هل يمكن للشيطان أن يفعل أكثر من هذا؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

هل يمكن للشيطان أن يفعل أكثر من هذا؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

       “عندما ينمو الوعي في أي بلد، ويكبر رصيد حب الوطن  فيه، تضمحل وتتلاشى آمال العملاء في السّيطرة عليه، يستمر فيه عطاء الأحرار داخله، من أجل وطن سليم، معافى من عاهات وإعاقات الأعداء.”

 

صدّق أغلب الناس بزيف الدّعاية، منذ بداية المؤامرة على سوريا، أن هناك ثورة قامت على أرضها، وأنّ الشّعب السوري ليس مستثنى من الربيع العربي، فمن مسّه الضّرّ سينتفض حتما، لكنه تبيّن بعد مرور الأيام أن الذي حل ببلاد الشّام عاصفة شرّ ركبها كل دَعِيِّ حقّ، وما أكثر أدعياء الحق في عالمنا خصوصا إذا هبّت رياحه من الغرب، والغرب بسياسته لا يأتي يغير السّقم والكرب. 

وبعد تسع سنوات ونصف، شرد حمار الإرهاب الوهابي التكفيري، فلم يبق له أثر في ما كانت تحتلّه مجاميعه، بعد أن أوشك على القبض على العاصمة دمشق، في فترة زهوه وانتشاره، واسطبله الأخير كان محافظة إدلب، المتاخمة لجبال وغابات الشمال السوري، يائسا من بلوغ غاية مشغّليه، واخضاع البلاد لمخطط التقسيم والعمالة وبيع الشّرف، وسقطت صفقة ترامب في الماء، وباءت آخر محاولات توريط الجيش العربي السوري باستعمال الغازات الكيماوية، ضد ما اصطلحوا عليه بالمعارضة بالفشل.

الخوذ البيضاء التي أتحفنا بها المخطط الغربي بكافة أدواته، المتآمرة على سوريا ولبنان وفلسطين – وهي في مجموعها عناصر ارهابية اخوانية وهابية – هي الأيدي المجرمة الخبيثة، التي افتعلت حوادث القصف الكيماوي بغاز السارين والكلور، في خان العسل، وخان شيخون ودوما (الغوطة الشرقية)، 

ففي ما زَعمته  أمريكا وتحالفها الغربي، من وقوع هجوم كيميائي بواسطة الجيش النظامي السوري على دوما بالغوطة الشرقية، كشف شاهد من أهل الغرب، ريام دلاتيRiam Dalati، وهو منتج ومراسل في الهيئة الاذاعة البريطانية (BBC) على صفحته بتويتر: ” بعد التحقيقات التي استمرت ستة أشهر، أستطيع التأكيد وبدون شك، أن المشهد الذي تم تصويره في المستشفى في دوما كان منظم، ولم تسقط ضحايا في المستشفى.. وقع الهجوم، لم يتم استخدام غاز السارين، لكن كان علينا انتظار نتائج تحقيق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لتأكيد استخدام غاز الكلور، لكن كل شيء آخر مرتبط بالهجوم ملفق لتعزيز التأثير.”(1)

هجمات مقصودة ومنظمة، ارتكبتها الجماعات الارهابية المعروفة عند الغرب بالمعارضة، قُدّمت للعالم كدلائل ضد النظام السوري، ليُمرّر بها قرار تدخّل عسكري مباشر، يجتمع عليه مُتمرّسُو انتهاك الشعوب واستعبادها من حكام الغرب، من أجل عيون الصهاينة، وتحقيق حلمهم النهائي، في السيطرة على ما بقي من دول المواجهة معهم. 

وفشل دول الغرب (أمريكا وبريطانيا وفرنسا)، في استصدار قرار أممي  يدين النظام السوري، مردّه وقوف روسيا والصين في وجهها بالفيتو(2)، ولولاهما لكان التدخّل العسكري المهيّأ لذلك قد حصل، جعلهم يذهبون الى خيارات خبيثة أخرى، منها العقوبات الاقتصادية، كما هي الحال الذي تعيشه ايران منذ 40 عاما،(3) وقانون قيصر الظالم(4)، الذي سلطته الادارة الامريكية على سوريا ولبنان، وكل التضييقات المالية التي مارستها من قبل، زيادة على انفجار بيروت، الذي تهيأت أسبابه بأيدي عملاء من داخل لبنان، خططوا له على مهل، ليكون عند تنفيذه، تهمة يُرمى بها حزب الله، والهدف المتجدد دائما، هو نزع سلاح المقاومة الاسلامية، كانت نتائجها جميعا الفشل الذريع، الذي لم يبقي أملا لدى الأمريكان والكيان الصهيوني، وأحلافهم من الغرب والعربان، في اجبار الشعبين السوري واللبناني على الخضوع والاستسلام، سوى استعمال أسلوب الأرض المحروقة.

وفجأة اشتعلت سوريا ولبنان في وقت واحد، بحرائق لم يشهد لها تاريخ المنطقة مثيلا، فمن أشعلها؟ سؤال لا يطلب البحث كثيرا عن الفاعل، وجُحْرُ الفتنة لم يغلق بعد، وجِهَةُ التحريض قائمة على قدم وساق، مستعدة لفعل أي شيء يحقق لها ما تصبو اليه، مرحلة تبدو مرشّحة لترتكب فيها أي جريمة، تخطر على بال قوى الاستكبار العالمي، طالما أنّ في الأوطان المستهدفة خونة يسمعون ويطيعون.

ولا يمكن لأعداء الأوطان أن ينفذوا الى داخله، من دون تسخير طوعي لعملاء من الداخل، وقع تجنيدهم، ليقوموا بما عسر عليهم القيام به، من اعمال إجرامية متعددة، كنهب الاموال وتحويلها الى الخارج، ومواصلة نشر الثقافات التغريبيّة للشعب المسلمة، وتنفيذ ما يراه الأعداء مناسبا، لاستكمال مخططاتهم وتحقيق أهدافهم، وهؤلاء العملاء ليسوا مخصوصين ببلد دون آخر، فهم موجودين في كل بلد وتحت الطّلب، لمن يرغب في عرقلة نموّ البلدان وخراب بُناها.

أعمال أمريكا ومنظومة الصهيونية العالمية، لو عرضناها على الشيطان نفسه، لفَرِقَ وتبرأ منها، وأعتقد أن شياطين الإنس، وفي مقدمتهم الشيطان الأكبر الأمريكي، قد أتوا على جميع الجرائم الممكنة في هذا العالم، ولم يعد لهم إمكانية لاختلاق جريمة أخرى بحق الإنسانية المظلومة، سوى هذه الاعمال الخسيسة التي تنم على خسّة ووضاعة وجبن، والذي يتطاول على الخلق ويدّعي القوة، عليه بميادين المنازلة والمواجهة برجولة، وليس إطلاق كلابه لتفتك بالطبيعة الآمنة، وتسبب مزيدا من الأذى لكل ما هو حيّ. 

النظام الأمريكي عدوّ الشعوب والطبيعة وحياة الشّرف، ولن يرعوِي عن جرائمه يغير سقوطه، الذي سيكون بمثابة الجبّ الذي حفره بنفسه، وقريبا سيقع فيه، ويلقى جزاء أفعاله الإجرامية، ما نعلمه جميعا، أنه ليس هناك جريمة بدون فاعل، كما لن تمرّ جريمة بدون عقاب، وهذا زمن الشعوب الواعية بخطورة أوضاعها، بعدما تناهشتها أنياب عملاء الدّاخل، وحاصرتها مؤامرات أعداء الخارج الحقيقيين.. وبعد هل يمكن للشيطان أن يفعل أكثر من هذا؟

 

المراجع

1 – منتج بي بي سي: تصوير الكيميائي في مستشفى دوما كان منظما لتعزيز التأثير ولم تسقط ضحايا

2 – روسيا والصين تستخدمان الفيتو مجددا لإيقاف قرار يعاقب النظام السوري

3 – العقوبات الأمريكية ضد إيران

4 – قانون قيصر ويكيبيديا

 

    

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023