هل يمكن لبايدن طي صفحة ترامب بخصوص إيران؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

تداول السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية بين الديمقراطيين والجمهوريين،

انتهت أيام ترامب بكل ما حملته من شر، ظهر في شكل عقوبات هستيرية أصدرتها إدارته، استهدفت تحديدا إيران الإسلامية، طالت جميع ما اختزله حقده عليها، حتى ما تعلق بالمختبر الذي حقق انجازا متعلقا بلقاح كورونا ورئيسه محمد مخبر، وقد كشف هذا مدى الحقد الغير مبرر، من طرف رئيس وادارة لا يخجلان من اقتراف اي مخالفة أو جريمة، من أجل عيون الكيان الصهيوني.

رحل ترامب حاملا أوزار خطيئاته، يجر أذيال فشله في تركيع النظام الاسلامي بإخضاعه الى ارادة أمريكا الصهيونية، في تغيير سياساته الخارجية وفي مقدمتها التراجع عن القضية الفلسطينية، والخروج عن مشروع مقاومته للكيان الصهيوني، الى ما التطبيع الذي ارتمت في احضانه دول الخليج والسودان والمغرب، في انتظار أن تحذو بقية الدول العربية والاسلامية حذو من باع القضية الفلسطينية، ولم يبقى سوى القليل ممن يعتقد أنهم سيصمدون أمام الاستدراج الأمريكي.

كان منتظرا أن يلغي الرئيس الأمريكي الجديد (جو بايدن) جميع قرارات سلفه الأخيرة في يوم واحد بعد أدائه اليمين الدستورية، وقد فعل ذلك باستثناء انسحابه من اتفاق الملف النووي الإيراني، حيث أظهر استعدادا للعودة إليه، لكن بخبث السياسية الأمريكية المعهودة، والتي لا تتغير بتغير رؤسائها، في تقديم أي خدمة لصالح الكيان الصهيوني.

الاتفاق النووي الذي امضت عليه دول الاتحاد الاوروبي ( بريطانيا المانيا فرنسا ) بالاضافة الى الصين وروسيا وأمريكا، وخرجت منه هذه الاخيرة بقرار أحاديّ الجانب من الرئيس المنتهية ولايته، يقضي بمنح ايران امتيازات اقتصادية، بما في ذلك رفع العقوبات المسلطة عليها، رفع تجميد أرصدتها المالية في البنوك العالمية، لم يتحقق منها شيء لإيران، وبذلك لم تفي الأطراف الموقعة مع إيران بالتزاماتها، ما حدا بها إلى اتخاذ مواقف وقرارات اعتمدتها من صلب الاتفاق، ورأت فيها حافزا للأطراف الموقّعة، لتفعيل الإتفاق بأسلوب التهديد للخروج منه بندا بندا، وهذا الذي اعتبره الجانب الأوروبي خروجا عن روح الاتفاق، وطلبا مجددا للعودة اليه مجددا.

الأطراف الأوربية والأمريكي، تمشيا مع الرغبة الصهيونية، في اخضاع إيران لمشيئتها، تريد أن تجبر إيران الى مفاوضات جديدة، يضاف إليها البرنامج الدفاعي الصاروخي، بالسيطرة عليه وتحديد مداه، من أجل إبعاد خطره على الكيان، وهو أمل تسعى سياسات الغرب للوصول اليه، مع علم دوله أن إيران بنظامها الاسلامي الثوري، وحاضنته الشعبية العريضة التي تتجاوز حدود إيران لتصل الى بلدان عدة شرقا وغربا، لن يستجيب لإملاءات الغرب مهما كانت درجة الضغط عليه وقد اثبت بجدارة صمودا اسطوريا في وجه سلسلة القوبات الظالمة التي سلطت عليه، وقراره الاخير بشأن هذا الملف، تمثل في تصريحات مسؤوليه الثابتة، بأنه لا مفاوضات جديدة بشأن الملف النووي، وعودة أمريكا إليه دون أن ترفع العقوبات المسلطة، لن يغير من موقف إيران بتفكيك بنود الاتفاق، نظرا لعدم وجود نية حقيقة في تطبيقها، والفضل في بقائه قائما، يعود إلى وفاء إيران بما التزمت به، لكن ذلك لن يبقى دون وفاء من الأطراف المعنية به.

المتحدث باسم الحكومة الإيرانية (علي ربيعي)، في مؤتمره الصحفي الاسبوعي، تعليقاً على موقف طهران حيال تصريحات بعض المسؤولين الاقليميين، حول اتفاق نووي أفضل مع إيران، أوضح أن قبل عودة أميركا إلى التزاماتها تجاه الاتفاق النووي، لا يمكن التفكير في مفاوضات جديدة، مشيراً إلى أنه على الإدارة الأميركية العودة دون شرط، عن كل الإجراءات التخريبية للاتفاق النووي، بنفس السرعة التي اتخذها فيها ترامب .

أما عن إعلان اليابان وبعض الدول العربية مشاركتها في مفاوضات جديدة حول الاتفاق النووي الإيراني، قال نرحب بدور اليابان بشكلٍ عام، باعتبارها شريك مهم وصديق في الشؤون الدولية، لافتاً إلى أن “المفاوضات حول الاتفاق النووي انتهت بالنسبة لنا، وليس من المقرر إقامة مفاوضات جديدة، المسألة الوحيدة المتبقية اليوم، هي عودة جميع الأطراف في الاتفاق النووي، إلى التزام بتعهدادتهم تجاه الاتفاق”.

كما علّق على بيان الترويكا الأوروبي، حول نشر أجهزة طرد في مفاعل (نطنز)، قائلاً : كان من المتوقع نشر 500 جهاز طرد مركزي في (نطنز)، كخطوة مقابلة لانسحاب أميركا من الاتفاق النووي، وهذه الإجراءات متضمنة في نص الاتفاق النووي.

وأضاف من الممكن أن تعود إيران عن جميع خطواتها، في حال عادت أميركا إلى تنفيذ التزاماتها تجاه الاتفاق النووي.(1)

ايران تعرف جيّدا نوايا أمريكا تجاهها، وهي تتصرف وفق سياستها الثابتة تجاهها، وسياسة الهيمنة الخارجية الأمريكية على العالم، وتقاليدها المستمرة في حماية الكيان الصهيوني، سواء أكانت الانتخابات الرئاسية أرست على ديمقراطي أم جمهوري، فإن قرارات البيت الابيض الأمريكي، تبقى رهينة تحكم الدولة العميقة، التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية في قلب أمريكا، وتبقى الاسماء مجرّد أدوات منفّذة لتلك السياسة المنحازة، ومن كان ينتظر تغييرا جذريا في السياسة الامريكية، فإن انتظاره سيطول، دون أن يرى فيما يأمله شيئا.

عقلية الهيمنة والسيطرة متأصّلة في الحزبين الامريكيين الحاكمين وكليهما يؤمنان (بالسيادة الأمريكية على العالم، لكن مع اختلاف في الوسائل. فالأولى ترى فرض السيادة ولو اقتضى الأمر استخدام القوة العسكرية، بينما الثانية تؤمن بفرضها، لكن بوسائل الإغراء، وتأثير القوى الناعمة، وإمكان أن تكون السيادة بمشاركة آخرين، يدخلون معها في تحالفات وصداقات، ومصالح تخدم الأمن القومي الأمريكي.. وكلا الحزبين يدعمان الكيان الصهيوني بكلّ صراحة ووضوح، وهذا يجعلنا لا نتفاجأ بالمقولة الشهيرة التي نسمعها بعد كلّ انتخابات أمريكية، والتي مفادها: “إنّ الرئيس القادم هو من أكثر الرؤساء المؤيدين لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة”، ولا غرابة في ذلك؛ لأنّ كلا الرئيسين الديموقراطي والجمهوري استخدما حق النقض (الفيتو) 42 مرة لصالح الكيان الإسرائيلي منذ تأسيس هيئة الأمم المتحدة عام 1945)(2)

ليس بإمكان الرئيس الجديد (جو بايدن) أن يغير الكثير من قرارات سلفه ترامب، خصوصا فيما تعلق بإيران، بل لعله سيسعى للضغط مجددا، استجابة لرغبة لقيطة بلاده، مع أن لديه قناعة بأن سياسة الضغوط القصوى التي مارسها سلفه، قد باءت بالفشل أمام ثبات وصمود إيران، وليس أمام (بايدن) سوى العودة للاتفاق، مع محاولة إدخال أطراف أخرى، قد تضغط بدورها من أجل تعديله، أو ادخال الصواريخ الايرانية ضمنه- هاجس الكيان الصهيوني والعرب الصهاينة- وهذا من سابع المستحيلات تَحَقّقه، ودون ذلك حرب سيادة إيرانية، تعيد العقول المتنطّعة إلى محلّ تعقّلها، إذا لم تكن طارت من أساسها.

المراجع

1 – ربيعي لا مفاوضات قبل عودة واشنطن لالتزاماتها تجاه الإتفاق النووي

https://www.almayadeen.net/news/politics/1441197

2 – الفرق بين الحزب الجمهوري الأمريكي والحزب الديمقراطي الأمريكي

https://www.politics-dz.com

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023