همّ النهضة وهمّ الناس عشية الانتخابات…بقلم د. الهذيلي منصر

همّ النهضة وهمّ الناس عشية الانتخابات…بقلم د. الهذيلي منصر

النهضة لاهية في همّها. وهو تراكم هموم في الحقيقة اعتقدت انها تتخفف منه بعد انتخابات 2011 وعاودها التوجّس جديا مباشرة بعد انقلاب السيسي كانت ستخرج بأخف الأضرار لها ولغيرها لو لم تتقدم الى انتخابات 2011 بعنوانها الحزبي وحضرت ضمن قائمات بأسماء متنوعة يجمع بينها الانتصار للثورة. بعض النهضويين كان يرى الامور هكذا ولكن أردوغان دفعهم الى مزيد من الجرأة والتقدم للمسك بالسلطة وهذا ما كان.

خطّطت النهضة لذلك أو لم تخطّط، واقعا كانت من ضمن حلف متحفز ومستعجل وكانت تحت تأثير وهم سوقه بحماس الأتراك والقطريون ودفع ثمنه كلّ الطيف الاسلامي. هو وهم الشراكة مع الاطلسيين عموما والأمريكيين خصوصا. منذ ذلك الوقت وأولوية الاسلاميين التونسيين الحفاظ على أنفسهم، حفاظ على ذواتهم وحفاظ على تيّارهم السياسي وهذا مشروع لهم طبعا. الأحزمة التي تعاطفت مع النهضويين منذ سنوات طويلة وصوتت للاسلاميين بداية فهمت النهضة عنوان خلاص جمعي. اكتشف كثيرون أنّ همّهم ليس بالضرورة همّ النهضة وهنا المشكل الكبير والذي فرض شبه طلاق وأعاد النهضة الى حجم أول هو حجم الجماعة المذعورة والمحاصرة.

هناك سياق معقّد فرض ولا شك هذا الوضع النهضوي المزعج ولكن النهضة في بنيتها ونفسية المنتسبين اليها وتربيتها وتنظمها تحنّ الى وضع الجماعة المحاصرة وتحب الاستثمار في المأساة وتنظر حولها نظرة النبي صالح عليه السلام الى ثمود. عندما رأت أن يكون توافق، وليست المشكلة في معناه وانما في بنوده ومآلاته، أخذت بالإعتبار همّها لا همّ الناس. ولكنها في التسويق والإخراج قدّمت الأمر وكأن التوافق رحمة للناس. قرارات كثيرة حكمتها الإكراهات وهي اكراهات سلّطت على النهضة وعبرها على الناس. لا أقول أنّ النهضة لا تسلك في هذا الباب كما تسلك بقية الأحزاب. لا أحد يهتمّ بالناس وأقصد أن لا أحد يحمل همومهم ويؤصل ويخطط بها. صارت النهضة حزبا كغيره من الأحزاب، حزب ينظر في مصلحته وجماعته ولا يتجاوز الى مصلحة الناس الواسعة او الوطن او المستقبل.

لست في معرض كيل التهم للنهضة هنا ولا أقف عند المسألة الإيديولوجية فلا تعني لي الايديولوجيات كثيرا ولا أعتمد الفروقات بينها لأقيم أداء هذا وذاك. الامر يتعلق بميدان وتجربة ونجاح أو اخفاق. فشلت النهضة كما فشل ويفشل غيرها. هي أصلا تفهم النجاح الآن ضمان البقاء. لا تفكّر النهضة في مسك الحكم ولا تسعى فيه. ترشيح الأستاذ مورو كان خيار اضطرار وجلي لمن حضر المواعيد السابقة أنّ حملة مورو باردة. كانت تحبذ سيناريو آخر يمكّنها من شراكة في البرلمان تدعم على أساسها حكومة لا تستعدي النهضة فلا يستعدي الشريك شريكه. هي تحتاج باجي جديد ولكنها ترى ارث الباجي يتمزق ويتقاتل بين قروي وشاهد وزبيدي ومرزوق وأكثر من هؤلاء بكثير. حملة باردة إذ ليس من مصلحة النهضة ابراز كثير حرص على فوز مرشحها لكي لا تصبح مستهدفة من الجميع.

اختارت النهضة ساعة ضعفها بسبب التطورات الإقليمية والدولية وضعف الدولة بسبب الثورة أن تراهن على الدولة وتساعدها على استرداد الأنفاس كما راهنت على حوار السفارات الحريصة على مصالح خارجية في تونس لا يستهان بها. هي راهنت على من قد يأتي منهم شرّ ساعة خوفها. لا أريد اعطاء النهضويين دروسا ولكنني ألاحظ أنّ هذه الخيارات، وفي أدنى الحالات، حتّمت ابتعاد أعداد قياسية من الناس عن النهضة التي هي اليوم أضعف بل بلا سلاح اذا كانت نية، بين داخل وخارج، لاستبعادها واستهدافها ويبدو لي هذا الاحتمال أقوى ممّا كان. نهضيون كثر انسحيوا وينسحبون والإنسحاب الأكبر هو انسحاب الناس من السياسة وعزوفهم عن الانتخابات. لم يكن اهتمام بنسبة المشاركة في آخر انتخابات بلدية وكأن شيئا لم يكن أو كأننا بسياق ديمقراطية عحوز؟ الواقع أنّ السياسة منذ فترة طويلة وبما فرضته اليبرالية الغربية ما عادت تكترث للناس. استقرّ أنّ السياسة مجال ضمان المصالح والنفوذ.

عربيا، كان القائم على السياسة بهذا المعنى ولا يزال هو المستبد. تونسيا، يراد للديمقراطية أن تقوم على السياسة بهذا المعنى. المشكلة أنّ تعريف المصالح غربيا يختلف عن تعريفها تونسيا. المصالح غربيا ليست خارج القانون، عندنا مصالح كثيرة خارج القانون. غربيا لا تتدخل سفارات بشكل فج لتعرّف المصالح وتحددها. تونسيا تتدخل السفارات في الكلّ وفي التفاصيل. في الغرب هناك وعي متجذر يجعل أصحاب المصالح يفهمون أنّ الحفاظ عليها يشترط عدم الدوس على مصالح الجمهور الواسع. في تونس تعوّد أصحاب المصالح على الإستقواء والربح المتوحش. لم ننجح تونسيا في فرض ديمقراطية قابلة للاستمرار ومحصّنة ضدّ الهزات. لسنا في الاستبداد ولسنا في نقيضه الا قشريا وبروتوكوليا. هل تسعفنا الانتخابات التي هي على الأبواب؟ أتمنّى ذلك وأشكّ.

همّنا التونسي كبير وهمّ أحزابنا مته وهمّ النهضويين أيضا. المشارقة يستبشرون ويتطلعون نحونا وشرائح شعبية واسعة هناك تتمنى لنا النجاح ولكن أعتقد أنهم يقاربون وضعنا عاطفيا ولا يرقبون ما يعتمل من أزمة. ليست أزمة مرور من استبداد الى ديمقراطية. أراها أزمة مرتبطة بهندسة قديمة تفرض أن يكون فصل بين شأن السياسة (اهل الحل والعقد) وشأن الناس أو العامة. الناس فقط للتزكية والمبايعة. للانتخاب أيضا بشرط أن لا يقوض الانتخاب التوازنات وهي توازنات مصالح ونفوذ.

هذا هو مفترقنا جميعا الآن، نهضة وغير نهضة. لم يقف النهضويون على بأس المصالح وشراسة أصحابها الا عندما ولجوا الى الادارة والدواوين. تبين لهم أنهم لا يقدرون عليها ولا يضمنون ان هم حاولوا الابقاء على حدّ أدنى من الإستقرار ولم يشجعهم السياق العام على قليل الجرأة ونهرهتهم السفارات. رأت أن تهادن وتفاوض وتقايض وليس هذا بالسيء مطلقا ولكنه جذّر حالا من اليأس بين الناس. لا يسأل الناس كثيرا عن قديمة وجديدة. سؤالهم عن وضعه: هل يتحسن أو يسوء. وهو يسوء مع الأسف مع استحالة أن نراه يتحسن قريبا. حتى مارشال ما عادش يسلكها ناهيك عن انتخابات ربي يقدر منها الخير. انتخابات فيها كثير من الرعواني والزمياطي.

وبالعودة الى ترشح الشيخ مورو، هل تستفيد النهضة من مروره الى الدور الثاني أو لا تستفيد؟ أراهن أنّ مركز القرار داخل النهضة لم يحسم هذا السؤال وإذا حسمه فسلبا لا بالايجاب. وضعية معقدة جدا وصعبة فالممكنات والاحتمالات كثيرة من أقصى الى أقصى.

هل يستفيد الناس من مرور الاستاذ مورو الى الدور الثاني؟ لا يستفيدون ولا يتضررون لا من مروره ولا من مرور غيره. صارت هناك هوة بين الساسة والناس. لم تفرض الثورة هذه الهوة فالهوة كانت أوسع زمن الاستبداد. انما فرض الهوة سياق يفرض على السياسي الكذب والنفاق بما يجعل الناس يشعرون على نطاق واسع بأنهم لا يحتاجون مزيد صداع. الى حين طبعا وحتى لحظة انفجار أو تعطل مسار. الانتخابات المنتظرة لن تحلّ المشكلة. هذا اذا لم تشكّل هي في ذاتها وبالنظر الى ما رافقها حتى الآن، مشكلا اضافيا ومن الحجم الكبير. أزمة كبرى كأزمة المجتمع التونسي لا تقدر عليها انتخابات ولا نهضة ولا توافقات. هناك شروط للحلّ ترى أطراف كثيرة أنها مكلفة بحسابات المصلحة والنفوذ ولا أحد يقبل بدفع ما يلزم من ثمن. انتبهوا يرحمكم الله، لقد دفع الناس كلّ ثمن وما عاد عندهم ما يدفعون والأهم أنه ما عاد عندهم ما يخسرون.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023