السبت , 23 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

انتصار سوريا .. انتصارٌ للفكرِ الحرِ ضدّ الفكر الهمَجي .. بقلم محمد لواتى

لم يكن حمد بن جاسم آل ثاني وسعود الفيصل في بداية مجرى الأحداث فيها إلا مُجرّد أدواتٍ هجينةٍ تلعبُ خارجَ خارطة الفعل، لا أحد منها رأى الواقع وفق تلك المُنعرجات التي ساقتها وكالات الاستخبارات العالمية باستثناء روسيا والصين، لم تكن سوريا في هذه الحرب الكونية التي سُلّطت عليها سوى واجهة للدخول في جوهر الصراع الحقيقي، صراع من أجل تفتيت المنطقة والدفع بها نحو المجهول.. كم كان القذافي رحمة الله عليه واقعياً حين قال في كلمةٍ له في افتتاحية القمّة العربية التي عُقِدَت في سرت 2010 “إن النظام الرسمي العربي يواجه النهاية”، لكن الغباء السياسي أحياناً يكشف الأخطاء قبل حصولها، فغباء القطريين والسعوديين والجامعة العربية حين هرولوا جميعهم إلى مجلس الأمن قصد إصدار قرار مُلزِم وفقاً للمادةِ السابعةِ من ميثاقِ الأممِ المتحدة بضربِ سوريا، لم يدركوا أنهم وضعوا الجميع في الوطن العربي أمام كل الاحتمالات السيّئة.. والآن وقد ضاع منهم مفتاح الحل الخارجي وأعطى سوريا بصمودها حصانة لإقامة الحجّة على فشلهم ومؤامراتهم، بل أن تلك المؤامرات رجعت بالوجع غير المحدود على سياستهم الداخلية، والمالية، والسؤال ماذا يفعلون الآن وقد استعادت سوريا عافيتها وإلى أين يتّجهون أمام تلك الأرواح التي سقطت وأمام التاريخ..؟ لقد كان الوزير حمد بن جابر أشبه بالعنزة الجرباء وهو الوصف الذي أطلقة الحاخام يوسف على” نتنياهو” أما سعود الفيصل، فقد مات وهو أشبه بالبطّة المُقيّدة، وكلاهما مارسَ السياسية من لسان غيره وقرأ ما كتب له غيره، وكلاهما يحمل على ظهره ألف سؤال وسؤال حول هويّته العربية والإسلامية فضلاً عن الغموض الأخلاقي الذي يحكم توجهّاتهم تجاه شعوبهم.. إن السياسية لا تُمارَس من وراء المتاريس ولا تؤخذ عنوّة من أفواه الآخرين، لأنها بمفهومٍ بسيطٍ تجارب وقراءات مُتجدّدة إن للتاريخ أو للإحداث، ومن لا يعي السياقات التاريخية للأحداث لا يعي معنى قوّة التاريخ والجغرافيا في مواجهة العواصف ولن يكون في الواجهة إلا على ظهر الحافات أو على ظهر المغامرات المؤدّية للسقوط.. إن الذين يُجيدون اللعب على حافّة الهاويات هم الذين يصنعون المواقف والبدائل، وهذا ما فعلته سوريا.. في السياسية لا ربح حتى النهاية ولا خسارة حتى النهاية، بل “إن للدول مصالح وليس لها مبادئ ” كما يقول جورج سوروس مؤسّس الثورات الملوّنة… إن سوريا لم تكن إلا ثلاثيّة الموقف الصُلب ضد المُعتدين عليها.. قوّة الجغرافيا، وقوّة التاريخ، وعبء الاستشراف للأحداث، كانت بهذا الثلاثي قارة لوحدها في السياسية أو في الجغرافيا، وفي تحمّل العبء الموجّه إعلامياً واقتصادياً ضدّها.. كان ذلك واضحاً وكان بالأساس مُبرمَجاً لها، لكن للجغرافيا منطق المقاومة، وللتراكُمات التاريخية منطق آخر أشدّ صلابة وكلاهما يكمل الآخر، وهذا ما لم يفهمه الأوروبيون وخاصة فرنسا العجوز وبريطانية المُتآكلة في الوسط الأوروبي، وأميركا المُصابة بالعَمى السياسي بسبب ارتباطها العضوي بقاعدتها العسكرية إسرائيل، والذين تآمروا معها من الأعراب في مساحة هم فيها من صميم الطابور الخامس، هم في واقع الحال أيضاً خارج الدائرة السياسية وإنما يلعبون بالنار كـ”المجوسي يعبد النار والنار تحرقه “، إن همّهم الوحيد القمار، والخمر والنساء في كباريهات الغرب والولايات المتحدة الأميركية، إذن، لقد بدا الكل في سوء فهم لما يجري على الأرض من أحداث لانغماسهم في التبعية العمياء لسياسة الأرض المحروقة.. لم يفكّروا في هذا الجنوح الفاشِل إلا بعد أن تم القبض على أغلب عناصر أجهزتهم الاستخباراتية وهي عناصر فرنسية، تركية، أميركية، قطرية، سعودية. كان على هؤلاء لو كانوا فعلاً سياسيين أن يقرأوا جيّداً التاريخ السياسي السوري والأعباء المُتراكِمة عليه منذ قرون – حوالى سبعة آلاف سنة – والتي أفشلت كل الخطط والمؤامرات.. الرئيس بوتين حين قال” إننا ندافع عن قلب روسيا بالدفاع عن سوريا ” أو حين قال ” إذا سقطت سوريا سندافع عن روسيا من داخل أسوار الكرملين “، وحين يقول هذا الكلام وهو الآتي من عُمق المؤسّسة الاستخبارية “ك جي بي” فلا يقوله عبثاً، فهو يعني جيّداً جغرافية سوريا والمناطق الحسّاسة التي ستطال المنطقة بعد سقوطها فضلاً عن المُحاولات الأوروبية والأميركية لتفجير المنطقة قصد الاستيلاء على النفط والغاز ومناطق الخطوط الدولية الحساسة، باعتبارها مُلتقى القارات.. منطق التسوية في منطق الأعراب كمنطق التسوية الذي يُمارَس اليوم ضدّ الحقائق التي تجري على الأرض في اليمن لا يمكن اقتلاعه ممن صنعوه بعد أن فشلت المؤامرة وأُعيدت الكلمة إلى الشعب السوري، وبالتأكيد لست هنا ممَن يؤمنون بالتخمين أو بالقول رجماً بالغيب إن المستقبل السياسي لكل الذين تورّطوا في الجريمة ضد سوريا هو الآن بيد بشّار الأسد، وسوف يسقط الكل تباعاً بداية من “نتنياهو” وقد سقط سياسياً وهو يستجدي اليوم روسيا من أجل تفعيل اتفاقية فكّ الارتباط- 1974ويطالب “بوتين ” بالتخلّي عن سياسة التسويات وصولاً إلى” ترامب “المُمارِس لسياسة الانهيار لإسرائيل بمواقفه ضدّ الكل، وما سفر قائد الأركان الإسرائيلي ومدير استخباراتها على عَجَل إلى واشنطن الأسبوع الماضي إلا لهذه المهمة.. هم يعلمون أن ترامب يعيش فوضى عارِمة بسبب سوء سياسته تجاه الكل بما فيها إسرائيل فهو في عداوة مع الكل، عداوة أرجعت أميركا إلى الخلف وبشكلٍ مثيرٍ للحيرة ما دفع جون كيري وزير الخارجية في عهد أوباما إلى توجيه رسالةٍ إلى ترامب تحت عنوان ” فضحتنا يا رجل!” كما وجّه جون كيري انتقاداً لاذعاً لترامب واصفاً سلوكه في بداية اجتماع لحلف الناتو بالـ”غريب” والـ”مُعاكس” وجاء التقييم القاسي وغير المُعتاد من قِبَل الدبلوماسي السابق بعد أن صرّح ترامب خلال اجتماع إفطار في بروكسل بأنه يعتبر ألمانيا “أسيرة لروسيا”، واستمرّت هجماته على حلفاء آخرين لمستويات الإنفاق الدفاعي. “لم أرَ رئيساَ يقول شيئاً غريباً أو غير مُجدٍ مثل ترامب ضدّ الناتو وألمانيا، كان الأمر مُخزياً ومدمّراً ويطير في وجه المصالح الفعلية للولايات المتحدة الأمريكية””. والأسوأ أن ترامب يُستَقبل في بريطانيا بأسوأ استقبال لم يحدث مثله في التاريخ لأيّ رئيس، فلم تكن الزيارة لبريطانيا إلا لمنزل السفير الأميركي، فهو”لم يُستقبل في البرلمان ولا في قصر باكينغهام و10 داونينغ ستريت، ولم تُقَم له مأدبة عشاء رسمية في لندن، وخفّضوا من مستوى الاستقبال، وفي مطار خارج لندن، ولم يكن في استقباله سوى السفير الأميركي”. ومع كل هذا الرفض لسياسة ترامب فما تزال السعودية تظنّ أنها لا زالت بعد تؤمن أنها قادرة على تحريك الشارع الإسلامي ضد مَن لا يُقرّ المذهب الوهّابي .. إن الذين كسروا الجامعة العربية قصد تدمير العالم العربي هم مُجرّد أغبياء خدعوا الجميع كما يقول وزير الخارجية الفرنسي السابق.

رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي

 

 

شاهد أيضاً

صفعتهم الزيارة والقمة السورية – الصينية .. فهاجموها…بقلم م. ميشيل كلاغاصي

في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي, وصل الرئيس بشار الأسد إلى الصين حاملاً شموخ دمشق …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024