادي الجانب – الذي أفرط في نهجه العدواني -ليظهر فشله في عدد من الملفات، لعل اهمها خيبة أمريكا في محاولتها إفشال الإتفاق النووي 5+1،وبقاءه قائما صامدا بعد انسحابها منه، ورفع الحظر التسليحي المسلط على إيران، رغم المساعي الحثيثة، التي قامت بها أمريكا، مع عدد من الدول المصنفة حليفة لها، من أجل التأثير عليها، بالإصطفاف معها، في خندق استصدار قرار بتمديد الحظر، والذي انتهى مفعوله آليا يوم 17 اكتوبر، وكان ذلك فشلا امريكيا جديدا وانتصار آخر للدبلوماسية الايرانية.

مرارة الفشل، التي ظلت تلاحق السياسة الامريكية تجاه ايران، تخللتها مرارة اخرى، تمثلت في فشلها العسكري ايضا، رغم أنها مصنّفة القوة العسكرية رقم واحد في العالم، وقد أحاطت الأراضي الايرانية، بسلسلة من القواعد العسكرية، إلا نها لم تفلح في كبح جماح التطور، والنمو العسكري السريع، للقدرة الدفاعية الايرانية، في مواجهة القوات الامريكية، المنتصبة في دول الجوار، وقد كلفت عملية الاغتيال الجبانة، التي تعرض لها الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بمطار بغداد الدولي،بواسطة طائرات أمريكية مسيرة، ردا من الحرس الثوري،دمّر بصواريخه المواقع الامريكية، في قاعدة عين الاسد العراقية، بالدّقة والتقنية التي لم يحسب لها الأمريكيون حسابا، فمن كان يتصور في العالم حينها، أن إيران ستردّ بقوة وحزم على الجريمة الأمريكية.

ليس هذا فقط، هو العقاب الذي تريد إيران تسليطه على أمريكا، فقائد عسكري إيراني بقيمة الشهيد قاسم سليماني، لا يفي بحقه قصف قاعدة أمريكية، وما صرحتّ به القيادة العسكرية لفيلق القدس، الذي أسهم الشهيد سليماني في تأسيسه والسهر عليه، وتوجيهه في محاربة الإرهاب التكفيري، تمهيدا لدوره الأساس في تحرير فلسطين، باعتبار المجاميع الإرهابية الوهابية،عقبة في طريق مشروع التحرير، وصناعة أمريكية صهيونية، يجب أن تزول من الاراضي السورية والعراقية، وهذا ما نجح في أدائه الحرس الثوري، بمعية بقية مكونات المقاومة في البلدين المستهدفين.

وما يمكن قوله أن إيران الاسلامية، بمشروعها التحرري الحقيقي الكبير، افتتحت سبيل مواجهة الغطرسة والاستكبار الامريكي، لمن يروم العزة والكرامة من دول العالم دون استثناء، فالحياة كل الحياة في الموت قاهرا عدوّه، والموت كل الموت في الحياة مقهورا من عدوّه(4)، وبلا قيم ومبادئ تعيش الشعوب أسوأ العبوديات، وقيام ايران الاسلامية بمبادئها التي استنفرت أعداء القيم والمبادئ، جعلها تكون نموذجا واعدا بالخير، لبقية الشعوب الاسلامية للتحرر من التبعيّة المقيتة.

 

المراجع

 

1 – سورة المائدة الآية 54

2 –  أزمة رهائن إيران- تبيان – صناعة الوعي

3 –في ذكرى الهجوم الامريكي الفاشل في طبس شرق ايران

4 – من حكم الامام علي بن أبي طالب (الحياة في موتكم قاهرين والموت في حياتكم مقهورين) نهج البلاغة ج1ص80خ51

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023