ويبقى ميزان القوى لصالح المقاومة وحلفائها رغماً عن الكيان الصهيوني بقلم تحسين الحلبي*

ويبقى ميزان القوى لصالح المقاومة وحلفائها رغماً عن الكيان الصهيوني بقلم تحسين الحلبي*

كانت القناة الرسمية لتلفزيون الكيان الإسرائيلي (القناة الأولى) تعرض برنامجاً سياسياً يُطلق عليه بالعبرية اسم (روئيم عولام) أي (نرى العالم) عند الساعة 11 ليلاً منذ عام 1988 واستمر في عهد “الساتالايت” وأصبح المهتمون خارج الكيان يرونه, هذا البرنامج كان يُعدّه صحفي إسرائيلي يدعى عمانوئيل هالبرين (يكون مناحيم بيغين رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية خاله- شقيق والدته).
وفي بداية التسعينيات تابعت لقاء أجراه هالبرين مع إسرائيلي يحمل الجنسية الفرنسية ويقيم متنقلاً بين باريس وتل أبيب ويعمل باختصاص يتعلق بالموانئ وحركة السفن التجارية فيها، وقال هذا الشخص في البرنامج إنه عمل في ميناء طرابلس في ليبيا ضمن اختصاصه هذا، فأبدى هالبرين تعجبه كيف لإسرائيلي العمل في ميناء ليبي؟ فأخبره أن إحدى الشركات الفرنسية تعاقدت معه وأرسلته إلى ليبيا بهذا الاختصاص من دون أن يعرف الليبيون أنه يهودي أو إسرائيلي ثم عاد إلى فرنسا بعد انتهاء عقده، وقال في البرنامج إنه كان يطلع على كل سجلات السفن التي ترسو وتمر بالميناء الليبي وطبيعة بضائعها ومواعيد مغادرتها بموجب اختصاصه، ما يعني أن هذا الشخص كان يشكل راصداً طبيعياً لأي بضائع في الميناء ولأي سفن وأصحابها لمصلحة باريس وتل أبيب، لأن ليبيا كانت “متهمة” بدعم المقاومة الفلسطينية ويجب جمع المعلومات عما يجري في موانئها.
وعلى فرضية رسو سفينة تحمل نترات الأمونيوم أو إفراغ حمولتها في ليبيا سيكون هو أول من يعرف بموجب سجلات (المانيفست) بوجود هذه المواد غير العادية في طبيعتها ووجهتها، وربما يمكن للشركات البحرية العالمية والوطنية الأجنبية المختصة بالموانئ وحركة السفن والنقل البحري الاطلاع بسهولة على حركة البضائع والسفن التي تنقلها وعلى وجهتها طالما أنها تتحرك عبر موانئ متعددة للوصول إلى وجهتها. ولذلك يَصُح الافتراض -وخصوصاً بالنسبة للكيان الصهيوني- بأن يكون حريصاً على معرفة ما يصل إلى موانئ مجاورة لدول مثل لبنان وسورية في حوض المتوسط بل حتى في البحر الأحمر, فقد كانت تل أبيب هي التي سطت على سفينة «كارين- أ» عام 2002 واتهمت طاقمها بمحاولة نقل أسلحة للمقاومة الفلسطينية، ولا ننسى أن القوات البحرية الصهيونية كانت قبل ذلك احتجزت في أيار 2001 سفينة مدنية تدعى «سانتوريني» في البحر المتوسط مع عدد من المدنيين البحارة واتهمتهم بمحاولة نقل أسلحة إلى المقاومة في ساحل قطاع غزة.
وفي النهاية لن يكون من المستبعد أبداً أن يكون الكيان الصهيوني قد علم بأي طريقة ممكنة تقليدية يسهل الاطلاع عليها من سجلات حركة السفن من موانئ مختلفة عن سفينة (روسوس- Rhosus) التي مرت على عدد من الموانئ من جورجيا إلى موزامبيق ثم اتجهت إلى حوض المتوسط بعد أن أبلغ أصحاب السفينة الطاقم بإيقافها مؤقتاً في ميناء بيروت «بشكل غير مخطط لخط سيرها» بموجب ما تذكر المجلة الإلكترونية «إيكونوميك تايمز- اندياتايمز» في 6 آب الجاري وهي تحمل أكثر من 2500 طن من نترات الأمونيوم إلى أن رست في ميناء بيروت وبقيت فيه منذ عام 2013 بعد أن جرت مصادرة ما تحمله من مواد لم تكن وجهتها لبنان.
فالكيان الصهيوني حين يعلم ببقاء مثل هذه الكمية في ميناء بيروت وهو أكبر الإرهابيين وخاصة ضد المقاومة اللبنانية سيكون من الطبيعي أن يعد هذه المواد قوة تدميرية مجانية تخدم أهدافه في زعزعة كل الوضع في لبنان سواء انفجرت من ذاتها بالمصادفة نتيجة أي خطأ أو إهمال غير متعمد داخل الميناء، أو نتيجة تدخل مقصود ينفذه الكيان الصهيوني بواسطة خطة سرية في وقت يحدده بنفسه.
فإذا كان الكيان الصهيوني يضع في سلم أهدافه ضد المقاومة اللبنانية العمل على منعها من زيادة تسليحها وقدراتها العسكرية، فمن الطبيعي أن يساهم في تشديد الحصار عليها من كل جانب ويخلق المتاعب والصعوبات لها وهو الذي يقوم منذ سنوات كثيرة بشن غارات عدوانية على الأراضي السورية بصفتها بوابة دعم المقاومة بذريعة منع وصول الأسلحة إليها عبر سورية ومن دون الاعتراف بمسؤوليته عن معظم هذه الغارات العدوانية تاركاً هذه المهمة للصحافة الإسرائيلية والأجنبية.
وفي النهاية برغم مرارة هذا الدمار الكبير لمرفأ بيروت وما نتج عنه من ضحايا وخسارة هائلة لسكان بيروت وشعب لبنان كله لن يتغير ميزان القوى القائم بين المقاومة اللبنانية والكيان الصهيوني لمصلحة الكيان بل سيبقى في مصلحة المقاومة ولذلك يصبح الرد الوحيد والحاسم على هذا التفجير الكبير وغير المسبوق هو إعادة إعمار المرفأ والمنازل التي تضررت وترسيخ وحدة وطنية وتكافل اقتصادي تستفيد منه كل فئات الشعب اللبناني وتبقى معادلة “الشعب والجيش والمقاومة” القاعدة المستمرة وصمام أمان الوحدة الوطنية مهما كلف النضال من أجلها من تضحيات وهذا ما أكده سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في كلمته الأخيرة.

*كاتب من فلسطين

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023