مَنْ سأنتخبُ؟ نحو انتخاباتٍ لتونسَ سياديةٍ ولشْعبٍ سَيّد… بقلم د. عادل بن خليفة بالكحْلة

مَنْ سأنتخبُ؟  نحو انتخاباتٍ لتونسَ سياديةٍ ولشْعبٍ سَيّد… بقلم د. عادل بن خليفة بالكحْلة

أنتخِبُ مَن سيؤكّد سيادةَ دولتي، قاطعًا مع وثيقة «استقلال» التي ثبّتت تبعيتها إلى الإمبريالية إلى الأبد في فصليها 33 و34 على مستوى الثروات الباطنية الذين لم تُلْغِهِما وثيقة «الاستقلال التّام».

أنْتَخِبُ، مَنْ سيقطع مع كل الاتفاقيات التي «باعت» ثرواتنا الباطنية (ملح، غاز، نفط، حديد، رصاص…).

أنتخِبُ مَن يُثبِّتُ السيادة الترابية لدولتي (صحراء، شط جريد، بحر، بحيرة مالحة، بحيرة حلوة…) رافضا كل وجود عسكري أجنبي عليها…

أنتخِبُ مَنْ سيرفض اتفاقية عام 1972 المذّلة لنساء بلدي، العاملات في النسيج (أجرًا، وحرمانًا من التغطية الصحيّة، وطردًا تعسفيًّا دون أي تعويضات..).

أنتخِبُ مَنْ يكون شجاعًا، وطنيًّا، مثل فِيدال كاسترو، وتْشافيز، إذ كانا على مرمى حجر مِن الإمبرياليّ، ولكنهما اعتمدَا على شعبيْن أصيليْن وإيمان بالاستقلال، فانتصرا…

أنتخِبُ مَنْ يُفكّر في إعادة بناء تونس، دولةً منتمية إلى المغرب الكبير اقتصاديًّا وثقافيًّا وسياسيًّا.

أنتخِبُ مَنْ يَبْني اقتصادًا اجتماعيًّا عدَاليًّا، اكتفائيًّا، مغربيًّا، عربيًّا، إفريقيًّا، آسيويًّا، ينتمي إلى كتلة العالم الثالث المتحرّر، ويعيد بناء الطبقات والفئات الاجتماعية المهدَّدة، ويحمل مشروع تونس المُتدامجة والمتكاملة جهويًّا.

أنتخِبُ مَنْ ينتمي إلى دُول الممانَعة للإمبرياليّة (الصين، روسيا، جنوب إفريقيا، الجزائر، إيران، فينزويلا، كوبَا، سوريَا، بوليفيا…).

أنتخِبُ مَن يقدم حلولاً عملية لانهيار الفلاحة والفلاّحين والصيد البحري والبحّارة في تونس…

أنتخِبُ مَنْ هو متواضع مع شعبه، يتعلم منه قبل أنْ يعلّمه، مثل موخيكا، المدعو «أفقر رئيس في العالم»، رئيس الإكوادور (2010-2015)، المتبرع بـ90% من راتبه الرئاسي للجمعيات الخيرية والشركات الناشئة، الذي استعمل القصر مكان عملٍ، ليبيت في مزرعة زوجته. ذلك الرجل الذي علّم شعبه الإصرار على العمل الفلاحي، والعطاء.

أنْتَخِبُ مَنْ هو مثل اليساري/ المسيحي «تْشافيز»، الذي لم يَخَفْ من الإمبريالية وتهديداتها، بانيًا مع رفاقه مشروع اقتصاد شعبيّ عادل، لا يكاد ينام مِن أجل شعبه، مكسّرا حصار العراق وليبيا وغزّة وسوريا وإيران، مُنسحبًا من صندوق النقد الدولي. ذلك الرئيس الذي تخلى عن كل راتبه الرئاسي، وجعل نسبة الفقر 20% بعد أن كانت 80%.

أنْتَخِبُ مَن هو مِثل إيفو مُورالس، رئيس بوليفيا، المزارع البسيط، الهندي الأحمر، نقابيّ المزارعين، الصادق الذي لم يَبِع ناخِبيه يومًا، والرئيس الذي نجح في إقرار العدالة الجهوية والتدامج الوطني، الذي قطع علاقات بلاده مع إسرائيل إلى الأبد «لأنها كيان إرهابي»…

أنتَخِبُ مَن هو مثل فيدال كاسْتُرو، الذي لم يحتقِرْ قدرات شعبه الصغير جدًّا ديمغرافيًّا، والمحدود جدًّا اقتصاديًّا، ولم يَخَفْ الإمبريالية التي بينه وبينها بحرٌ قصير المسافة، ولم يخَفْ الصهيونية، قَاوَم التجويع الأمريكي بالعمل وبالتخطيط والعدالة الاجتماعية. ولما سقط المعسكر السوفياتي، كانت كوبَا مِن أعظم القُوَى الطبيّة والدوائيّة في العالم، وقاومت الحصار بإبداع أوّل فلاحة بيولوجية في العالم المعاصر وإبداع الاكتفاء الغذائي، دون قروض صندوق نقد دولي ولا مبيدات ولا كيمياويّات…

هؤلاء هم الرؤساء العظماء الخالدون فِعْلاً، أمّا غيرهم فهم دُمى الإمبرياليّة أو ممثلّون فاشلون على الركح…

وتلك هي الشعوب العظيمة… أما غيرهاـ، فهي هياكل عظمية، وأموات في مقبرة…

أنْتخِبُ مَنْ يُغني مع مَرْسال خليفة وتوفيق زياد:

يا رفاقي في كوبا الأبيّة

النّاس في بلدي تحدث عنكم قصصًا كثيرة

يروونها وقلوبهم ملآنة فرحًا وغِيرة

تحت العرائش… في المراعي وعلى السطوح

في الساحات في بيوتهم الفقيرة

وحديثهم نار ونار وأغنية مثيرة

يا رفاقي في كوبا الأبيّة

 

 

أنتَخِبُ مَنْ يغنيّ قصيدة تْشافيز:

غنِّ معي يا رفيق صوتُك رصاصة

فلَنْ يُطلقوا على صوتك النّــــار

غنِّ معي يا رفيق وليكن إيقاع الشارع إيقاعنا

إذا كنت تحنّ لموطنك في الجنوب

فهذا هو كبش الجبل في قلبك ينتصر

أحمر كالنبيذ القديم

هاهي رياح الجنوب تهبّ لتحملك لميدان المعركة

غنِّ معي يا رفيق

الشعب المرتعش الأيْدِيّ والقرار، لا يستحق الحياة… والذين يزعمون أنهم مترشحو رئاسة، وهم مَرْضى بالعُظَام أو الطمع، أو مَرْضى الزعامة، أو مرضى بالإمبريالية والقَوَادة والسرقة (وكلا الصنفان متشابهان)… فعليهم أن يتعلموا من هؤلاء العُشاق لشعوبهم، رؤساء أمريكا الجنوبية وغيرها، التواضُع حتى الذوبان، والحبّ حتى الفناء، والعطاء على درجة إهدائها أرواحَهم…

سنتعذب كثيرًا، حتى نأخذ قرارنا بالعقل، والإرادة، لا بالحسابات والتصويت «النافع» (غير «النافع» في الحقيقية)، وحتى نُنْجِب رئيسنا لذاتنا، لا رئيسنا لذاته أو لذات الإمبريالية أو لذات الطبقة الكمبرادورية أو الدولة العميقة…

إلى اللقاء…

إلى لقاء نلتقي فيه بانتخابات رئاسية وبرلمانية حقيقية، ننتخبُ فيها تونس السيادية، وتونس العَدَالية، وتونس المنيعة أمام الصهيونية والإمبريالية، والتمزق الجهوي الذي يمنع وجودها كيانًا واحدًا، منتميا إلى وحدة مغربية- عربية- عالم ثالثية حميمة.

تصبحون على وطن!

 

* باحث أنثروبولوجي- تونس

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023