كيف نكون مع الحسين عليه السلام؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

كيف نكون مع الحسين عليه السلام؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

إن للإمام الحسين عليه السلام عند الله مكانة ومقاما رفيعا، لا يمكننا تقدير حجمه، ولا إدراك قربه منه سبحانه، فمن رآه سيّدا يعمل بأحكامه وآدابه في الدينا، مطيعا له تمام الطاعة، نازلا تحت حكمه وقضائه مسلّما له في كل ذلك، أعطاه سيادة شباب أهل الجنة في الآخرة، وخصّه بتلك المنزلة التي يغبطه عليها الأوّلون والآخرون، خامس أصحاب الكساء من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذين اصطفاهم الله بأن أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، وثقْلُ القرآن وعدله، قد تجسّدت في شخصه وسيرته آدابه، فلم يحد عنها لحظة.
حين نسمع تمني قراء المجالس الحسينية مقالة: يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما. ويّكرّرُ المستمعون نفس العبارة، غير ملتفتين ان المطالب لا تدرك بالتمني، وانما تؤخذ غلابا. ويقف بعضهم، إن لم نقل جلّهم عند ذلك التمني، دون أن يُحرّكوا بعقولهم وأفئدتهم نحو الامام الحسين عليه السلام، بعدما سمعوا نداءه، فيلتحقوا بركبه ملبّين.
وهنا يطرح السؤال المهم في حياتنا، كيف نكون مع الحسين عليه السلام، ومن جملة أصحابه؟ وهل بالإمكان قطع المسافة التي تفصلنا عنه بسهولة؟ وما هي السبيل التي توصلنا إلى بلوغ ذلك الهدف السامي، الذي يجسّد كل مفاهيم الإسلام؟
يتصور البعض أن فرصة اللحاق والحسين عليه السلام قد فاتت، كأنّما هو مخصوص بعصر سابق، قد يفصلنا عنه بون زمني شاسع، وظهر في جيل يبعد عنّا أكثر من أربعين جيلا، وعلى هذا البعد ركب قراء المجالس ومحبّوها صهوة التّمني، فذهبت بهم بعيدا عن الحسين عليه السلام وعن كربلائه، كأني بهم ينافسون أهل الكوفة في زمانه، الذين قال عنهم الشاعر الفرزدق، عندما سأله الإمام الحسين عليه السلام: كيف حال أهل الكوفة؟ فقال قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
ليس ذلك بمعنى أن أهل الكوفة أعداء للإمام الحسين عليه السلام، بل إنّ أغلبيتهم أحبّوه استجابوا لسفيره مسلم بن عقيل، عندما حلّ بينهم في الكوفة، وعاش بينهم أياما معدودة، صلّى فيها بآلافهم المؤلفة في مسجدها الجامع، وثم عند الإمتحان سقط ذلك الحب سقوطا فظيعا، وإذا بثقة الامام الحسين وممثّله لديهم، يجد نفسه وحيدا غريبا بين أزقّة الكوفة، تطارده زبانية الشيطان ابن زياد، لم يجد من هؤلاء الذين اعلنوا ولاءهم له وللإمام الحسين عليه السلام على كثرتهم، لم يجد منهم احدا، صدفة وحدها وضعته عند باب امرأة مؤمنة واحدة اسمها طوعة، آوته الى بيتها وأخفته عندها عن الطلب،(1) امرأة عرفت كيف تعبّر عن حبها لأبي عبد الله الحسين عليه السلام، فقامت بواجب مساعدة غريب الامام عليه السلام، مجازفة بحياتها وبيتها، من سطوة ابن زياد لو علم بذلك، لكن ابنها خذلها، فوشى به الى ابن زيادة طلبا للجائزة.
ذلك الحب الذي أكنّه أهل الكوفة للإمام الحسين عليه السلام، كان حبا سلبيا لا يلحق بهم ضررا، لا في انفسهم ولا في أموالهم ولا في أهليهم ومصالحهم، وما عدا ذلك فإنهم مع ابن زياد وطاغيته يزيد، فما يراه ويحكم به يسكتون عنه، يوافقونه عليه، حتى وان كانوا في قرارة انفسهم لا يرضونه، ويسعون الى تنفيذه طائعين، دون نظر الى نتائجه الدنيوية والأخروية، حتى لو كان قتل صالح المؤمنين الذي أدعوا انهم أحبوه ووالوه بألسنتهم، وصلّوا وراءه اجسادا خاوية، حتى اذا تعارضت مصالحهم مع حبه، أخرجوه من قلوبهم فهو لعق على ألسنتهم، يخفون وراءهم مكرا وخداعا.
حب الدينا أكل ايمان أهل الكوفة
شيئان لا يلتقيان في قلب مؤمن، حب الله، وحب الدنيا، والله أعلى وأجلّ وأكبر من أن يقبل بشريك يزاحم في بيته، كذلك حب أوليائه وخاصته في خلقه الذين طلقوا الدنيا، طلاقا بائنا لا رجعة فيه، فحبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحب علي عليه السلام الذي لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق. (2) وفاطمة والحسن والحسين وبقية الأئمة الأطهار عليهم السلام، محبّة لا تجتمع مع حب الدنيا، ولو بالقدار القليل، ومن هنا انهما ضدّان لا يجتمعان، يبدأ بإخلاء القلب الدّنيا وخدعها وغرورها وأمانيّها وبهارجها ومتاعها، وانقاذه من براثن هذا الفايروس الخطير المتحالف مع حزب الشيطان في اغواء القلوب واستدراجها الى السقوط في فخاخه، التي قد تقلب إيمان المسلم وتحوّل قلبه الى مستودع انغلق على متاع الغرور، ونسي حظ ما ذُكّر به من تركها وأخذ الحيطة منها.
وأهل البيت الذين أشرعت لهم الدنيا كل أبواب فسحتها وما طاب فيها للمغرور بها، لم يدخلوا أيّا من ابوابها بعدما عالجوها من بعيد، وأحكموا اقفال قلوبهم عنها، فلم تنل منهم شيئا إخفاقا منها، كما لم ينالوا منها شيئا، دلالة على أنهم ليسوا من اتباعها، بعبارات حكاها عنهم ضرار بن ضمرة الضبائي الذي سأله سائل عن علي عليه السلام فقال: ” فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، ولقد أرخى الليل سدوله، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا يا دنيا إليك عني، أبي تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك، هيهات غُرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلة الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر، وعظم المورد، وخشونة المضجع .” (3)
من هنا تبدأ الرحلة الى كربلاء وصحبة علي والحسن والحسين عليهم السلام، والقافلة دائبة في المسير اليه يلتحق بها كل عائف للدين قد قطّع كل أحابيلها وتحرّر منها فلم يعد يربطه بها شيء، فإن  كنت تريد اللحاق بالقافلة والرّكب المبارك فعليك أن تنسى آمالك فيها إلّا من طاعة لله وعمل يقربك منه ومن أوليائه الكرام.
وإن فاتتك كربلاء الحسين عليه السلام، فإن كربلاء الانسانية المضطهدة لا تزال قائمة، وتشتد فصولها كل يوم، وحب الحسين عليه السلام هو تجسيد لحب الانسانية الطاهرة، الخارجة عن سلطان الدينا وشياطينها، هذه الانسانية التي تتكرر فيها مأساة كربلاء في بلاد العالم المستضعف، الذي استفرد به الغرب المستكبر، ومن لم يحرّك لمآسيها ساكنا، فهو في نظري خاذل للإمام الحسين عليه السلام كما خذله أهل زمانه من الكوفة والمدينة، وقد يكون في مقام المحارب له بحسب درجة خذلانه.
والامام الحسين عليه السلام يجب أن ننظر اليه بعنوانه الكبير، في انه رجل الإصلاح في الأمّة الاسلامية كلها، وليس حكرا على طائفة بعينها، وليس أدل على ذلك قوله: “خرجت طلبا للاصلاح في أمّة جدي.” (4)
لذلك يجب أن يسع مشروع الامام الحسين عليه السلام جميع المسلمين، فقد كان خروجه من أجل الاسلام واصلاح ما افسده الطغاة منه، ونحن المسلمون اليوم في امس الحاجة ليجمعنا الامام الحسين شخصا وفكرا وثورة إصلاح ما أفسده الظالمون واستبدّ به المفسدون في الأرض، علينا أن نشخّص حالاتنا ونخرج من ذلك التشخيص بفائدة الانتقال من دروب الدنيا الى درب الآخرة ومن تهّيب الظالمين والمستكبرين الى خوف الله وحده عندها تكون الاستقامة وتتجلى حقيقة الحب الالهي بالاتباع الصالح.
الامام الحسين عليه السلام ينتظرنا من علياء مجده، ليرى ما سيفرز عليه حبّنا له، وإنه ليحزننا ما جرى له شديد الحزن، مودّة منا واجبة له ولأهل بيته عليهم السلام: ” ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسالكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إنّ الله غفور شكور.” (5)
مسيرة الامام الحسين وثورته كانت ذات اهداف، اجتمعت كلها لأجل مقاومة الظلم الذي ألمّ بالأمة، ونحن نعيش في زماننا تفاقم هذا الوباء الخطير، وانتشاره في اغلب بلداننا الاسلامية، فإن كنا نريد اللحاق بركب الحسين عليه السلام، فلنكن للظالمين خصوما وللمظلومين أعوانا،(6) لا نخاف في ذلك لومة لائم، كما أوصى الامام علي عليه السلام ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام.
إنّ الرصيد الذي جمعه الامام الحسين عليه السلام من واقعة كربلاء، يسمح لنا باكتساح العالم، تعريفا بقيمه التي حققها في ذلك اليوم، إسلام مقاوم لكل مظاهر الفساد بدأه جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تلقّاه منه ابنه الحسين عليه السلام، فكان امتدادا له، في تجسيد تلك المبادئ السامية والقيم الرفيعة، هذه القيمة العالية رآها رجل دين مسيحي اسمه انطوان بارا، اطّلع على ثورة الامام الحسين عليه السلام ومسيرته الى كربلاء، وما جرى فيها من مآسي، فغبطها بقوله: ” لوكان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية ولأقمنا له في كل منبر ولدعونا الناس الى المسيحية باسم الحسين.” (7)
هذا الكنز الحسيني الذي نملكه هل قدّرناه؟ لا اعتقد ذلك على الأقل من طرف أولئك الذي لم يفهموا شيئا منه، وعوض أن يسلكوا نهج ثورته ومقاومته، فتتواصل حركتهم بحركته، فيعمّ الخير على المسلمين والبشرية، ذهبوا الى تشويه مشروعه بأعمال تافهة، تفاهة العقول التي استنبطتها، تجّار سوء يطلبون الصّلة من الامام الحسين عليه السلام بتلك الاعمال المشينة، ولا يمكن ان يجتمع الاصلاح مع الافساد، بل اني أجزم ان وراء هذه الأكمة من الفساد قوى استخبارية عدوّة تعمل على احداث شرخ في تلاحم الامة الاسلامية حول الامام الحسين، وتذّكره في فاجعته الأليمة، بما يرضي الله سبحانه، ويرضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته جميعا عليهم السلام .
لقد أدرك والإمام الحسين ان ثورته ستتحول إلى وهج ثوري يلهب قلوب وصدور المؤمنين على مر الأزمنة فلم يمرّ على شهادة اكثر من 60 سنة حتى اسقط شعاره “يا لثارات الحسين” الحكم الأموي، لتقوم ثورات أخرى بعنوان الاصلاح الذي دعا اليه الامام الحسين عليه السلام فتضعف الحكم العباسي الظالم بدوره، ويستمر الخط الثوري الى يومنا هذا وقد التحق بركب الامام الحسين الامام الخميني  وقاد ثورة اسلامية عارمة لم يشهد لها تاريخ البشرية مثيلا استمدت كل شعاراتها وفكرها من الامام الحسين وعاشورائه الخالدة، وحققت مطمح أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اقامة حكم اسلامي عتيد، مراع لأحكام الله، ومقدّر لضوابط المعاملات الصالحة بين الناس، ومن ايران انتشر الفكر الثوري الحسيني، في رفض الظلم، وعدم الرضا بالذلّ، باعتبار أن المؤمن لا بد أن يكون عزيزا في حياته وهو يواجه أعداءه، وإذا نحن نرى اليوم حركات اسلامية مقاومة للصهيونية والاستكبار، في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، ويمتدّ النهج الثوري الحسيني ليعبّر حقيقة، عن أنه التحق فعلا بالإمام الحسين وكربلائه، وأنّ أولئك الذين أضاعوا الطريق، لم يهتدوا بهدي أبي الأحرار عليه السلام، وبقوا مجرد شواذّ معزولين عن المجتمعات الاسلامية، يزدادون كل مناسبة حسينية، بعدا عن قافلة الامام الحسين عليه السلام، وواقعهم الفاسد الذي يعيشونه، ولا يقدرون على تغييره، بطريقتهم الخاطئة والسيئة، ولو تركوا تلك الأوهام التي عششت في عقولهم، وكانوا بحق أتباع الامام الحسين عليه السلام، فهذه ساحات المقاومة والجهاد مفتوحة، تحتاج الى من ينصر الامام الحسين عليه السلام حقا، في تغيير حال الأمة الاسلامية، من واقعها السيء الذي انتج الظلم والظالمين، وأنماطا من الحمقى والبله لم يدركوا معنى: “هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله؟”.(8) فذهبوا بعيدا في التهريج والاساءة، عاشوراء قوم سلمان المحمّدي اعطت ثورة ونظاما إسلاميا ينافس اليوم القوى العظمى في استحقاقاته، وعاشوراء لدى البعض جهّال، ومن مشى في جهلهم إباحة، اعمال حمقاء مقرفة مشينة، ما أنزل الله بها من سلطان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
المراجع
1 – تاريخ الامم والملوك الطبري ج5ص371/ الطبقات الكبرى ابن سعد ج5ص461/ انساب الأشراف البلاذري ج2ص81/ الكامل في التاريخ ابن الأثير ج4ص32
2 – مسلم كتاب الايمان ج1ص60ح131
3 – بحار الانوار المجلسي ج40 ص345
4 – بحار الانوار المجلسي ج44 ص329
5 – سورة الشورى الآية 23
6 – نهج البلاغة الامام علي الخطبة 47 الخطبة 136.
7 –http://ashouraa.almaaref.org/maqalet/kalo.htm
8 – بحار الانوار المجلسي ج45ص46

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023