الجمعة , 29 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

كتب صلاح الداودي*: عسكر التطبيع والمعيار الاستراتيجي للوبي صفقة القرن في افريقيا

نحاول شرح الأسباب الكبرى للحركة الصهيونية في شرق افريقيا هذه الأيام، أيام صفقة القرن وطبقا لجدول أعمال ترامب-نتنياهو بالتعاون مع الإمارات والسعودية وبخلفية تاريخية أكثر منها راهنة.

من البديهي القول ان المستهدفين الآن من التسلل والتغلغل والعودة والخنق وإعادة الانتشار الصهيوني في افريقيا هم أساسا إلى جانب الوطن العربي وهذا تقليدي والاستفادة من أوروبا وهذا أيضا تقليدي كبيئة استعمار ومتعاون حالي، هم الصين وإيران وتركيا وروسيا، ولكننا نود التذكير هنا بالأسس والخلفيات التاريخية. وبعبارات أخرى، قتل الوطن العربي واخراجه من اللعبة وغلق الأبواب على روسيا ومنافسة الصين ومحاصرة إيران والتضييق على تركيا وتكريس أوروبا هناك خادمة لـ”إسرائيل”.

منذ أواخر القرن التاسع عشر كان زعماء صهيون يتطلعون إلى الاستيطان وجمع الشتات اليهودي من العالم في اوغندا ومن ثم موزمبيق والكونغو وكينيا قبل أن يحتلوا فلسطين. هنا لا بد أن نذكر بأن إثيوبيا قبل أوغندا وهي العراب الأكبر في أيامنا هذه بين دول عربية وكيان العدو ودول افريقية ونفس كيان العدو، إثيوبيا التي تكن العداء التاريخي الأكبر للعرب وتأثيرها هو الأكبر في دعم الانفصاليين بالسلاح في جنوب السودان وغيره.

توجهت فكرة انشاء وطن قومي لليهود ومنذ أيام هرتزل إلى شرق افريقيا وتحديدا أوغندا وكينيا. وكانت المنظمة الصهيونية وقتذاك قد سعت كل سعيها من أجل ذلك، حيث تاصل المشروع-الهدف من خلال كتاب “صهيون في افريقيا” الذي صدر سنة 1967 عن صحيفة جويش فايبلشين سوسيتي”.

قال تشمبرلين وزير المستعمرات البريطانية في سنة 1904: “انني أرى أن المكان الملائم للاستيطان اليهودي يقع بين نيروبي وهضبة ماواي على طول الخط الحديدي في هضبة كينيا الخصبة “. (معاريف، 31 مارس 1971) .

استمر التخطيط لانشاء هذا الوطن القومي المزعوم لليهود في اوعندا التي كانت تشمل كينيا حتى حلول المؤتمر الصهيوني السادس في بازل سنة 1903 والذي أنهى فكرة التجمع من العالم في افريقيا.

منذ أيام غولدا مائير وفي أواخر الخمسينيات تم الإطلاق الصهيوني لما يسمى حلف نصف المحيط الذي يضم إثيوبيا وتركيا وايران. (البعد الدولي للأمن الإسرائيلي، كلية القيادة والأركان، باهامانيه، 24 مارس 1960).

أكدت خارجية العدو في وقت لاحق بعد سلسلة مقاطعات اطلقت بعد 56 و67 و 73 في كل مرة، أكدت على لسان مديرها العام الاسبق شلومو افنيري “إن إسرائيل ستقيم سفارة في كل بلد افريقي تعاد العلاقات الديبلوماسية معه وانها ستختار سفيرا مقيما تتوفر فيه كل اسباب ومؤهلات العمل في القارة الافريقية“.

في سنة 1983 أكد بنحاس مئير الباحث في الدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب ” إن إسرائيل لا يمكنها تحت اي ظرف ان تسمح بتحويل البحر الأحمر إلى جزيرة عربية. وانها لا بد أن تتخذ كل الإجراءات الكفيلة بمواجهة اي تدهور قد يعيق الملاحة الإسرائيلية في هذا البحر“. (سكيرا حودشيت، العدد 3، مارس 1983).

اما إسحاق شيحور الباحث في مركز الدراسات الافرو-آسيوية في الجامعة العبرية فقال:” إن الهدف الجوهري الذي يجب السعي لتحقيقه من خلال سعينا لترميم العلاقات مع افريقيا هو اضعاف علاقات تلك الاقطار مع العالم العربي“. (سكيرا حودشيت، العدد 10، أكتوبر 1983).

تضاف إلى ذلك أهم الوسائل الصلبة وهي اعتماد الانقلابات في افريقيا والاقتحام من الأبواب الامامية في صورة اخفقت المساعدات الاقتصادية والعسكرية. وكان المخططون الاستراتيجيون من أمثال الجنرال احتياط اهرون ياريف وسفران نداف ومناحيم أفيم ويهوشفاط هيركابي ينشغلون بتأمين الوجود الصهيوني والنموذج الابرز على ذلك إيصال موبوتو إلى الحكم. (يديعوت احرونوت، 21، 9، 1979).

في خصوص اوغندا الحالية وجبت الإشارة بداية إلى أن رئيسها الحالي موسيفيني هو من جماعة الصهيونية المسيحية الانجيلية أي من جماعة ترامب ونتنياهو وكوشنير وجرينبلات وفريدمان وبنس واسبر… الخ. حتى إذا كان البعض يقيم الفروق الكبيرة ما بين الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية. ولا بد من أن نذكر أيضا بخلفية تصريح نتنياهو قبل مدة أمام الايباك في الولايات المتحدة، بأنه يريد ثلاث إسرائيلات جديدة: إسرائيل في أفغانستان وإسرائيل في اليمن وإسرائيل في ليبيا. بما يعنى انه يريد نقاط ارتكاز وارتباط وساحات عمل وافضية حيوية استراتيجية في غرب اسيا وفي القرن الافريقي وفي الغرب الافريقي وحتى الشمال الافريقي. كل ذلك يستدعي حتما كل التماس بين الجغراسيا العربية الافريقية والجغراسيا الافريقية الآسيوية اي البحر الأحمر تحديدا ومحيط 380 جزيرة وبطبيعة الحال الشرق الافريقي والوسط. هذا ويلعب مفهوم الساحل والصحراء (س-ص الذي اطلق بين 28 دولة في ليبيا سنة 1998) كل الأدوار التوضيحية في بناء ما يعرف بالحلم الصهيوني في الصحراء.

يعد البحر الأحمر حلقة وصل بين المحيط الهندي والبحر المتوسط، شمالا قناة السويس وجنوبا باب المندب. (لا ننسى طبعا الصراع على غاز شرق المتوسط وقضية ليبيا وتركيا ولا ننسى العدوان على اليمن وما تقوم به الإمارات والسعودية حوله وفي افريقيا و ما تقوم به تركيا أيضا ومصر). أما في القرن الافريقي الذي يلعب دورا في قضية اليمن أيضا وخاصة جيبوتي، فمن المعروف ما وقع ويقع في إثيوبيا والصومال.

تكثف التغلغل في افريقيا تاريخيا نتيجة العدوان الثلاثي على مصر سنة 56 وفتح خليج العقبة وإنشاء مرفأ ايلات عام 57، ام الرشراش المحتلة، والنفاذ إلى الساحل الافريقي. عام 1947 أيدت ليبيربا مثلا كيان العدو واعترفت به سنة 48 وصوتت مع تقسيم فلسطين المحتلة.

تحتفظ افريقيا في المنتظمات الدولية وخاصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة بكتلة صوت افريقي هي الأكبر (31 بالمائة) كاكبر تمثيل قاري. هذا عامل مهم من ناحية رغبة الصهاينة في رفع درجة العلاقات الديبلوماسية مع دول افريقيا ومنظمة الوحدة الأفريقية. هذا عدا عن المجال الجوي الذي يهمها كثيرا كما وقع مع تشاد وكما سيقع مع أوغندا. هذا وتم فتح اول خط جوي مع نيروبي سنة 1951.

يريد العدو بسبب القرب الجغرافي للشرق الافريقي من فلسطين المحتلة، يريد كتلة جيوسياسية كبيرة (يريدها في أمريكا الجنوبية أيضا بالمناسبة، وهنا الدوائر الثلاث التوسعية الصهيونية أي افريقيا وآسيا وما سبق). كتلة جيوسياسية من إثيوبيا وتشاد وكينيا وتنزانيا واوغندا ورواندا والكونغو الديمقراطية والسودان… الخ. يريد حوالي 50 دولة افريقية بعلاقات كاملة ويعتمد ذلك كمعيار استراتيجي لبقاءه في المنطقة.

إلى ذلك، يختنق السودان عدا عن إثيوبيا، يختنق بين تشاد واوغندا (ونحن لا نظن هنا ان علاقة عسكر التطبيع السوداني ومجلسه العسكري جديدة بل من المرجح ان بعضهم ضباط ارتباط مع الصهاينة منذ أيام البشير) تماما كما تختنق ليبيا بين السودان وتشاد، هذا عدا عن الاختناق بين محورين معلومين عربيا خليجيا وعثمانيا حتى لا نقول اخوانيا ووهابيا.

بحرا وجوا وبرا، وإلى جانب الزراعة والصناعة والعسكر والبنى التحتية والثروات والمرافق الحيوية مثل الماء والكهرباء والإسكان، يهتم كيان العدو كما هو معروف بالمياه من النيل إلى الفرات. السودان أيضا تحت تهديد أوغندا بما ان دول بحيرة فكتوريا اي كينيا واوغندا وتنزانيا في نفس الهوى. وبما ان أوغندا تقع على الجزء الأكبر من بحيرة فكتوريا وتسيطر على رافد مهم من روافد نهر النيل الأبيض (بحر الجبل) الذي يمر عبر الأراضي الاوغندية قادما من فكتوريا باتجاه السودان شمالا. وتغذي أوغندا عبر كيان العدو وأمريكا الصراع في السودان مثلما حصل مع كينيا.

يوجد نفس التغلغل في دول البحيرات العظمى اي رواندا وبورندي والكونغو الديمقراطية إلى مياه النيل والبحر الأحمر. هذا ويعمل الكيان الصهيوني من زمان على تدويل البحر الأحمر وخليج عدن. هذا أيضا ربطا بالنزاعات الكبرى في حوض النيل والقرن الافريقي والعدوان على اليمن الذي يريدونه بحيرة يهودية لا بحيرة عربية. وعلى صعيد آخر متصل موقع اريتريا من حيث امتدادها على الشاطئ الغربي من البحر الأحمر حيث يتخذ شكل مثلث يمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب الغربي وترتكز قاعدته على حدود السودان وينتهي برأس يمتد على حدود جيبوتي.

الجزائر أيضا مستهدفة وكل خط مالي، نيجيريا والنيجر…الخ. أما موريتانيا فللاسف الشديد مختنقة أيضا.

انه أيضا ما يسميه الصهاينة “الصهيونية السوداء” من مدخل ما يسمى “النموذج الإسرائيلي للتنمية”. ولا تغيب عنا ابدا كل الوظائف الإرهابية الأخرى.

 

ملاحظة: استمعلنا في هذه الورقة الموجزة القراءة العامة لعدة دراسات قديمة وجديدة لعدة مراكز دراسات عربية وغربية لم نفصل ذكرها في ملحق ببليوغرافي لأننا لم نعتمد تقنيات الكتاب الأكاديمي وإنما اردناها إضاءة إعلامية بحثية إلى حد ما مرتكزة بالمجمل على الإعلام العبري.

 

*المنسق العام لشبكة باب المغاربة للدراسات الاستراتيجية

شاهد أيضاً

كتب هيثم صالح: إفريقيا وصراع المستقبل!!

إفريقيا منجم الذهب الذي حفر فيه الغرب عقوداً طويلة بل قروناً واستأثر بكل ثرواتها، واستعبد …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024