“وراء البلايك”…وسواس قهري

“وراء البلايك”…وسواس قهري

بقلم: منير بلغيث |

الوسواس القهري مرض سلوكي وهو عبارة عن أفكار تتكرر، ورغم أنه في أغلب الأحيان يحاول المصاب به مقاومته فإن الافكار تأتيه رغما عنه، وكل محاولته لمقاومتها تبوء بالفشل وهذا ما يدفعه أن يقوم بأفعال قهرا لا يستطيع الامتناع عنها نظرا لأن هذه الأفعال والأقوال تعكس ما يخزنه في عقله الباطن، إذن ما قامت به رئيسة بلدية باردو وقبلها الممثلة جميلة شيحي هو وجه من أوجه هذا المرض يعكس ثقافة التمييز الجهوي الموجودة في اللاوعي الجمعي لفئة من الشعب التونسي، تختزل أفكارا تقوم على ثقافة إقصاء الأخر بما يمثله من تهديد لانهيار انا المتعالي واختفاء مملكة الرمال التي بنوها على أنقاض تقاليد وعادات كرسها تاريخيا البايات الحسينيين، فما نطقت به رئيسة البلدية له جذوره التاريخية كما ذكر العلامة ابن أبي الضياف، ففي سنة 1856 اقدم الباي الحسيني على سن قانون يكرس مبدأ الميز العنصري أطلق عليه “الإعانة” وكان سببا في إندلاع ثورة علي بن غذاهم، واستمر الحسينيون في ممارسة هذا الظلم واعتبروا عموم الشعب التونسي خارج الحاضرة الضيقة “رعاعا” وثبتوا ذلك بقانون آخر أسموه قانون “الهمج” وبموجبه تم ترحيل كل الوافدين على تونس والمناطق الساحلية قهرا، إذن فثقافة الميز الجهوى ليست غريبة على سكان “الحاضرة” أو ما يطلق عليهم بـ”البلدية”، والغريب أنها ثقافة بدل مقاومتها في بداية دولة الإستقلال ومعاملة كل الجهات على قدم المساواة فإن مؤسس الجمهورية الاولى الحبيب بورقيبة كرس هذه الثقافة، فهمش أغلب ولايات الشمال الغربي والجنوب كعقاب لهم لمناصرتهم صالح بن يوسف، واستمر ذلك بعد فشل تجربة التعاضد بل وصل الأمر إلى إستعمال نفس القانون الذي سنه الحسينيون وقام بترحيل كل النازحين القادمين من الشمال الغربي، هذه الثقافة التي ترسخت في العقل الجمعي عند التونسيين خاصة أن مناويل التنموية منذ الاستقلال وإلى اليوم ركزت على النهوض  بالمناطق الساحلية فكانت منها النخبة التي حكمت تونس طيلة اكثر من 60سنة، وقد خلقت هذه الممارسة هوة كبيرة بين سكان العاصمة والوافدين عليها، وهو الأمر الذي دفع الطبقة البرجوازية إلى حماية نفسها ورفض أي متغير وافد فاعتبرت لهجاتهم ضربا من التخلف وحقّرت أي سلوك لا يتماشى وعاداتهم، وبمرور الزمن تحول هذا الأمر إلى سلوك وثقافة لم تستطع هذه الطبقة تجاوزه رغم التغيير الديمغرافي الحاصل ورغم كل القوانين التي تم تكريسها وظلت حبرا على ورق، فاليوم ألفاظ من قبيل “جبري” ومن “وراء البلايك” مازالت متداولة وبكثرة بل يشترط أن من يتقدم لزواج منهم أن يكون “بلديا” وهو ما وقع لأحد الأصدقاء عندما أراد التقدم لخطبة فتاة احبها اشترط أهلها أن يكون بلديا، حتى وإن أخفى البعض هذه الثقافة واظهر عكسها فإنه في أول جدال وحوار تظهر هذه الثقافة أو المرض لينعتك بأنك قادم من “وراء البلايك”.

في الأخير أقول من وراء البلايك أو من داخل البلايك لا يهم، المهم ماذا قدمت لهذه البلاد، شعب وراء البلايك برهن على انتمائه بالدماء التي دفعها من أجل المحافظة على حدود الوطن وأكد بدمائه أنه الحامي لها من خفافيش الظلام….. وفي بلاد يحترم القانون تقدم هذه السيدة ومثيلاتها الى المحاكمة بتهمة التمييز العنصري… فإلى متى تتواصل هذه المهازل.التي يجرمها الدستور خاصة عندما يتفوه بها مسؤول تم انتخابه لحماية الدستور؟

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023