“مَن نهبَ مَن؟”

“مَن نهبَ مَن؟”

” إن امريكا هي الدولة الأولى في العالم التي مرت مباشرة من مرحلة البربرية الى مرحلة الانحطاط”

الاديب الايرلندي الساخر أوسكار وايلد

 

” لقد تعلمنا العنف منكم”

هذا ما صرخت به ناشطة امريكية من اصول افريقية بوجه النظام الامريكي ردا على قتل مواطنها ’جورج فلويد’

وتستمر هذه الناشطة بهتافاتها المعبرة صارخة:

“لاتتحدثوا عن النهب…

النهب صنعتكم..

امريكا نهبت اصحاب البشرة السوداء..

امريكا نهبت السكان الاصليين…

عندما قدمتم أول مرة…

فالنهب هو ما صنعتموه … وتصنعونه..

وانتم علمتومونا اياه..

لقد تعلمنا العنف منكم..

العنف هو ما تعلمناه منكم”

العنف، النهب والعنصرية تجري في شرايين النظام الامريكي منذ ان وطأت اولى اقدام المستوطنيين الاوربيين اراضي البلاد التي اُطلق عليها لاحقا (أمريكا).  لقد بدأو بالعنف مع بداية التطهير العرقي لسكان البلاد الاصليين.

النظام الامريكي تركب ليمثل مجتمع المستوطنين القادمين من اوربا المشبعة بعنصريتها. بدأت حياة هؤلاء المستوطنين في هذه البلاد بممارسة العنف الاستئصالي.  والتاريخ وثق كيف قام هؤلاء المستوطنون برد جميل قبائل السكان الذيم قدموا لهم الطعام مرحبين بهم.  لقد نقلوا لهم اوبئة اوربا ليقضوا عليم ويحتلوا ارضهم الخصبة.

ان العنف الذي مارسه هؤلاء الاوربيون ضد (الهنود الحمر) هو نفسه الذي ورثوه من ممارسته ضد سكان افريقيا.  ومن امثلة هذا العنف العنصري هو مقتل ما يقارب العشرة ملايين من سكان الكونغو على يد الذي اصبح ملك بلجيكا لاحقا (ليوبلد الثالث).

لقد استخدم المستوطنون الاوربيون مختلف وسائل العنف من اجل ابادة سكان البلاد الاصليين فمن القتل الى حرق المدن والقرى والمزارع الى تسميم المياه واخيرا استخدام (الحرب الجرثومية!)ضد القبائل.

ولم تقتصر عمليات الإستئصال العنصري على مجموعات من المستوطنيين الهمج وانما اصبحت ضمن عمل ممنهج مستند على اوامر وتعليمات من إدارات المستعمرين المختلفة تطورت مع مرور الزمن لعمليات تصدر من خلال قوانين من اعلى الهيئات الادارية(في عام 1830 سن الكونغرس الامريكي قانون ترحيل الهنود الحمر قسرا).

واحدة من ابشع الاحداث التي سجلها التاريخ الحديث والمعبرة عن همجية وعنصرية المستوطنيين الاوريين ضد الشعب الذي رحب بهم وآواهم هو شنهم للحرب الوبائية ضد مختلف قبائل الهنود الحمر وفي مختلف مناطق تواجدهم.  فقد ذكر  الأمريكي ” Henry F. Dobyns” في كتابه ” Their Number Become Thinned” في الجزء الخاص بأنواع الحروب الجرثومية التي أبيد بها الهنود الحمر، بان عدد الحروب الجرثومية التي شنها المستعمرون الاوربيون ضد قبائل الهنود الحمر تُقدر بالعشرات منها 41 حرباً بالجدري ،4 بالطاعون،17 بالحصبة، والكوليرا وغيرها كثير.

وقد توثقت بعض من هذه الحروب الجرثومية ضد شعوب الهنود الحمر من خلال الرسائل المتبادلة بين القائد الإنجليزي العام اللورد “جفري أمهرست” و المرتزق السويسري ” هنري بواكيه”، حيث طلب الاول من الاخير استخدام البطانيات الموثة بجراثيم الجدري الى الهنود الحمر.

وشملت عمليات الابادة حملات تهجير القبائل الى اماكن غير صالحة للسكن البشري او استخدامهم في اعمال السخرة القاسية وحرق قراهم.  لقد اطلق هنود “السينيكا” على “أبي الجمهورية الأمريكية” جورج واشنطن لقب “هدام المدن”.  فقد ادت العمليات التي امر بها الى تهديم 28 مدينة من أصل 30 مدينة كاملة لهنود السينيكا وحدهم من البحيرات الكبرى شمالاً وحتى نهر الموهوك وفي فترة قياسية لا تزيد عن خمس سنوات.  وقد حدث الشئ نفسه لمدن الهنود في مناطق أخرى.

لقد ادت عمليات الابادة هذه الى مقتل ما لايقل عن 18 مليون انسان من الهنود الحمر.  والعملية مستمرة….ولا يشابهها في العصر الحديث سوى ما يقوم به المستوطنون الصهاينة في فلسطين( ذاك الجرو من ذاك الجلب!)

لقد استولدَ هذا العنف الهمجي نفسه داخل مجتمع المستوطنين انفسهم ليمارسوه ضد بعضهم البعض.  إن اقويائهم لم يقتنعوا بما قرصنوه من اراضي سكان البلاد وانما بدأوا بسرقة المسروق من ضعفائهم.  وقد عكست افلام الكاوبوي الهوليوودية كيف قامت عائلات المستوطنيين الثرية بتكوين العصابات المسلحة لا لحمايتها فقط وانما لاستخدامها لتخويف العوائل الاخرى لاجل تهجيرها والاستحواذ على اراضيها.  ومن هذا نتجت عملية تمركز الثروات بأيدي عوائل محددة في مجتمع المستوطنيين. هذه الثروات التي تحولت الى شركات كبرى ليس للزراعة وانما ايضا سكك حديد ومناجم وبترول وصناعات اسلحة وغيرها عديد.

ويتطور العنف العنصري مسيره متمثلا بتجارة الرقيق.  حيث قام عدد من عنصري اوربا بتشكيل العصابات التي تقوم بالتغلغل في غابات افريقيا لاجل اصطياد شباب وشابات افريقيا وحتى أسر كاملة ليتم شحنهم بالسفن الى قارة امريكا.  هنالك يتم بيعهم حيث يٌسخرون كرقيق في الأعمال الزراعية وغيرها من مشاريع.  وقد وثق الكاتب الامريكي ذو الاصول الافريقية (اليكس هيلي) في كتابه (جذور)، معاناة الافارقة الذين تم سلبهم من موطنهم ليوضعوا في الاغلال الحديدية ويشحنوا بالسفن الى الجانب الآخر من المحيط.  تبدأ معاناة الانسان الافريقي من لحظة اصطياده من قبل عصابات مدربة وبمساعدة خونة باعوا ضمائرهم من اجل حفنة (دراهم)، ليوضع في الاغلال.  يتم بعد ذلك تجميعهم رجال ونساء واطفال في مخيمات على الساحل ليتم شحنهم تحت ضرب السياط والركل والقتل للمتمرد. يوضعون بعد ذلك في عنابر السفن مثل البضائع ليبقوا كذلك طوال فترة التي تستغرقها السفن للوصول الى الجانب الآخر. في هذه السفن يتعرضون للجوع والعطش والامراض بالاضافة الى عمليات الاغتصاب. يعتبر (ادوارد كولستون) احد اهم تجار الرقيق في بريطانيا.  لقد قامت شركته (Royal African Company) بين 1680 و1692 بنقل حوالي 84000 من رجال ونساء واطفال افريقيا الى الكاريبي ومنه الى بقية امريكا.  حوالي 19000 من هؤلاء البشر فقدوا حياتهم اثناء النقل.  لقد تمت مكافئة هذا التاجر بعد وفاته بتسمية شوارع وحدائق وجامعات في بريطانيا باسمه وخاصة في مدينته (بريستول) عدا اقامة نصب له .  وقد قام المتظاهرون ضد العنصرية في مدينة بريستول في 07 حزيران 2020 على أثر مقتل جون فلويد الذي تم خنقه حتى الموت من قبل الشرطة الامريكية،  بإنزال تمثال تاجر الرقيق (ادوارد كولستون) المقام  في بريستول والقاءه في النهر مما اثار غضب الحكومة البريطانية.

لقد تتبع اليكس هيلي في كتابه معاناة جده  الاكبر (كونتا كينتي) لحظة نهبه من قبيلته في غامبيا ووضعه في السفينة ونقله الى امريكا. لقد استغرقت رحلة السفينة عدة اشهر وهو مع الاخرين المتكدسين على بعضهم  في عنبار السفينة (القبر) محاطين ببرازهم وبولهم يعانون من الجروح المتقيحة التي اصبحت تجذب الفئران الضخمة عدا القمل والبراغيث. يواصل هيلي تتبع حياة جده وكيف رفض تغير اسمه ومحاولاته المتكررة للهرب والتي ادت الى قطع مقدمة قدمه من قبل مالكه الابيض حتى لايستطيع الهرب مرة ثانية. مع سفر هيلي خلال حياة جده الاكبر وفروع عائلته يكشف المعاناة التي قاساها الافارقة في ظل العبودية.  فقد نص القانون على ان الزنجي يستحق:

القتل اذا حاول الهرب

20 جلدة اذا اُمسك دون تصريح سفر

10 جلدات اذا نظر الى الابيض في عينه

30 جلدة اذا رفع يده ضد مسيحي

لقد حاول المستوطن الاوربي انتزاع انسانية الافريقي من خلال تحويله الى بضاعة لمن يدفع اكثر واذا مرض او هرم يُترك ليموت.  كانوا رهن يمين المالك الابيض نساء ورجال.

وهكذا تشكلت التركيبة الجديدة للإدارة في الولايات المتحدة الأمريكية-نظام الامبريالية الامريكية- على دماء وعظام ومعاناة ودموع العشرات من الملايين من سكان امريكا الاصليين والافارقة الذين نُهبوا من بلدانهم.

ولكن هل اكتفى المستوطنون الاوربيون بهذا النهب الممنهج الذي من خلاله بنوا ما ادّعوا انه (الحضارة) الامريكية.  الجواب الواضح لذلك هو تصدير القرصنة الامريكية الى خارج الحدود. لقد غزوا العالم حيث نقلوا تعطشهم للدماء الى كل انحاء العالم حيث تكون لهم مصالحهم الاستراتيجية. حيث يكون لهم ولهم وحدهم فقط حق النهب والاستحواذ على خيرات وموارد شعوب هذه العوالم واستعبادهم. فبدأو ببلدان امريكا اللاتينية حيث حولوها (حسب مبدأ مونرو) الى حديقتهم الخلفية حيث انتعشت تجارة المخدرات والجنس، حيث يقضي فيها رأسماليها المتخمين عطلات نهايات الاسبوع .

انتقلوا بعد ذلك الى جنوب شرق آسيا بدءاً بالفلبين.  وكما خدعوا شعوب أخرى وعدوا سكان الفلبين بمساعدتهم بالتحرر من الاستعمار الاسباني.  وحالما اندحر الأسبان بعد الضحايا الكثيرة التي قدمتها المقاومة الفلبينية، قرر الرئيس الامريكي آنذاك (وليام ماكينلي) عدم اعطاء الفلبين لسكانها متحججا بقوله ان الله قد أوحى له بذلك (  نفس الشئ تكرر مع جورج بوش الابن في سبب غزوه العراق، بان الله قد اوحى له بالذهاب لانقاذ الشعب العراقي). وتستمر الهراوة العسكرية الامريكية في تجوالها المدمر في المنطقة عبر اساطيلها لينتج عنه حروب مدمرة في كوريا ادى الى تقسيمها، وحروب في فيتنام ادت الى ابادة جماعية للبشر والطبيعة من خلال قنابل طائرات ال B52 والحرب الكيمياوية التي لازالت آثارها تظهر على البشر والحيوانات والنباتات.  وهنا يجب ان لاننسى الانقلاب الدموي الذي خططت له المخابرات الامريكية في اندنوسيا الذي راح ضحيته الملايين من البشر. والسبب هو وجود حكم وطني وديقراطي لكن ليس على الشاكلة التي تتماشى مع القرصنة الامريكية. وان الشيء بالشيء يذكر فأن الانقلاب العسكري الدموي الذي نفذته ايضا المخابرات المركزية الامريكية في تشيلي بتوجيه مباشر من سيء الصيت (كيسنجر) كان ضد حكومة الحزب الاشتراكي برئاسة الشهيد سلفادور الليندي الذي تم انتخابه ديمقراطيا على الطريقة الغربية. لقد قاد هذا الانقلاب العسكر الدكتاتور (بينوشيه) الذي سبب في مقتل واعتقال وتعذيب مئات الآلاف من مواطني تشيلي.  وكذلك لنتذكر الانقلاب العسكري والدموي الذي خططت له المخابرات المركزية الامريكية وكالعادة مع مساهمة نشطة من الادارة البريطانية، للاطاحة برئيس وزراء ايران ( محمد مصدق) في اواسط خمسينات القرن الماضي.  ايضا محمد مصدق جاء للحكم من خلال برلمان منتخب ديمقراطيا لكنه كرجل وطني اراد استرجاع ثروة بلاده النفطية.  فمشكلة هذا القائد الوطني انه اراد الوقوف ضد قرصنة ثروة شعبه. والنتيجة هي الاطاحة به وسجنه والاتيان بالشاه الديكتاتور (مع سافاكه) الدموي.

ولم تمضي سوى سنوات قليلة لتعيد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تجربتها مع ايران لتقوم بالتخطيط لانقلاب شباط الاسود الدموي ضد نظام ثورة 14 تموز الوطنية والاتيان بنظام البعث لأول مرة. لقد جاء هذا الانقلاب ردا على محاولة النظام الوطني لاسترجاع بعض من ثروة العراق التي كانت يُستحوذ عليها من قبل الشركات الغربية.  وقد علقت إحدى الصحف البريطانية عقب نجاح الانقلاب بقولها ( لقد سالت دماء كثيرة في هذا الانقلاب … ولكن حمدا لله لم تسل ولا قطرة نفط واحدة).  نعم كان هذا صحيح تماما لقد راح ضحية هذا الانقلاب مئات الآلاف من العراقيين قتلى في الشوراع او في السجون تحت التعذيب  في قصر النهاية وغيرها من المعتقلات.  التعذيب الذي كان يقوم به   صدام حسين واياد علاوي وكثير غيرهم ممن لازالوا يتنفسوا الهواء.

البشر مقابل اللابشر 

(لمزيد الاطلاع) “اللا بشر”: الإنتهاكات البريطانية السرية لحقوق الإنسان/ الجزء الأول- العراق…ترجمة: عزام محمد مكي

“اللا بشر”: الإنتهاكات البريطانية السرية لحقوق الإنسان…ترجمة: عزام محمد مكي

قد يظن من قرأ المادة السابقة بأني قد خرجت عن الموضوع الرئيسي الذي هو العنف والنهب العنصريين في اميركا.  ولكني تصوري يصر بان الموضوع واحد.  إن ممارسات المستوطنيين الاوربيين العنصرية في النهب والقرصنة هي استمرار لممارساتهم ضد الهنود الحمر وضد الافارقة الذين تم نهبهم من بلادهم ليسخروا من اجل ثراء المستوطن الابيض.

ان ممارساته هذه نابعة من رؤيتهم للعالم حيث يعتبرون بانهم (البشر) لهم الحق فقط بالتمتع بالحياة وثروات الارض، وما على بقية العالم (اللابشر) الا العمل على خدمتهم. ان نظرتهم الى بقية العالم (اللابشر) ليس اكثر من لحم لاقيمة انسانية لها.

وانا هنا أُذكر بمثال لايمكن لأحد نسيانه خاصة من كان واعيا في العيش في العراق خلال تسعينات القرن الماضي. ففي الحرب على العراق التي قادتها امريكا ضد العراق بحجة تحرير الكويت من قبضة صدام (مع العلم بان امريكا هي بالذات من اعطت الضوء الاخضر للمهووس صدام بالقيام بأحتلال الكويت) تم تدمير جميع البنى التحتية للعراق التي لم تجلب الضرر سوى للشعب العراقي.  وعندما انتفض الشعب العراقي ضد الديكتاتور اعطوا الضوء الاخضر لصدام لإغراق الإنتفاضة بالدم التي نتج عنها المقابر الجماعية المعروفة.  بعد هذا الدمار الماحق الذي لحق بالناس العاديين لحقه حصار اقتصادي وحشي لم يسبق له مثيل.  حيث حُرم البشر في العراق من ابسط مقومات الحياة عدا الخراب الذي لحق بمنشئات الكهرباء والماء والصرف الصحي ونقص الادوية الذي أثر اكثر ما أثر على الاطفال. والشيء الذي يجب ان لايُنسى هو استخدام سلاح اليورانيوم الذي سمي (تلطيفا) بالمُنضب. لقد تم استخدام 500 طن في حرب الخليج1991  ولكن في الغزو الامريكي 2003 تم استخدام ما يقدر 2000 طن من اليورانيوم.  هل هناك حاجة للتذكير بالعواقب التي يجابهها الشعب العراقي  من جراء التعرض لهذا السلاح المفترض انه محرم دوليا.  ولكن لماذا هذا الاستخدام الماحق ضد الشعب العراقي الذي ليس له ذنب فيما قام به الدكتاتور الفاشي صدام في غزو الكويت.  ان الشعب العراقي هو اول ضحايا نظام صدام الفاشي فهل كان يُعاقب على ذلك. فلماذا قصف بغداد وبقية المدن والجسور والبنى التحتية اذا لم يكن الغرض اركاع الشعب.  هنا اتذكر وزير في الحكومة البريطانية (مع العلم انه من المحافظين) كان من المعترضين. حيث سأل رئيس الوزراء قائلا انه عندما قصف الجيش الجمهوري الايرلندي مقر اجتماع المحافظين ( وكانت النية لاغتيال تاتشر)، هل ذهبنا لقصف مدينة دبلن؟ فلماذا نقصف مدن العراق إذن. الجواب الواضح والغير معلن يكمن في  (كيف ينظرون لنا؟).  نحن بالنسبة لهم (اللابشر).  وعلينا ان نتعلم بانهم الاسياد ونحن وبقية شعوب الله عبيد لهم.  والمثال الاكثر وضوحا والصارخ هو ما صرحت به مادلين ألبرايت سفيرة الولايات المتحدة الامريكية الى الامم المتحدة ايام حصار التسعينات والتي اصبحت بعد ذلك وزيرة للخارجية الامريكية في كنون ثاني 1997 .  في عام 1996 اي بعد خمسة سنوات من فرض الحصار على الشعب العراقي، تم تسجيل وفاة ما يقارب 600 الف طفل عراقي كنتيجة مباشرة  للحصار.

ففي مقابلة مع السفيرة مادلين ألبرايت في برنامج 60 دقيقة على قناة CBS News في آيار 1996، سألتها المذيعة ” لقد سمعنا بوفاة اكثر من نصف مليون طفل عراقي كنتيجة مباشرة للحصار وهذا أكثر من عدد الوفيات في هيروشيما”.  فكان جوابها وبكل برود “نعم انه اختيار صعب ولكن  الثمن يستحق ذلك”.  بمعنى أن أهداف السياسة الأمريكية تستحق التضحية بنصف مليون طفل عراقي.

هل هناك اوضح من هذا الموقف العنصري؟  فبالنسبة للادارة الامريكية فان نصف مليون اوحتى الملايين من البشر هم لاشيء تجاه اهدافهم السياسية في النهب والاستحواذ.

لو كان الامر متعلق بشخص صهيوني مستوطن تعرض لحجارة من متظاهر فلسطيني يرفض سلب ارضه، فلكم ان تتصوروا ما سيكون عليه موقف هذه السيدة الرقيقة المشاعر.

ويستمر الكاوبوي الامريكي ومعه (جروه ) الادارة البريطانية في التصعيد ضد الشعب العراقي حصارا وقصفا لينتهي في الحرب المباشرة ضد الشعب العراقي من خلال غزو 2003 وما نتج عنه من استكمال التدمير والقتل الممنهج.

فهل من المستغرب بعد كل هذا العنف العنصري التدميري للعراق شعبا وبنى تحتية ان تنهض حركة مقاومة مسلحة من رحم الشعب العراقي ضد الاحتلال الامريكي، في الوقت الذي انخرطت النخب والاحزاب المعارضة لنظام صدام في العملية السياسية للمحتل الامريكي وتحت قيادة الحاكم الامريكي، التي انتجت نظام طائفي مهد لصراعات طائفية مفتعلة.  واستمرالاحتلال في تغوله  في اضهاد الشعب العراقي بكافة مكوناته.  استطاعت هذه الفصائل المقاومة وبامكانيات بسيطة وبدعم من محور المقاومة من اجبار المحتل على اخراج قواته العسكرية المقاتلة تحت جنح الظلام. وعندما عاد الاحتلال من شباك داعش وكادت بغداد تسقط، بقيت نفس القوى السياسية المحتارة من يسارها الى يمينها، في صراعاتها على المكاسب والمغانم مع تواطؤ الكثير من القوى السياسية مع الهجمة الداعشية بتوجيه من المحتل، استنهضت فصائل المقاومة الاسلامية العراقية قواها لمقاومة داعش.  استطاعت هذه الفصائل من تحشيد القوى الشعبية لتكوين الحشد الشعبي الذي استطاع  مع دعم محور المقاومة من دحر داعش والانتصارعليه رغم المؤامرات عليه من قبل الاحتلال وادواته الداخلية.

وهكذا يتضح الحبل السري الذي يوحد الشعوب كافة في صراعها ضد سياسات التمييز العنصري والنهب الاستحواذي القرصني للنظام الامبريالي. هذا الصراع الذي يستوجب توحيد جميع القوى الوطنية في جميع الساحات في تضامن اممي فريد في نوعه في تنوع مراجعياته وخلفياته الفكرية والقومية والسياسية ما دامت كلها تصب في مقاومة الحصار العنصري الاستكباري الذي يريد خنق الشعوب.  فلنا هنا مثال ساطع في إستطاعة ايران على كسر الحصار الامريكي  المزدوج ضد ايران الدولة الاسلامية وضد فنزويلا اليسارية.  ولنا مثال هنا في العراق وهو الحشد الشعبي، المشروع الوطني الذي استطاع من اعادة لحمة الوحدة الوطنية من خلال امتزاج دماء مختلف طوائف واعراق الوطن في تحريره من داعش وفي اكمال مسيرة التحرير من ربقة الاحتلال.

يجب ان لا يوجد فيتو على اية فصيل او جماعة او حزب تقاوم مشاريع الاحتلال الصهيوامريكية بحجة مرجعيتها الفكرية او الدينية او غيرها ما دامت بوصلتها الوطن وتحرره.

ليكن تحرير الوطن وسعادة شعبه هو المحور وهو البوصلة!

 

uruk1934@gmail.com

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023