هذا ما جرى قبل الكارثة (قصة الهزيمة): من كتاب الغيب للشيخ اسعد بيوض التميمي خطيب وامام المسجد الاقصى قبل 1967

هذا ما جرى قبل الكارثة (قصة الهزيمة): من كتاب الغيب للشيخ اسعد بيوض التميمي خطيب وامام المسجد الاقصى قبل 1967

د. أسامة إسماعيل

الذي حدث في عام 1967 لم يحدث في تاريخ البشرية ، ثلاثة ملايين من البشر ( يغلبون ) (150) مليونا من العرب إنه لأمر يثير الدهشة والعجب ، هنا أروي قصة :(( حدثت (الهزيمة) وأنا في بيروت في مهمة رسمية ، حيث كنت مديرا لدار الأيتام في القدس ، فقد ذهبنا نشتري ورقا لمطبعة دار الأيتام من السوق الحرة في بيروت ، وبعد ذلك حضرت إلى عمان ثالث يوم ( التسليم ) ، وبينما أنا سائر في أحد شوارع عمان الرئيسة ، التقيت بمدير المخابرات في ذلك الحين محمد رسول زيد الكيلاني فقال :” أنت قلت لأخي أبراهـيم في القدس قبـل أسبوع وأنـتم في الأقصى ، صل صـلاة مودع لهذا المسجد فإنك لن تعـود “، وكان الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني قد زارني في القدس ، وكان مسؤولا عن الأحاديث الدينية في الإذاعــة ، فأراد أن يسجـل لي حديثــا ، وكانت أجــواء الـحرب تسيطر على المنطقة ، وكان عبد الناصر قد سحب البوليس الدولي من سيناء ، تمهيدا لما حدث لإحتــلال بقية فلسطين وسينــاء كلها والجــولان . فلما بدأ الشيخ إبراهيم في تسجيل الحديث ، قلت له :” يا شيخ إبراهيم ، والله لا تنتصر هذه الأمـة لا على أيدي الثوريــين ولا على أيدي الرجعيـين ، هي مهزومة لا محالة ، لإنها أمة لا تحارب بعقيدتها ، وقد أعلنت الحرب على ربها ” ، فقـال :” هذا كلام لا يمكن أن يذاع ” . فقلت :” سجله للتاريخ ” . فنزلنا إلى الأقصى فصلينا الظهر ، ووضعت يدي على كتفــه فقلـت :” يا شـيخ إبراهــيم صل صلاة مودع لهذا المسجد فإنك لن تعود ” . يذكر الشيخ إبراهيم هذه الحادثة بين الحين والحين في دروسه . وكان قد أستولى علي شعور بأني أودع الأقصى ، فكنت أرسمه في ذهني ، أتطلع إلى معالمه وإلى جدرانه ، وأقول في نفسي : ” غدا سأذكر هذه وهذه . . وهذه ” ، فلما قابلني محمد رسول في أحد شوارع عمان بعد الهزيمة قال :” أنت قلت لأخي الشيخ إبراهـيم صـل صـلاة مودع لهذا المسجد فإنك لن تعـود : ، قال لي :” كيف علمت ذلك ؟! ” .. فقلت له بإنفعال :” والله لو نصرتم لكان القرآن من عند غير الله ، كيف تنتصرون ؟ ولم تنتصرون !!؟ . الحكومات إهترأت ، والشعوب اهـترأت على أيديهـا ، والمقدمات أعطت النتـائج ، والذي صار كان لا يمكن إلا أن يصير ، وكنت أعرف أنكم مهزومون لا محالـة ، ولكن الذي لم يدر في خلـدي ولا سجل في دفتري هو أنكم (ستهزمون) في ساعتين إثنتين فقط ، لا في ست سنوات ، ولا ستة أشهر ، ولا ستة أيام ، إذن الأيام الستة التي سميت بها هذه الحرب ، هي من باب التضليل أيضا ” . ثم قلت له :” إني غير يائس ، وسيخرج الجوهر قريبــا من هذه الأمة ، فتقاتل في سبيل الله ، لا في سبيل قومية أو إشتراكية ، ولا رأسمالية ولا شرق ولا غرب ، وعند ذلك سيأتي النصر ” .

وأشاع محمد رسول الكلمــة في الأوساط السياسيــة ، بأني قلت لو انتصر العرب في هذه الحرب لكان القرآن من عند غير الله ، وجــاء الأمير سلطـان بن عبد الـعزيـز ، ليتفقد القوات السعودية ( المظفرة ) (التي احتلت معان والكرك) وأقام له السفــير السعودي في ذلك الوقت أحمد الكحيمي حفل عشاء ، وكنت حاضرا لذلك الحفل ، وكان في مجلســه في تلك الحفلـة عدد من السياسيين من بينهم وصفي التــل ، فقـال وصفي التــل :” إن هنــاك شيخــا عندنا في الأردن يدعـى الشـيخ أسعد الـتميمي يقــول :” لو نصر العرب في هـذه الـحرب لكان الـقرآن من عند غـير الله ” ، فقــال له السفـير الكحيمي :” إنه موجود في الحفلة “، وجاء وأخذني إلى مجلس الأمــير ، فقــام وسلم وقــال الأمــير :” كيف لو انتصر الـعرب لكان الـقرآن من عـند غير الله ؟!! ” . فقلت له :” يا سيـدي إن القرآن وضــع شروطـا معينــة للنصر ، لا تنطبق عليكم ” . فقــال الأمير :” المسؤول عبد الناصر ؟ ” ، فقلت له :” والله إني لأعرف عبد الناصر حقيقة المعرفة ، ولكن ليس هو وحده المسؤول ، وكلكم مشتركون في الجريمة ، ولكنه كبيركم الذي علمكم السحر ” .. وكان في مجلس الأمير أيضا المشير حابس المجالي (قائد الجيش العربي) ، فألتفت إليه ووضعت يدي على رأسه وقلت :”أسألك بالصـلاة على الرسول هل أنتم أهل للنصر ؟ ” ، فقال :”لا”، فألتفت إلى الأمير وقلت هذا قائدهم ” )) .

وكنت في الأقصى أحذر من النكبة في درس أسبوعي ، وأحذر الأمــة من الذي سيحدث ، وخصوصا تحدي الله كان في أوجه ، ففي المؤتمر الأول لمنظمــة التحـرير الذي عقـد في القدس سنة 1964 ، وهم يضعون بما يسمى بالميثاق الفلسطيني ، قالوا إن المسؤولين عن تحرير فلسطين هم الفلسطينيون والعرب ، فقام واحد من المؤتمر وقال ” أضيفوا المسلمين أيضا ” ، فقــامت أصوات الحمير تنهق :” هذه رجعية ” وبعد نقاش حاد عرضوا الأمر على التصويت ، فالذين يريدون المسلمين حصلوا على (151) صوتا ، والذين لا يريدون المسلمين حصلوا على (162) صوتا ، (فسقط الإسلام) حسب زعمهم على جبل الزيتون . وأصابتني رعدة وأثارت أعصابي ، وتمنيت أن يكون غدا الجمعة لأقول كلمتي في الأقصى ، وكنت أهاجم المؤتمر والمؤتمرين في كل لحظة ، لأنني تصورت غضب الله على هؤلاء القوم وأنهم سيشردون بقية أهل فلسطين في هذا القرار الكافر الجائر .

وجاء يوم الجمعة ، فوقفت بعد الصلاة ، وكان مندوبو الملوك والرؤساء قد جاؤوا إلى الأقصى ليصلوا الصلاة التقليدية ، والتي تكون غالبا بغير وضوء ، إذ أن الصلاة لا تليق بهؤلاء الذين صنعوا الهزائم والسخائم لأمتهم ، وكان عدد هؤلاء المندوبين ثلاثة عشر مندوبا لا أكثر الله من عددهم ، فوقفت في الأقصى بعد الصلاة أقول :(( ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، يا أخوتنا في الباكستان ، يا أخوتنا في أفغانستان ، يا أخوتنا في تركيا ، يا أخوتنا في نيجيريا .. أيها المسلمون في كل الأرض .. لا تؤاخذونا بما فعـل السفهــاء منا ، يا صلاح الدين وأنت الكردي ، أطل من وراء القـرون لتر ما فعل الصبية على جبـل الزيتون ، لقد رقـص البـابا طربا على قـرار الصبيـة ليلـة أمس ، وأبشركم بذهاب البقية من (فلسطين) بسبب غضب الله ، والتي لولا الإسلام لما كانت فلسطين عربية . لكنه العمى أصاب العيون وأصم الآذان وأغلق القلوب وكما قال الله تعالى (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ) [ البقرة : 7 ] ))

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023