يوم القدس العالمي يوم الوعد الإلهي…بقلم محمد الرصافي المقداد

  ” يا مسلمي العالم، يا أيها المستضعفون الرّازحون تحت نير الظالمين، انهضوا واتحدوا، ودافعوا عن إسلامكم ومقدراتكم، ولا تخشوا صخب الأقوياء، فإنّ هذا القرن هو – بإذن الله – قرن انتصار المستضعفين على المستكبرين، وانتصار الحق على الباطل”(1)

إنّ من لم يتعرّف على الإمام الخميني سيرة وكفاحا وفكرا، لا يستطيع إعطاء رجل عالم فقيه عارف بزمانه حقّه، وليس بمقدور من فقد ميزان القسط، أن يعيّره بمعيار الحيف، مع أنّه جاء لعصرنا، داعيا إلى فهم معاصر للإسلام، يستجيب لقضاياه، فيمنحها نفسا حيّا جديدا، بعد جمود فقده منذ زمن، ولا يكون مقصيّا عنها تحت أيّ ظرف، إسلام يريد العزّة لأتباعه، ويسعى لانتشالهم من مستنقع الذلّ والمهانة.

دعوة اصلاحية صادقة، قرأها الحكام العرب الخائفين من الثورة الإسلامية الإيرانية، على أنها تصدير لتلك الثورة إلى دولهم، تأثّرا بالدّعاية الغربية المعادية للإسلام المحمّدي، الذي رفعت رايته إيران، فسارع أغلبهم إلى قطع العلاقات معها، وتشويه مقاصدها الحسنة، بالإنخراط في نشر الأكاذيب عليها، رغم أنّ النظام الإسلامي في إيران لم يصدر منه، ما يدعو إلى الخشية منه، ويدفع إلى معاداته، بالأشكال السافرة التي حدثت بعد انتصار الثورة الإسلامية.

لم تشفع الإخبارات الغيبية، التي جاء بها الوحي، بشأن قوم سلمان(4)، في رفع الدعاية الغربية الصهيونية المعادية لإيران الاسلامية، حتى الذين عبّروا عن غبطتهم وابتهاجهم بانتصارها، واعطوها صفة قيادة مرحلة التغيير في العالم الإسلامي، عادوا لينكمشوا على أنفسهم ويلوذوا بالصّمت بشأنها، وبذلك وجد النظام الاسلامي وحده، في مواجهة القوى المعادية له، سوى قلّة من المؤمنين، ثبتوا معه وناصروه، بقناعة وتلقائية، بعد اطّلاع معرفة.

لقد اخبرنا الله في كتابه العزيز، علوّ بني إسرائيل واستكبارهم وفسادهم في الأرض، وهو فساد استهدف المسلمين وبلادهم، فقال جلّ شأنه:

” فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” (2)

خطاب الآية موجّه الى بني اسرائيل، يذكّرهم بما سيؤول إليه سلوكهم السيء بإفسادهم في الأرض مرّتين، وإنّ نتيجة إفسادهم ستكون كارثية عليهم “.. ينبغي أن نلتفت إلى أن قوله تعالى: “بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد” تفيد في أن الرّجال الذين سيؤدبون ” بني إسرائيل ” على فسادهم وعلوهم وطغيانهم، هم رجال مؤمنون، شجعان حتى استحقّوا لقب العبودية، ومما يؤكد هذا المعنى الذي غفلت عنه معظم التفاسير، هو كلمة ” وبعثنا ” و” لنا “.(3)

هذا البعث الأخير، نعيش إرهاصاته في زماننا هذا، وتشير بوصلة الإخبار الغيبي إليه أنّه سيحدث بإذن الله بحضورنا، وقد بلغ افساد الصهاينة مبلغه، اعتداءات متكررة، وأعمال قتل بدم بارد، وإذلال للشعب الفلسطيني في مدنه ودياره، وهدم لبيوته وتدنيس لمقدّساته، ودول العالم ومنظماتها الحقوقية الدّولية، على مرأى من ذلك ومسمع، ولا حياة لمن تنادي، سوى إيران التي تقف وحدها متحمّلة أعباء مشروع تحرير فلسطين والقدس.

من هذه الحاجة الملحّة للأمة الإسلامية، جاء نداء الإمام الخميني، معلنا به بداية مرحلة جديدة، في احتضان قضية فلسطين، وتبنّيها بكل قوة بالعنوان الإسلامي، وكانت دعوته إلى إحياء يوم القدس العالمي سريعة، لم تتأخر عن انتصار ثورة شعبه، التي قادها بمنتهى الحكمة، تأسيس صادق، جاء معبّر عن التزام هذه الثورة، باستحقاقات الأمة الإسلامية، ومقدّما هذه القضية العادلة، أولوية في المشاريع المستقبلية للشعب الإيراني، فهذا وفاء لم تجرؤ عليه دولة عربية شقيقة وبقوا كلهم على مسافة منها، بالقدر الذي لا يلحق بهم ضرر بسبب الالتزام بها.

إيران الإسلامية منذ تبنّيها للقضية الفلسطينية، تعاني من عقوبات وحظر، سلّطته ولا تزال كبرى قوى الإستكبار العالمي أمريكا، من أجل ثنيها عن مواصلة طريقها فيه، بعدما أيقنت أنه طريق سيتضرر منه لقيطها الكيان الصهيوني الغاصب، بل إن إدارتها متأكّدة تماما، أن المشروع التحرّري المقاوم الذي تقوده إيران، هو الوحيد الذي يمثل تهديدا جدّيا، مناقضا تماما لأهدافها في الهيمنة الكاملة على المنطقة.

إستلام الإمام الخامنئي لملفّ القضية الفلسطينية، من بعد رحيل الإمام الخميني المؤسس لها إسلاميا، جعلها تأخذ نسقها في التّفاعل والإستمرار بالعزم الذي بدأ به المشروع، ولا يمكن لأي قوة أن تعرقل تقدّمه اليوم، وفي هذا الإطار وجّه خطابه قائلا:” لن نترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة الكيان الصهيوني، على العالم الاسلامي أن يتضامن، من أجل نصرة الشعب الفلسطيني، فلسطين أصبحت حيّة في وعي وقلوب المسلمين، أكثر من أي وقت مضى، الصهاينة يؤُوُلون الى الضعف والهزيمة يوماً بعد يوم، لن يمضي وقت طويل، حتى يٌحرِّر الشعب الفلسطيني أرضه المحتلة.”(5)

قوم سلمان المحمّدي، هم بشارة الوعد الإلهي، الذين سيكون لهم دور محوري وأساسي، في تحرير فلسطين، فهؤلاء الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ” لو كان الإيمان عند الثريّا لناله رجال من فارس” والذين وصفهم الله بعباده أولي بأس شديد، قد أثبتوا إلى حد الآن، مصداقية عالية في أقوالهم وافعالهم، وبرهنوا بالأرقام التي لا تقبل التّشّكيك، أنهم جديرين بكونهم بشارة الوعد الإلهي، فمن عرف حقهم لحد الآن، فقد اصاب طريق تحرير فلسطين والمقدّسات، ومن جهلهم فلن يدرك حتما الفتح، ولو صلّى وصام واعتكف بالبيت الحرام، “رفعت الأقلام وجفّت الصّحف” (6).

 

المراجع

1 – نداء الإمام إلى حجاج بيت الله 6/9/1981 صحيفة النور ج 15 ص 125.

2 – سورة الإسراء الآية 7

3 – الأمثل في تفسير القرآن الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج8ص409

4 –    عن أبي هريرة قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة:” وآخرين منهم لما يلحقوا بهم” قال قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه، حتى سأل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان، ثم قال:” لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء.” //صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة الجمعة ج6ص151ح4897/ مسلم  كتاب فضائل الصحابة باب فضل فارس ج7ص191ح2546/سنن الترمذي ابواب تفسير القران ج5ص303ح ح3260 وح3261/ مسند احمد مسند ابي هريرة ج13ص 444ح8081 وغيرهم

5 – https://alwelayah.net/post/34039

6 – تعبير منسوب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم / سنن الترمذي ابواب صفة القيامة ج4ص284ح2516

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023