نحن الجزائريون…متى نحقق معنى المواطنة في سلوكاتنا تجاه البيئة؟

نحن الجزائريون…متى نحقق معنى المواطنة في سلوكاتنا تجاه البيئة؟

بقلم: فوزي حساينية-كاتب جزائري |

الآن ومع حلول فصل الصيف ، وبداية موسم الإصطياف فلا شك أن الوجهة المفضلة ستكون نحو الشواطئ، والجزائر كغيرها من الدول الساحلية تتوفر على عدد كبير من الشواطئ الصالحة للسباحة والاستجمام ولكن وكما هو معروف فإن الجزائر لم تنجح بعد في تطوير قطاع السياحة بما يتناسب مع الإمكانيات الهائلة التي تتوفر عليها البلاد، ويعود ذلك إلى أسباب ليس هنا مجال مناقشتها، ولكنني أريد أن أتوقف في هذا المقال عند نقطة محددة، وهي تلك التصرفات المشينة وغير الحضارية التي يقوم بها أغلب المصطافين طوال موسم الإصطياف ! فكم هو غريب ومؤلم ٌ أمر المواطن الجزائري، الذي طالب السلطات العمومية بضرورة تحقيق مجانية الشواطئ، وبضرورة توفير الأمن ليتمكن من زيارة الشواطئ دون مشاكل.

إلى هنا الأمر مفهوم ، وهذين الطلبين معقولين إذ أن أغلب الشواطئ وعلى مدار سنوات خلت كانت تتحول مع بداية موسم الإصطياف إلى شبه محميات من قبل جماعات من الأشخاص الذين يستخدمون القوة وأساليب الترهيب والبلطجة لإجبار المصطافين على دفع مبالغ مالية مبالغ فيها ليس لركن السيارات فقط بل وحتى لحجز مكان فوق رمال الشواطئ، وحدث أكثر من مرة أن قام هؤلاء البلطجية بإزهاق نفس هنا أو هناك على إثر شجار مع بعض المواطنين الذين يرفضون الخضوع للإبتزازات، لكن منذ السنة الماضية قامت الدولة باتخاذ إجراءات حاسمة مما جعل مظاهر العنف والبلطجة والإبتزاز تحت التهديد تختفي من الشواطئ والمواطن الجزائري المعروف بـــ” تشراك الفم ” سيقول على الفور: إن مجانية الشواطئ والأمن فيها ، واجب من واجبات السلطات العمومية، وبلا مزية منها. حسنا، ليكن الأمر كذلك، لكن المفارقة أن المواطن الجزائري الذي طالب محقاً بتأمين الشواطئ ، و بجعلها مجانية، لم يلبث أن شرع يعيث فيها فسادا وتلويثا، دون أن يشعر بخطورة تصرفاته، وما يترتب عنها من نواجم خطيرة على البيئة والصحة العمومية وعلى صورة وسمعة البلاد.

في الصائفة الماضية زرتُ شاطئ ” كاف فاطمة ” إحدى شواطئ ولاية سكيكدة المقصود بكثرة من قبل العائلات القاطنة بولاية سكيكدة وعديد الولايات المجاورة ، ومنذ الوهلة الأولى يسكنك إنطباعٌ قوي أن الأمن متوفر على أحسن مايرام فرجال الدرك الوطني حاضرون هناك باحترافية كبيرة، كما أن الشاطئ مجاني، وهناك فقط مبلغ 100 دينار مقابل ركن السيارة وحراستها ، وهذا أمر بسيط وعادي وقانوني تماما، وأيضا رجال الحماية المدنية موجودون، وحضورهم واضح تماما، ما يعني أن السلطات العمومية استجابت لمطالب المواطن الجزائري، في جعل الشواطئ آمنة ومجانية …إلخ

وفضلا عن ذلك إذا أردت تأجير شمسية ، أو كراسي وطاولات ، فهذا أيضا متوفر وبأسعار معقولة، أما عن جمال الشاطئ، ومتعة السباحة فيه، وقضاء أوقات جميلة مريحة للأعصاب والجسم ، فهذا أمر مفروغ منه، فالشواطئ الجزائرية معروفة بجمالها وسحرها ومزاياها الطبيعية في توفير الراحة والمتعة للمصطافين.
لكن الأمر الوحيد الذي لم يكن جميلا ، ولا جيدا ، ولا ملتزما بأبسط واجباته، هو  المواطن الجزائري، هذا المخلوق ، الذي يحضر إلى الشاطئ يأكل ويشرب هو وأبناؤه أو أصدقاؤه، ثم يرحل تاركا خلفه بقايا أكله وشربه مرمية على الشاطئ ، في صورة منفرة ومقززة تدل بوضوح على أن هذا المخلوق الذي يُسمى ” المواطن الجزائري ” والذي كثيرا ما يردد في حق بلده ودولته عبارات من مثل ” هذه ليست دولة ” و ” عمرنا مانديرو دولة ” و ” دولة ميكي ” ! وغيرها من العبارات التي قد تصدر عن فم المواطن الجزائري لأتفه الأسباب ، وفي مختلف الظروف،نعم هذا المخلوق الجزائري، أو ” المواطن الجزائري ” رأيته في شاطئ كاف فاطمة، يأكل الدلاع ويرمي القشور على رمال الشاطئ النظيف، يُحضر معه مختلف أنواع المأكولات من مرق وخبز وسلاطات ليأكل ويتلذذ ، ثم يترك بقايا أكله وشربه في عين المكان، أما عن علب العصير البلاستيكية والقصديرية ، والدلاء ، وأغلفة مختلف أنواع الكعك والحلويات فهي في كل مكان، أما إذا دخلت للسباحة فأنت لن تكون وحيدا ، لأن القوبليات، وعلب الياغورت، وعدد هائل من أكياس البلاستيك كلها تسبح إلى جانبك،وكأنها تريد أن تشاركك متعة وبهجة البحر، والأكثر من ذلك إثارة للحزن والغضب والأسف أن بعض النسوة لايترددن في تغيير حفاظات أبنائهن، ورمي الحفاظات المستعملة على رمال الشاطئ، وكأن رمال الشاطئ في نظرهن مكب نفايات لا مكانا للسباحة والترويح عن النفس.
سألتُ أحد المشرفين على الشاطئ، فقال لي : كل يوم نقوم بالتنظيف، لكن للأسف  تعود الأمور إلى حالها دائما ، فالمواطن الجزائري يُصرُّ على تلويث شواطئ بلاده تلويثا دائما وكاملا ، فهذا حقه فيما يبدو بل من واجبه أن لا يترك مكانا في هذا البلد الجميل نظيفا ، ولو كان شاطئ البحر. وأكثر ما آلمني هم أولئك الأطفال الصغار الذين يرون تصرفات الكبار تجاه البيئة ويقتدون بها على الفور ، مما يعني أننا سنُورِّثُ للأجيال الصاعدة تراثا قبيحا في التعامل مع البيئة، وهذا وجه الخطورة فيما يصدر عنا اليوم من سلوكات بهيمية في حق البيئة والمحيط..
هكذا إذن، المواطن الجزائري، فيما يبدو، طالب السلطات العمومية بتوفير الأمن والمجانية في الشواطئ، لكي يتفرغ هو للقيام بدوره في تلويث هذه الشواطئ، وإفساد الجمال الذي ظلت تتمتع به طوال قرون، قبل أن تصل إليها أقدام المواطن “الجزائري الحر العظيم”، والذي يعتقد أن من صميم حريته أن يلوث كل مكان جميل، فهذا حقه بل واجبه، ولا أحد يملك الحق في نهيهِ أو الإنكار عليه.

أيُّها المواطن الجزائري، سلوكك تجاه الشواطئ، والبيئة عموما هو الأسوأ من نوعه في العالم، لايحق لك ” تشراك الفم ” عن الدولة وكذا وكذا ، وأنت عاجز عن القيام بأبسط السلوكات البيئية السليمة ، وتقول بعد ذلك: أنك نظيف  وأنظف من ”  لقور”،إذهب إلى شواطئهم لتكتشف من هو النظيف ؟ فيا أيها المواطن الجزائري ، حقق معنى المواطنة في نفسك وسلوكك ، قبل أن تؤاخذ غيرك ، وتنتقد السلطات العمومية في بلدك، وتذكر ” أن الله لا يصلح عمل المفسدين”..

لا أريد أن أطيل ، وإلا فهناك الكثير مما يمكن قوله، فالقلب يوشك أن ينفجر من الغضب ، و النفس توشك أن تحتضر من  الحسرة ، كما أن عقل المرء يوشك أن يذهب ضحية ” للجنون “…لماذا نحن معادون للبيئة ولا نكترث لمتطلبات المحافظة عليها ؟ لماذا ؟ لماذا ؟…

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023