يا أمة ضحكت من خياناتها الأمم!!..بقلم فؤاد البطاينة*

يا أمة ضحكت من خياناتها الأمم!!..بقلم فؤاد البطاينة*

مئة عام ونخب الشعب العربي تبحث بكل طاقاتها في أسباب النكبة الفلسطينية من كل النواحي وبكل الوسائل وطالت كل الجوانب السياسية والعسكرية والمؤامراتية وصولاً لتحليل ونقد الوضع العربي الشعبي نفسه وعوامل وأسباب ضعفه ومكامن الخلل الذاتي فيه وطرق الخروج منها. وصدرت بهذا كتب وأبحاث وأوراق مشبعة بالخلاصات والتوصيات والحلول. ولم يكن هذا هدفا ننجزه وننام، بل ضرورة استراتيجية من أجل انطلاقتنا للمواجه من أرضية واعية وسليمة ورصينة من خلال مشروع تحرري ونهضوي ناجح. والأبلى أنه خلال تلك الفترة الطويلة كانت الأحداث والمستجدات تتوالد على الأرض وتتراكم والحالة الكارثية تتسع وتترسخ في فلسطين وفي اقطار العرب ومع ذلك استمرينا بنفس السياسة في إخضاعها للتشخيص والتشريح والتحليل، وبعد.
يتساءل البعض متى سننتقل من مرحلة التشخص والتحليل وتكديس الخلاصات الى مرحلة العمل ؟ بينما التساؤل الأصح هو لماذا، وليس متى. لقد تطورت الحرب الصهيونية في فلسطين لنعيشها في عقر عواصمنا وأراضينا وتعاظمت فيها المستجدات والمحن وما زلنا مستمرين كنخب وكشعب في ذات المسلسل جاعلين منه مجرد مبكاة على ماضينا و”تعليله” في الليالي و “اوبريت” متكرر، وكرَّسنا من التقييمات والكلام والخطب والبيانات بديلا مساويا للفعل المطلوب . ولم نشهد مجرد طفرة من قطر عربي واحد أو من مؤسسة وطنية نخبوية واحدة تتبنى عملا لمشروع شعبي عربي. ومن غير الطبيعي أن لا نتقدم كشعب قيد أنمله. فهل هذا مؤشر على أن العرب في حالة موات تستعصي على النهوض، أم هي كبوة أمة”. ابو الطيب المتنبي، مفخرة الأدب العربي والحكمة والفلسفة قال ” يا أمة ضحكت من جهلها الأمم “. ولو كان في هذا العصر لنثر وقال ( يا أمة ضحكت من خياناتها الأم).
ما فتئتُ أعتبر الحالة العربية، حالة استعمارية تتوزع فيها أقطارنا ما بين المستَعمرة بواسطة حكام وكلاء بكل استحقاقات الكلمة، وبين المتأثرة بالإستعمار بحدود وسقوف. فالصراع في حالتنا الاستعمارية بالأصل يكون بين المستعمر بانظمته، وبين الشعوب. فالشعوب للمستعمِر وللنخب الطليعية هي الرهان. لأنها أداة الفعل والمواجهة والتغيير، ومحل التغيير. وحيث أن النخب هي العقل المُحرك والمنظم والمدير لها، فقد ابتدأ صراع المستعمر معها. وبدأت الحرب عليها بقيادة وبتنفيذ حكام الأنظمة. استخدموا فيها مال الأقطار وعسكرها وأمنها ومخابراتها في معادلة غير متكافئة وتم إفشال هذه النخب. ومما يُشكك في طليعيتها أنها توزعت بين التدجين والانضمام للأنظمة وبين العجز المطلق. واستأنفت الأنظمة حرباً تدميرية على الشعوب وأقطارها بتواطؤ من تلك النخب أو عجزها وفقدان الثقة الشعبية بها. فالشعوب العربية التي استقرت الكرة في حضنها هي اليوم في حالة استسلام لحكامها الوكلاء بذرائع مهما جمَّلناها وبرَّرناها فهي واهية. وأحيي بهذا الصدد الشعب الأردني الذي يحاول الخروج من عنق الزجاجة
وبين هلالين أقول ( الحالة الإستعمارية التي نعيشها ما كان للعبتها أن تنطلي وتمر على شعوبنا لولا تنصيب حكام عرب وكلاء خدعوا شعوبهم باستقلال مزيف. ولمَا استطاعوا أن يبطشوا بها ببرامج صهيونية. وعندما نالوا منها وانكشفت اقنعتهم بدأوا بسياسة الاستحمار. لكن استحمار الآدميين ليس مجرد خداع في مسألة وتمر، وليس بالتالي عملاً ذكياً أو مُنتجاً لصاحبه في النهاية. فنحن نتحدث عن الإنسان السوي، فمهما كان من البساطة ومن تدني في مستوى الثقافة يبقى مخلوقاً مفكراً ويميز الكلام الاستحماري من غيره، وله طموح لا يتوقف. والخنوع عنده سياسة يتعايش معها ولا يعيش معها. فصبر الشعوب ثقافة موروثة، لكن الثورة جين في المخلوق.)
بيت القصيد في هذا المقال هو السؤال، لماذا بعد كل هذا تستكين وتستسلم الشعوب العربية لنواطيرها وجلّاديها بما قد يرقى للعبودية في معظم أقطارها إن لم يكن كلها (والعبودية السياسية على وجه الخصوص ). بل تُحَركها القضايا الشخصية من دون العامة والوطنية رغم مردودها السلبي الأعمق عليها. ولا يقتصر التساؤل على شعوبنا التي تقع تحت الضغوطات المعيشية والأمنية والسياسية المذلة والمهلِكة، بل أيضاً تلك التي تتمتع بخدمات عالية المستوى وبرفاهية ومال وفير، كما هو الأمر في بعض دول الخليج عندما تكون شعوبها غير آبهة وما بين مؤيد وصامت على قرارات حكامها التي تطعن بصميم كرامتها ومصالحها الوطنية السياسية وبسلامة أوطانها وتطعن بعقيدتها وتاريخها القومي. هذا السؤال هو التحدي أمام المفكر العربي. دون مجاملة في الواقع. وليس لدي ككاتب ما استطع إضافته سوى عدم قدرة هذه الشعوب على العمل الجماعي الذي يوفر لها الحماية وأمل الإنتاجية. ولكن ذلك ليس كافياً وبإمكانها أن تحقق ذلك.
لقد وجدت أن التفكير النمطي للإجابة على هذا السؤال لا يؤدي لنتيجة سليمة وكل الأسباب النمطية لا تكفي لتكون مقنعة أو حقيقية رغم أن منها أسباب ينطق بها المواطنون أنفسهم أو يجيبوا بها إن سئلوا. ونظرية “المواطن المستقر” باعتقادي أنها سقطت في حلتنا طالما أن الحكام الطغاة لم يعودوا قادرين على تلبية الحاجات المعيشية الأساسية للمواطن ولا الأمن. ولو طبقنا هذه النظرية افتراضاً بوجه معاكس على مواطني في دول الخليج فموقفهم العام الذي يقع بين الدعم والصمت على قرارات تنسف مستقبل وطنهم وعقيدتهم الدينية يحتاج لتفسير مقنع.
نحن في هذا التساؤل عن عدم تحرك المواطن كمفرد شعب، إنما نتكلم عن مصير معايير سامية من المُفترض أن تكون حاضره في مواقفِ وسلوك المواطن العربي. وهي (الوطن، الدولة، الدين والقيم ). أينها من مفاهيم الإنسان العربي المعاصر، هل بلورت له الهجمة الصهيو -غربية في قرن من الزمان مفاهيم بديلة وما طبيعتها. أم خلل أصابها أو مسَحها، أم هي لم تكن أصيلة في النفوس ومجرد ادعاءات. فزعزعة هذه المفاهيم الأربعة في المواطن العربي تُسقطه وبالتالي تُسقط كل متعلقاته.
هذا هو برأيي ما يجب أن يكون محل بحث عميق. فكل ما أشبعناه بحثا وتحليلا وتسبيباً مع الخلاصات خلال عقود طويلة لم يعد له جيل متفهم أو قادر أو راغب في حمله أو الإنطلاق منه للعمل بمشروع تحرري ونهضوي. وليس في مرمى النظر لهذا الغرض دولة عربية واحدة بخير قوميأً ووطنيا أو عقدياً، ولا مؤسسة شعبية. وإن استمرار وضعنا كما هو عليه يعني انتظارنا حتى يكتمل حكم الإمبراطورية أو الخلافة الصهيونية على كامل الوطن العربي وتتبلور حركة عربية اسلامية تنويرية يتبعها بناء الإنسان العربي من جديد.
فالوطن العربي يمر الآن بمخاض جديد. إذ أن الإضطرار لتعليق الوضع في سورية لغياب التوافق الأمريكي – الروسي، أوجب توجه الأمر – صهيوني لخط بغداد – طهران. وإذا لم تقع الحرب خلال فترة ترامب فلن تقع ابداً. فهذه الحرب فيها ثلاثة أطراف، أمريكا، “اسرائيل” إيران. وليست من مصلحة ولا رغبة امريكا وايران أن تقع، بينما هي رغبة “اسرائيل” على أن لا تخوضها لوحدها. فإن وقعت، ستتضرر الاطراف الثلاثة لكن اسرائيل تعتبر خسارتها ربحاً إذا حققت هدفها في النيل من المشروع النووي الإيراني. وقد تكون مقدرات الخليج عندها رماداً ويعاد بناؤها من أموالها وتوضع اليد عليها مباشرة، أما لنا كعرب في المجمل مهزومين، فسواء كانت الطريق لإنهاء الأزمة سياسية أم عسكرية فليس أمامنا من معطيات إلّا وتؤدي لإعادة هيكلة المشرق العربي والسيطرة المباشرة عليه. وهو الأمر الذي من المؤمل أن يوحد الشعوب العربية اقتصاديا وسياسيا ويؤسس لحركة تنويرية تحررية تحريرية. فالنفط العربي كان أكبر دافع اختراق سياسي ومالي استخدم لتدمير الأمة العربية وطموحاتها.

*كاتب وباحث عربي

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023