يجبُ رفع التحدي…فقد لا تكون هناك فرصة ثانية؟

يجبُ رفع التحدي…فقد لا تكون هناك فرصة ثانية؟

بقلم: فوزي حساينية-كاتب جزائري |

في كتابه “عالم مابعد أمريكا” للصحفي الأمريكي “فريد زكريا” نجد الكثير من الأمور والأفكار والتحليلات المهمة، لكنني أريد أن أقف عند هذه الفقرة الواردة في الصفحة رقم 45 والتي جاء فيها  قول الكاتب:

“…منذ الثمانينيات تقوم هذه العوامل الثلاث : السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا بالدفع باتجاه واحد من أجل إيجاد بيئة دولية أكثر انفتاحا وتواصلاً وتطلباً، لكنها في الوقت نفسه، منحت دولا من مختلف أنحاء العالم فرصا جديدة للبدء بتسلق سلم النمو والازدهار.

أنظر إلى التغيير الكبير الذي حصل في هاتين الدولتين، البرازيل وتركيا، منذ عشرين عاما، كانت البرازيل وتركيا تعتبران دولتين ناميتين نموذجيتين، نمو بطيئ، وتضخم سريع، ودين متصاعد، وقطاع خاص ضعيف، ونظام سياسي هش. أما اليوم فهما تتميزان بإدارة ناجحة، وتضخم منخفض، ومعدلات نمو قوية، ومستويات دين متناقصة، وقطاع خاص مزدهر، ومؤسسات ديمقراطية تزداد ازدهارا. صحيح أن البرازيل وتركيا لا تزالان تعانيان من مشاكل- وأي دولة لا تعاني منها- لكنهما دولتان هامتان تنموان بقوة. ” ( نهاية الاقتباس ).

ولعلك لاحظت معي أن مدة عشرين عاما كانت كافية لكي تحقق كل من تركيا والبرازيل الكثير من التقدم والازدهار في العديد من الميادين، وتعالجان بصورة ناجحة مختلف المشاكل السياسية والاقتصادية والإدارية لتنطلقا بنجاح في التطور التكنولوجي بمعناه الراسخ، وتعزيز حضورهما على الأصعدة الإقليمية والدولية، وهذا لايعني بطبيعة الحال، ولايمكن أن يعني أن البرازيل وتركيا قد حلتا كل المشاكل وتجاوزتا كل الصعاب، ولكن من الواضح أن كلاً الدولتين قد عثرتا على الطريق إلى المستقبل، وتمكنت النخب الحاكمة فيهما من وضع المشروع التتموي الذي تستهدي به لسنوات طويلة قادمة.

وفي نفس فترة العشرين سنة هذه ، كانت الجزائر قد توفرت على موارد مالية هائلة، وكانت ثمة فرص كبيرة يمكن اقتناصها على الصعيد الدولي لبناء صناعات متطورة، وتحقيق مكاسب تكنولوجية مؤكدة، والتأسيس لحياة ديمقراطية ناجحة، لكن وقوع البلاد في قبضة النخب الفاسدة والمتواطئة بشكل كامل مع الدوائر الدولية التي يهمها بقاء الجزائر في حالة انكسار حال دون ذلك بشكل مطلق بحيث أن الباحث يستطيع أن يلاحظ أن الكثير من المساوئ والمشاكل التي تمكنت كل من تركيا والبرازيل من حلها وتجاوزها أو التخفيف من حدتها لانزال نعاني منها في الجزائر ، وبشكل أكثر حدة وخطورة….فهل أدركنا حجم الجريمة التي اقترفتها البوتفل يقية في حق الجزائر وأجيالها الصاعدة ؟ وهل أدركنا الجرم الذي اقترفه دعاة العهدة العهدة الخامسة، وما تقدمها من عهدة رابعة وثالثة ؟ هؤلاء الدعاة الذين لادعوة لهم في الواقع إلا المنافع والمصالح الخاصة، والذين يحاولون هذه الأيام أن يعيدوا تنظيم صفوفهم والعودة إلى واجهة الأحداث، وكأنه لم يكن هناك حراك شعبي هائل أعلن التبرؤ منهم، ومن أحزابهم ومن تصريحاتهم، ومن رقصات الشيطان التي تعودوا وألفوا التباهي بها، وهكذا وبدلا من أن يجمعوا أغراضهم ويختفوا عن أنظار ملايين الجزائريين الذين أدانوهم على مرأى ومسمع من العالم أجمع، هاهم يعقدون مؤتمراتهم كالأوغاد الذين لا حياء ولا شرف لهم، فبعد أن عاثوا فسادا وإفسادا في طول البلاد وعرضها، وأهلكوا الحرث والنسل، هاهم يتكتلون كالضِّباع التي تريد أن تنهش أكبر قدر من الفريسة قبل أن تنتبه الأسود وتقطع عليها حفلة اللؤم التي هي على وشك أن تنتظم لتُجْهِزَ على مابقي من جسد وطن معذب مُنهك حائر نُهِبَ وسُرِقَ وأُهين كأعمق وأفدح ما تكون الإهانة .

والدرس الأساسي لكل جزائري أصيل من وراء هذه المقارنة السريعة المؤلمة ، هي أنَّه في غياب نخبة سياسية وثقافية وطنية وذات كفاءة ، فإن كل إمكانيات العالم لن تغير من واقعنا المتخلف شيئا، فقبل أن نفكر في اللحاق بتركيا والبرازيل ، علينا أولا أن نجد الحل المناسب لـ ” هيمنة الفاسدين على مقدرات وبالتالي على مصير الأمة “، ولذلك فهناك الكثير الذي يتوقف على ما سيضطلعُ به الرئيس عبد المجيد تبون في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة مع الآخذ بعين الاعتبار أن العهد البوتفليقي الطويل قد خلَّفَ أعباءً وألغاماً تنوء الجبال بحملها، ولكن على المخلصين من نساء ورجال الجزائر أن يرفعوا التحدي لأن الإخفاق هذه المرة- لاقدر الله – قد يكون بدون فرصة ثانية…

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023