يبدو أن «القيادة» الصهيونية في تل أبيب وجدت في ترامب الشخصية الملائمة لابتزازه وتحويله إلى «ملكي أكثر من الملك» بعدإعلانه المشؤوم حول الجولان السوري المحتل واعترافه بالقدس «عاصمة» لكيان الاحتلال، فبعد عامين تقريباً على تعيينه لإيلان كار- الشخصية الصهيونية الأشد تطرفاً – مبعوثاً خاصاً لمحاربة «المعادين للسامية».. وهو منصب تم ابتكاره بطلب إسرائيلي.. وضع كار خطة يعدّ فيها «مناهضة الصهيونية شكلاً من أشكال معاداة السامية وتستوجب العقوبات ومنع أي نشاط لها».. وبعد أن حشد له تأييد بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمها فرنسا وبريطانيا المسوؤلتان الرئيسيتان عن نكبة الشعب الفلسطيني وتسليم فلسطين للحركة الصهيونية الاستيطانية الاستعمارية.. هاهو يعلن أن «إدارة ترامب ستعيد النظر في علاقاتها مع أي دولة أو رئيس دولة يناهض الصهيونية وسوف تعده معادياً للسامية» وتفرض على حكومته ما تستوجبه معاداة السامية من عقوبات وإجراءات بموجب البند الخاص بمنع معاداة السامية المُصدّق عليه من الكونغرس وفي الدستور الأمريكي.
وكان كار أعلن لـ«رويترز» الأحد الماضي أنه سيعقد اجتماعات ثنائية علنية – ومن خلف الأبواب المغلقة – مع كل قادة العالم لكي يطرح عليهم هذه السياسة الأمريكية الجديدة، ولكي يُحذر من الرد الأمريكي على كل دولة أو رئيس دولة يناهض الصهيونية ولا يعترف بها «حركة تحرر» لما سماه «الشعب اليهودي».. وقد جاء تصريحه بهذا الشكل بعد أن أجبرت الحركة الصهيونية النسخة الدولية لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية على الاعتذار، لأنها نشرت قبل أسبوع رسماً كاريكاتيرياً في صفحة الرأي عدته تل أبيب والحركة الصهيونية الأمريكية «معادياً للسامية».. وليس من المستبعد أن يقود كار-بالتنسيق مع تل أبيب- حملة يسعى بوساطتها إلى التمهيد «لفرض» علاقات تطبيع بين دول تقاطع الكيان الصهيوني ووضعها ضمن قائمة المناهضين للصهيونية لكي تفرض عليها الإدارة الأمريكية عقوبات ما لم تغير سياستها تجاه الصهيونية، أي الكيان الصهيوني، لكن المسألة لن تتوقف عند هذا النوع من الضغوط والابتزاز على دول تقيم واشنطن علاقات معها مثل الكثير من الدول العربية، بل ستتعدى ذلك لمنع هذه الدول من السماح بنشر أي مادة يعدها الكيان الصهيوني مناهضةً له، لأن مناهضة الصهيونية تعني مناهضة سياسته على غرار الرسم الكاريكاتيري الذي نشرته «نيويورك تايمز».
ويبدو أن ما سيركز عليه كار في بعض الدول العربية سيكون بالتأكيد مطالبة حكام هذه الدول -الصديقة للولايات المتحدة- بإزالة كل أشكال مناهضة الصهيونية من سياساتها وأدبياتها ومروياتها ومنع مواطنيها من نشر كل ما يعدّه الكيان الصهيوني مناهضاً له وللمستوطنين وكل ما تعدّه الحركة الصهيونية في العالم مناهضاً للصهيونية على مستوى العالم.
ويخطئ من يعتقد أن الحركة الصهيونية العالمية وحلفاءها من قوى المستعمرين والإمبرياليين سيتركون الثقافة العربية والإسلامية المناهضة للصهيونية وجرائمها على حالها، لأن خطر هذه الثقافة ودورها أهم من بعض الأخطار الأخرى على الكيان الصهيوني، فهي ذاكرة شعب وأمة وتاريخ يستحيل تجاوز أحداثه ونتائجه على مدى الأجيال.
وإذا كان البعض يرى مبالغةً في هذه الحقيقة، فإليكم أحد الذين يتحدثون عن العرب بلغة أشد وحشيةً فالحاخام أليعيزير كاشتيئيل رئيس أكاديمية أبناء ديفيد (المختصة بتثقيف الشبان اليهود في الكيان الصهيوني قبيل استدعائهم للخدمة العسكرية) يقول في مقابلة مع «قناة 13» نشر بعض ما جاء فيها موقع «نيوز أوف إسرائيل» الإلكتروني في 30 نيسان الماضي حين قال: «انظروا من حولنا سترون شعوباً لديها مشكلات في الجينات، وإذا سألنا عربياً أين تريد أن تكون؟.. نجده يريد أن يكون تحت الاحتلال».. ويضيف: «إن هؤلاء الأغيار يرغبون في أن يكونوا عبيداً لنا واليهود هم أكثر عنصر ناجح، نعم.. فليقولوا إننا عنصريون»!.
هذا ما سيفضي إليه «السلام والتطبيع» مع الحركة الصهيونية، كما يعبّر عنه المنظّرون لها علناً؟!.