السبت , 23 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

الحرب المفبركة على طهران بين الاستعراض والتراجع…بقلم تحسين الحلبي

يبدو أن وكالات المخابرات الأمريكية لا تحتاج بذل جهد كبير في اختراق معظم المجموعات المتطرفة إلى حد يجعلها قادرة على تجنيد بعض متزعميها الذين يوجهون عملياتها، حسبما ترغب به أهم هذه الوكالات، وهي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
ومنذ الثمانينيات نجحت الـ«سي.آي.إي» بسهولة في تجنيد عشرات الآلاف في حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي، وكانت النتيجة ولادة تنظيم «القاعدة» الإرهابي الذي بقي يعمل في مختلف الساحات، وينتج تنظيمات إرهابية أخرى بالنهج نفسه وبالتبعية نفسها للمخابرات الأمريكية سواء باسم «داعش» أو «النصرة» أو غيرهما، ووجدت الإدارات الأمريكية أن توظيف مثل هذه التنظيمات الإرهابية لا يكلف دافع الضرائب الأمريكي أي مبلغ، لأنها تطلب من معظم حكام دول النفط دفع هذه الضريبة من أموال شعوبها لكي توسع السيطرة الأمريكية في العالم وتنفذ سياسات «الفوضى الخلاقة» ضد الدول التي تناهض الهيمنة الأمريكية وتتمسك باستقلالها.
وبعد الهزيمة التي ألحقتها سورية بالتنظيمات الإرهابية التي أنتجتها وكالات المخابرات الأمريكية وحلفاؤها ضد سورية وتعاظم القوة التي يشكلها محور المقاومة بعد انتصار سورية وحلفائها لم تعد الإدارة الأمريكية تجد أمامها خطة لضرب محور المقاومة إلا باستهداف أحد أطرافه الأخرى وهو إيران بالذات وعن طريق التهديد بشن حرب أمريكية مباشرة ضدها هذه المرة وبعد حصار شديد فرضته عليها وحظر اقتصادي متصاعد.
ويبدو أن تل أبيب وواشنطن تحاولان الآن اللعب بآخر ما بقي لهما من الوقت المستقطع في ملعب المنطقة بعد أن هزمتهما المقاومة الوطنية اللبنانية عام 2006 في حرب تموز، وبعد أن هزمتهما سورية في الحرب الإرهابية الكونية التي شُنّت عليها في السنوات الثماني الماضية.
لكنهما يعرفان جيداً أن أي حرب مباشرة أمريكية محدودة ضد إيران قابلة للتحول إلى حرب شاملة وعلى جبهات متعددة، وقد تكون آخر هزائمهما في المنطقة، بل آخر حروبهما فيها.
ولذلك يعتقد الكثيرون من المحللين للشؤون الأمريكية أن التهديد الأمريكي بشن الحرب على إيران لا يمكن أن يكون جدياً، لأن حرباً كهذه لن يكون هدفها احتلال إيران بالطبع، بل توجيه ضربات صاروخية أو جوية على أهداف محددة في محاولة لإرهابها وتفتيت قواتها العسكرية، ومثل هذه الإجراءات لن تغير مواقف إيران أو تضعف قدراتها إلى الحد الكبير، لكن الرد الإيراني سيكون قاسياً لأنه قادر على استهداف القوات البحرية الأمريكية في الخليج أو في بعض قواعدها القريبة البرية، إضافة إلى إمكانية الرد بتوجيه ضربات لـ«إسرائيل» نفسها، في حين أن كلاً من تل أبيب وواشنطن لا يمكن أن يستبعدا مخاوف من احتمال قيام حزب الله باستهداف تل أبيب تحت أي حجة كانت، ولاسيما إذا ما طال زمن العمليات الحربية بين واشنطن وطهران، وازدادت احتمالات اتساع رقعتها في الخليج وفي المنطقة.
وفي المجلة الإلكترونية الأمريكية لمركز دراسات «ناشيونال إنترست» يكشف جيمس هولمز- الخبير في الشؤون الاستراتيجية للحروب البحرية «أن أي حرب أمريكية في الخليج ليست ملحة أو ذات أولوية مقارنة مع حرب أمريكية في بحر الصين الجنوبي أو في البحر الأبيض المتوسط»، ومن ناحية أخرى، سيشكل انشغال إدارة ترامب بحرب في الخليج فرصة لاستنزاف قدرات أمريكا إذا طال زمنها أو اتسعت رقعتها وسط منطقة ليس كل من فيها صديقاً للولايات المتحدة، ويعترف هولمز بأن إيران تستطيع وحدها في الخليج شن حرب بالبحر بشكل يتسبب في خسائر بشرية أمريكية ويهدد حلفاء واشنطن أيضاً.
وفي كل الأحوال، يستحيل على واشنطن حسم الحرب لمصلحتها، وخير دليل على ذلك هو أن حرب أمريكا على أفغانستان لاتزال مستمرة منذ 18 عاماً من دون أن تتمكن واشنطن من فرض أهدافها فيها، فما بالك بإيران ذات الثمانين مليوناً والمنتجة للصواريخ والتكنولوجيا الحربية المتطورة؟

شاهد أيضاً

كتب تحسين الحلبي: الانسحابات الأميركية وإعادة رسم الحروب

يلاحظ الجميع أن الولايات الأميركية لم تخض منذ عقدين تقريباً حروباً ضد جيوش نظامية وهي …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024