والظالمين أعدّ لهم عذابا أليما… بقلم محمد الرصافي المقداد

والظالمين أعدّ لهم عذابا أليما… بقلم محمد الرصافي المقداد

لم يعد مستغربا ان يطلع علينا رجل سياسة في تونس بفلتة ما، فالفالتون من أهل السياسة في بلادي كثيرون، بحيث يصعب على من ليس له بصيرة في دين، ويقين في إيمان، أن يفرّق بين ما جاء به هذا، وما ظهر عليه الآخر، والخائضون في سياسة البلاد بهذه الفلتات، لم يستوعبوا أن الانسان معقول بلسانه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم يوم القيامة الا حصاد ألسنتهم.(1)

كان منتظرا أن يموت الظالم بن علي، كما مات من ظلم قبله، وكان لموته وقع مختلف بين من ذاق منه مرّ عذاب أزلامه، وأليم التضييق في زنزانات الايقاف بمراكز الشرطة والداخلية، وما تخللها من تعذيب شديد، ازهق أرواحا عديدة، فلم يكتفي بذلك، بل ذهبت به شقوة التمكّن والاستعلاء في الارض، أن ضيّق على معارضيه حتى في لقمة العيش، وكان منتظرا أن تتباين المواقف بشأن موته، فالذين ظُلموا في حكمه، شرح الله صدورهم بزوال غمة عنهم، واستبشروا بعدل الله فيه، وينتظرون يوم الحساب ليأخذوا منه حقوقهم، والذين رأوا في عهده الراحة والانبساط والسعة احزنهم موته، فراحوا يترحمون عليه، معتبرا بعضهم أن موته في الحجاز ودفنه في المدينة، فضيلة من الفضائل المعتبرة، التي من الصعب ان ينالها أيّ احد.

المرشح لطفي المرايحي الذي تقدم للانتخابات الرئاسية نافيا أي علاقة له بالتجمع ( حزب بن على الموروث من بورقيبة) بينما تؤكد معلومات أخرى أنه كان تجمعيا، كشف في تعليق له على نبأ وفاة بن علي، أنه بالفعل كان تجمعيا للنخاع، ولامسه رحيل رئيسه فترحم عليه، وحاول جهده ان يخلط الاوراق بشأنه، بالتشكيك في كونه ظالما، بدعوى ان الله يتولى السرائر، كأنما الظلمة والمجرمون لهم سرائر طيبة، قد تشفع لهم عند الله،

ومن أغرب ما سمعت من مثقف مثله – وهي عقلية البسطاء الذين تعوزهم المعرفة- أن يتحجج بحسن قبول بن على حيث توفاه الله بالحجاز، التي يطلقون عليها الأراضي المقدسة، بينما هي حقيقة لا قداسة لها، باستثناء الحرم المكي بموقعه الأول وليس المضاف، والمسجد النبوي ببنائه الأول وليس المضاف، وبعض الأماكن الاخرى التي فيها مثوى الشهداء والصالحين.

ولأن الظلم من أكبر الكبائر عند الله، قد حرّمه على نفسه، فكيف بعباده أن يظهر فيهم ظلمة، ثم يدعى لهم بالرحمة من طرف العباد، دون ادنى خوف من الله، والنصوص التي بين ايدينا وحدها كافية للحسم في هذا الموضوع.

صحيح أن الله يمتلك من الرحمة ما تشمل جميع مخلوقاته، لكنها رحمة استثنى منها كل ظالم، فلا رحمة لظالم بعد موته، ومن دعا لظالم بالرحمة فقد برز لله بالمعصية.

قال تعالى:” يدخل الله من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا اليما.”(2)

وزاد أن بيّن أن الظالمين يأتون يوم القيامة فرادى لا يملكون من السلطان الذي كانوا يرهبون به عباد الله ويفتكون بالحرث والنسل، يقدمون بلا وليّ و لا نصير. “والظالمون مالهم من ولي ولا نصير.” (3)

وأكّدت الروايات الصادرة عن النبي تأكيدا على نتيجة ومآل الظالمين وجاء فيها: “من لا يَرحم لا يُرحم.” (4) بمعنى أن من كانت فيه من عباد الله رحمة يرحم بها من دونه، فيعفو ويصفح ويرقّ للحال، ويتأثر بمصائب غيره وأحزانهم، فإنه سيكون مرحوما عند الله، ليس في الآخرة فقط، بل في الدينا بأن يكون بعين الله وحفظه ورعايته ورحمته.

” انما يرحم الله من عباده الرحماء، ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء.”(5)

أما الظالمون فليس لهم من عذاب الله وقاية سوى أن يتوبوا عن اعمالهم ويردوا مظالم الناس، فإن فعلوا ذلك فإن الله حينها غفور رحيم.

” فمن تاب من بعد ظلمه واصلح فان الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم.”(6)

أما أن يأتينا متقوّل كالمرايحي، بكلام يستفاد منه محاولة تبييض سيرة المقبور بن علي، لعلّها تغيّر من مواقف وقناعات الشعب التونسي من طاغية زمانه، غير ملتفت الى ان ارتكبه بن علي من جرائم غير انسانية، وبلا ادنى رحمة، يراها ديننا الاسلامي من منظاره الشرعي، ظلما كبيرا، تخضع لأحكام القصاص، لا تجوز السكوت عنها، بمجرد كلمة أو تعبير، أو أن الظالم مات ودفن بجوار مثوى النبي متجاهلا، أن رؤوس النفاق كعبد الله بن أبي وحزبه، ومئات من الظلمة والمجرمين، قد ماتوا ودفنوا هناك، ودخلوا تحت حكم الله في الظالمين، حيث لا صفح عن الظالمين في حضرة قدسية حرّم، صاحبها على نفسه الظلم، فكيف يقبله من عباده؟

فلنعتبر من هذه النصوص، ولا ننساق مع جملة الذين يستهينون بدين الله وأحكامه في الظالمين، ويعملون على تبرير جرائمهم، لتصبح مجرّد اجتهادات قد يثابون عليها. فعن النبي : “من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه، فان دعا لم يستجب له ، ولم يؤجره الله على ظلامته. (7)

فهل وعى المرايحي وغيره، أن مقاربة الظالم بقول أو فعل، هو ركون وانتماء له. وقد نبّهنا الله عن الركون الى الظالمين بقوله : “ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النّار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون.” (8)

ركون سيؤدي حتما الى أن يلقى الراكن نفس مصير الظالم، لأجل رضاه به، وعدم براءته منه، وسكوته عنه، ومساعدته له، بأقل ما يتعارف عليه العون، وعدم قول الحق فيه ومحاولة إيهام الناس بأنه غير ظالم أو مشكوك في اعتباره ظالما، حتى بالسكوت عنه والساكت عن الحق شيطان أخرس. فعن النبي :” العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم.” (9)

ومصير هؤلاء جميعا يوم القيامة، مصير لا يحسدون عليه، نعوذ بالله من سفه القول بلادة العقل. قال النبي اذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الظلمة واعوانهم؟ من لاق لهم دواة، أو ربط لهم كيسا، أو كد لهم مدة قلم فاحشروهم معهم. (10)

المرايحي اكّد حقيقة أنه لا أهلية له في الحكم، بتصريح قد لا ينطق به شخص بسيط، يفهم أن الظلم يظهر في اعمال المعتدين على حقوق الناس، ولا يحتاج الى استكشاف باطن الظالم، حتى يرى له مبررا أو عفوا، فبئس التصريح وبئس التحليل، وبئس الجرأة على الله ودينه، في التماس الاعذار للظالمين، وبئس ما حصدته السنتهم وما كانوا يلحنون.

https://youtu.be/RMEOqmRzYOc

المراجع

1 – سنن الترمذي ابواب الايمان ح4ص362ح2616/سنن ابن ماجة كتاب الفتن باب كف اللسان ج5ص459ح3973/مسند احمد مسند الانصار حديث معاذ ج36ص344ح22016

2 – سورة الانسان الآية 31

3 – سورة الشورى الآية 8

4 – جامع أحاديث البخاري كتاب الادب باب رحمة الناس ج8ص10ح6013/مسند احمد اول مسند الكوفيين ج31ص565ح19244

5 – جامع أحاديث البخاري كتاب التوحيد باب ما جاء في قول الله تعالى ان رحمة الله قريب من المحسنين ج9ص133ح7448 / مسلم كتاب الجنائز ج3ص39 ح923/ مسند احمد مسند الانصار حديث اسامة بن زيد ج36ص131ح21799

6 – سورة المائدة الآية 39

7 – الكافي ج4ص334

8 – سورة هود الآية 113

9 – الكافي ج2ص333

10 – البحار ج75ص372

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023